7 سنوات وسبعة دروس خصوصية

07 سبتمبر 2016
على محمد أن يدرس بجد وإلا تعرض للضرب(Getty)
+ الخط -
يستيقظ صباحا باكرا، ويأخذ دراجته متجها إلى حيث لا أعرف، سألت والدته أين هو متجه، فمازال نائما وعيناه نصف مفتوحتين؟ قالت لي: إنه الدرس الخصوصي، فقد حدد المدرس هذا الموعد وليس لنا يد في تغييره. قلت لها ولكنه لم يتناول إفطاره بعد. قالت حينما يعود سيتناوله.

تكرر المشهد مرة ثانية، ولكنه كان في عز الظهيرة، ذهب الولد راكبا دراجته إلى المدرسة الحكومية، حيث حدد المدرس مكان الدرس وكذلك الموعد، وعاد الولد بعد عشر دقائق فقط، كان يتصبب عرقا وإجهادا، وقال بنبرة فيها بعض الغضب: لقد غيّر المدرس مكان الدرس ويجب أن أذهب إلى بيته.

تدخلت قائلة: أرجوك لا تذهب، فبيته في آخر البلدة ودرجة الحرارة عالية. فردت الأم بالقول: أرجوك لا تجعليه يتمرد علي، فهذه المواعيد مقدسة عندنا حتى إنها مسجلة على هذه الورقة ونحن نلتزم بها، يا للهول، فالورقة مقسمة بالأيام، وكل يوم من أيام الأسبوع به درس خصوصي أو اثنان... هذا كله ومازلنا في شهر أغسطس حيث الإجازة الصيفية!.

سألتها كم درسا يأخذ؟ قالت سبعة، ولماذا.. حتى مادة اللغة العربية يأخذ فيها درسا، ألا يستطيع استذكارها وحده؟!

ردت: إذا اعتمدت على نفسي للمذاكرة له فسوف يتطلب مني هذا التفرغ له نهائيا، أنا فقط أتابع معه. ثانيا هو لا ينتبه ولا يتحمل المسؤولية.

استنكرت قائلة: عذرا، ولكن من السبب في ذلك.. هل أعطيته الفرصة أولا كي تحكمي عليه، أم أنك واقفة فوق رأسه بكل ما أوتيت من قوة حتى يحقق المركز الأول على صفه، ويحقق أحلامك أنت وليس أحلامه هو؟!

جاء محمد من الدرس، ليذهب إلى غيره، ومساء وبعد أن نام جميع الأطفال، وجدت والدته تسأله: هل ذاكرت ما أخذته أمس في درس الدراسات الاجتماعية؟ قال وغصة مكتومة في حلقه: لا، فهو كان يريد فرصة للعب مع أبناء خالته الذين جاؤوا من سفر بعيد. نهرته قائلة: وماذا ستفعل الآن: موعد الدرس في الصباح الباكر وسوف يضربك المدرس إن لم يجدك حفظت كل شيء أخذته المرة الماضية؟

وشمرت الأم عن ساعديها وأمسكت بالعصا وأخذت تذاكر لمحمد وهو نصف نائم مرة أخرى، أخذت تحفّظه بعض التعاريف التي كتبت بعناية كلمة وراء أخرى في سطرين أو ثلاثة، لا أعرف كيف ولماذا يجب عليه حفظها، ولكنه حفظها وبهرني أسلوبه في عرض نفس الكلمات بذات الترتيب، والتي أكاد أجزم أنه لا يفهم منها شيئا. ولكنه يعرف فقط أنه يجب عليه حفظها وتسميعها صماً، وإلا فإنه سيتعرض للضرب إما من الأم أو من المدرس في الصباح الباكر.

تدخلت مرة ثالثة وقلت للأم: رجاء اتركيه لينام فهو مجهد والمعلومات لن تثبت في ذهنه بسهولة وهو في هذه الحالة النصف نائمة، ولكنها تعمدت أن تريني كتبه التي اشترتها له من إحدى المكتبات، إنها فعلا كتب كثيرة وكبيرة ومثقلة بالكلمات السوداء وقليل من الصور الباهتة.
إنه طفل ذاهب للصف الرابع الابتدائي، ليس منطقيا أن يتم حشو رأسه والقضاء على متع اللعب والتخيل بحفظ كل تلك الكتب، فبمجرد تمزيق ورقة أسئلة الامتحانات إلا وسيمحو عقله الباطن والظاهر كل هذا العته الذي احتفظ به لمدة عام.

أخذت أسأل جميع الأمهات هل تعانين مثلما تعاني أختي مع ابنها؟ فقالوا نعم فالدروس الخصوصية الآن تعطى للأطفال منذ سن الروضة، فالطفل يجب أن يذهب إلى المدرسة حافظا كل شيء وإلا أصبح الباقون أشطر وأفضل منه، لم يكن مني إلا أن حمدت الله أن نجدني من هذه الدائرة السوداء التي تعيش داخلها جميع الأمهات المصريات إلا من رحم ربي. ولكني تخيلت في رأسي ماذا سيحدث في حال اعترضت جميع الأمهات وامتنعن عن إرسال أبنائهن إلى المدرسة ولو مرة واحدة، في محاولة لتغيير منظومة تعليم تكاد تكون كالرصاص الذي يصيب الرأس فيرديه قتلا.

المساهمون