يعاني السعوديون المصابون بالتهاب الكبد الوبائي، ولا سيما من النوع "سي"، ليس فقط من المرض الذي يضعف جسدهم ويهدّد حياتهم، إنّما أيضاً من تكلفة علاجه الباهظة جداً، خصوصاً إذا قورنت بتكاليف بلدان مجاورة.
بهدف توفير علاجات التهاب الكبد الوبائي من نوع "سي" التي تزيد قيمتها عن 68 ألف دولار أميركي للمريض الواحد، أعلنت وزارة الصحة السعودية أنّها تبدأ بتأمين علاجات التهابات فيروس الكبد الوبائي بكلّ أنواعها، في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل. ويأتي ذلك فور تشخيص المرض، بعدما أبرمت الوزارة عقداً مع إحدى الشركات المستوردة للأدوية.
على مدى سنوات طويلة، أثار تفاوت أسعار العلاج بين السعودية ودول مجاورة مثل مصر، جدالاً كبيراً في البلاد حيث نجد مائة ألف مصاب بأمراض كبد، يعاني كثيرون منهم من تأخّر العلاج. وقبل نحو ثلاثة أشهر، فتحت وزارة الصحة جدياً ملفّ تفاوت أسعار أدوية فيروس الكبدي الوبائي من نوع "سي" بين السعودية ومصر على سبيل المثال. ففي حين يباع عقار "هارفوني" في السعودية بنحو 22 ألف دولار، كان يباع في مصر بأقلّ من 120 دولاراً. أمّا عقار "سوفالدي" الذي يباع في السعودية بنحو 20 ألف دولار، فلا يتجاوز سعره في مصر مائة دولار.
ويكشف الطبيب المتخصص في أمراض الكلى وزرعها، الدكتور عبدالله المالكي، لـ "العربي الجديد" أنّ "وزارة الصحة تحاول جدياً حلّ مشكلة الأسعار المرتفعة، خصوصاً الأدوية الجديدة مرتفعة الثمن. وقد حدّد 12 طبيباً موزّعين على مختلف مناطق السعودية لصرف العلاج، مع ربط الصرف إلكترونياً مباشرة بوكيل الوزارة للطب العلاجي الفيروسي منعاً للهدر المالي". والمالكي الذي أشرف على بعض بروتكولات العلاج الجديدة، يوضح أنّ "وزارة الصحة سوف تعمد إلى صرف العلاج الباهظ في مدّة لا تتجاوز أسبوعاً واحداً، بعدما كانت في السابق تصل إلى أكثر من ثلاثة أشهر".
من جهته، يؤكّد الطبيب المتخصص في أمراض الكبد، الدكتور فؤاد الموسوي، على أنّ "المريض يحتاج إلى منهج علاجي مؤلّف من خمسة أنواع من الأدوية، تكلف في السعودية نحو 68 ألف دولار، في وقت لا تكلف الأودية ذاتها في مصر أكثر من 600 دولار". ويقول لـ "العربي الجديد" إنّ "المريض يحتاج إلى أدوية غير العلاج الرئيسي، لتعزيز مناعته".
كشف رئيس "الجمعية السعودية لأمراض وزراعة الكبد" الدكتور محمد الغامدي أنّ "ما بين 100 و150 ألف مريض في السعودية يعانون من فيروسات الكبد، وفحوصات الزواج الطبية تكشف حالات كثيرة". وشدّد في مؤتمر نظمته الجمعية، على أنّ "المشكلة التي يواجهها عدد كبير من المرضى هي أسعار الأدوية المكلفة جداً التي لا يقدر المريض على تحمّلها، خصوصاً مع قلة المراكز المتخصصة في الزرع". وإذ أسف لعدم توفّر إحصاء رسمي لعدد المصابين بأمراض الكبد في السعودية، أشار إلى أنّ "إحصاءات عدّة اشتملتها دراسات تخصّ بعض الأمراض ومنها الفيروس سي، بيّنت أنّ في السعودية نحو 100 ألف مصاب بهذا الفيروس". وقد أوضح الغامدي أنّ "عدد الحالات المكتشفة ارتفع مذ أدرج الفحص من ضمن الفحوصات الإلزامية قبل الزواج". ولفت إلى أنّ "الوضع يختلف عن فيروس بي، فالسعودية نجحت في التخلص من هذا الفيروس بدرجة كبيرة، عقب إدراجه في نظام اللقاحات الأساسية وكذلك في فحوصات الزواج".
في هذا السياق، يتحدّث الطبيب المتخصص في أمراض الكبد، الدكتور عبد العزيز القرشي، عن "نحو تسعة آلاف إصابة جديدة من التهاب الكبد الوبائي من نوع سي في السعودية". ويقول لـ "العربي الجديد" إنّ "هذا الفيروس في حال عدم علاجه يتحوّل في 80 في المائة من الحالات إلى إصابة مزمنة تصل إلى تليّف الكبد وثمّ سرطان الكبد. وهو ينتقل في الأساس عبر الدم. قد يكون ذلك من خلال عمليات جراحية أو عمليات نقل دم غير آمنة أو بواسطة الحقن بالإبر الملوّثة أو أدوات أطباء الأسنان غير المعقّمة. وقد يكون ذلك نتيجة أيّ تعامل مع دم ملوّث".
إلى ذلك، تحاول وزارة الصحة بالتعاون مع الجمعيات المتخصصة، زيادة عدد عمليات زرع الكبد، للحالات المتفاقمة من الإصابة بالفيروس، والتي تصل إلى مستوى التليّف أو السرطان. ويقول الغامدي: "نجري نحو 150 عملية زرع كبد سنوياً في المراكز الأربعة المتخصصة في السعودية. لكنّ التبرّع يبقى متواضعاً جداً وسط ارتفاع حالات الإصابة بتليّف الكبد. كثيرة هي عائلات المتوفين دماغياً الذين يرفضون التبرّع، على الرغم من فتاوى دينية رسمية تقول بجواز ذلك". يضيف: "نعاني من قلّة الأعضاء في مقابل قوائم انتظار طويلة جداً"، مشدداً على أنّ تغيير نظرة المجتمع قد تنقذ حياة آلاف المرضى، أكثر من توفير علاج يكلّف نحو 68 ألف دولار.