وفي الوقت الذي يحتفل فيه الجيش المصري بنصر السادس من أكتوبر عام 1973، تقوم قواته على الأرض باستكمال إجراءاتها الجائرة بحق المواطنين في سيناء من تضييق عبر الكمائن العسكرية، إلى تفجير المنازل وجرف الأراضي الزراعية، فضلاً عن استمرار اعتقال الآلاف من أبناء المحافظة، المئات منهم لا يعرف مصيرهم. هذا عدا عن قوائم القتلى والجرحى التي لا تنتهي، بينما يتواصل إرهاب تنظيم "ولاية سيناء"، بل ويتمدد ليطاول مدن محافظة شمال سيناء كافة، في ظلّ عدم قدرة الأمن المصري، كما تظهر التطورات الميدانية، على حسم المعركة المستمرة منذ عام 2012، والتي يواصل المواطنون دفع فاتورتها.
في السياق، قال الحاج أبو جهاد من قبيلة الأرميلات، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "ما يحصل في سيناء على يد الجيش، أوجد فجوة حقيقية بين الدولة المصرية وسكان المحافظة، تفوق تلك التي كانت خلال العقود الماضية". وأوضح أنه "على الرغم من التعامل الخشن الذي لاقاه السيناويون خلال فترة الرئيس المخلوع حسني مبارك وما قبله، لكنّ الإحساس الوطني كان حاضراً في وجدان كل مصري في سيناء، والاستعداد التام لمساعدة الجيش في أي معركة يفكر في دخولها مع الاحتلال الإسرائيلي أو أي عدو خارجي، في ظلّ أن الاضطهاد لأبناء سيناء كان على يد الحكومة وذراعها وزارة الداخلية بأجهزتها المختلفة". وتابع "إلى أن تمّ الدفع بقوات الجيش إلى مناطق سيناء كافة في أعقاب الانقلاب العسكري، وبات التعامل المباشر بين المواطن والعسكريين، فيما كان هذا التعامل سيئا للغاية من قبل الجيش، عبر قيامه بسلسلة من الانتهاكات والاعتداءات اليومية بحق السيناويين منذ ست سنوات".
ولفت أبو جهاد إلى أنّ "الجيل الجديد الذي كبر على تضييقات الجيش المصري لأهله وسكان مدينته، والجيل الذي فقد الكثير منه آباءهم أو أشقاءهم أو مصدر دخلهم، ومنازلهم، لا يمكن له أن يقتنع بأنّ هذا الجيش هو نفسه ذلك الذي حارب الاحتلال الإسرائيلي في حرب عام 1973، ووقف بجواره كل السيناويين، بأرواحهم ودمائهم، طيلة فترة الاحتلال الإسرائيلي وحتى التحرير". وتساءل "كيف للجيش الذي لا تنكر قياداته السابقة وقوف أبناء سيناء بشكل استراتيجي معه في معركة أكتوبر، حتى تحريرها من الاحتلال، أن يقوم بحملات القتل والاعتقال والتجريف بحق السكان أنفسهم الذين وقفوا معه؟". وأكد أنّ "أبناء سيناء ما زالوا ينشدون الأمن والأمان لكل مصر، وفي المقدمة محافظتهم، وهم مستعدون للوقوف صفاً واحداً إلى جانب الدولة في سبيل دحر الإرهاب، إلا أنّ ثمة أطرافا في الدولة نفسها تسعى إلى بقاء الإرهاب فاعلاً في سيناء لتحقيق مصالح شخصية على حساب المحافظة وأهلها، وهذا ما يدعونا إلى نسيان الماضي كما نسي الجيش ذلك (في إشارة إلى تضحيات أبناء سيناء ووقوفهم مع الجيش)، والبحث عن حلّ للنفق المظلم".
وشهدت مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية تفاعلاً لنشطاء من سيناء، ونشر صور رموز من البدو وأهالي المحافظة الذين كان لهم دور بارز في خدمة الجيش المصري ومساعدته ضدّ الاحتلال الإسرائيلي. علماً أنّ هؤلاء الرموز تلقّوا تكريماً يليق بأعمالهم في عهود ماضية، إلى أن جرى نسيانهم في عهد الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، وتم تجاهلهم في الاحتفالات الوطنية كافة بذكرى حرب أكتوبر. ودفع هذا الأمر ناشطين من سيناء، إلى دعوة السيسي إلى رفع الظلم عن المحافظة، في حال كان يعترف بتضحيات أهلها.
وفي التعقيب على ذلك، كشف مسؤول حكومي بمحافظة شمال سيناء لـ"العربي الجديد"، أنه "كانت هناك رغبة لدى بعض الجهات داخل المحافظة، باستدعاء الرموز والشخصيات التي شاركت في معركة تحرير سيناء، أو من ينوب عن الذين ماتوا منهم، وكذلك إقامة معرض تذكاري لكل ما يتعلق بالمشاركين من أبناء المحافظة في الحرب، الشهداء والجرحى والأسرى، وكل من خدم الجيش والدولة المصرية في حربها ضدّ الاحتلال الإسرائيلي، إلا أنه لم تتم الموافقة على ذلك". وأوضح انه تمّ رفض الطلب من إدارة المحافظة، بعد مناقشة ذلك مع القيادات الأمنية التي تعتبر المرجع الأول لكل النشاطات في سيناء، في إشارة إلى تجاهل واضح لكل من له دور في المعركة ضدّ الاحتلال، في حين مرّ يوم 6 أكتوبر بدون أي مظاهر احتفال على مستوى المحافظة التي تعتبر أرض عمليات وشاهدة على الكثير من أحداث الحرب.
وأضاف المسؤول الحكومي أنه "لا توجد أي مراعاة حكومية أو تعامل خاص مع أي شخص أو عائلة كان لها دور سجّله التاريخ في الحرب بسيناء، ضد الاحتلال، فيما لم يقم أي مركز أو خدمة باسم أي من شهداء سيناء أو أهلها المشاركين في محاربة الاحتلال، على الرغم من أنهم حصلوا على تكريم ونوط وأوسمة من قيادات الدولة في عهود سابقة". وأشار إلى أنّ "أهالي سيناء ما زالوا ينتظرون حلّ أزمات عدة في ذكرى انتصار 6 أكتوبر، كفتح الطرق وتحسين الوضع المعيشي، وإصلاح البنى التحتية، وشبكات الاتصالات والإنترنت والمحمول، وكذلك توفير سبل الحياة، كالكهرباء والمياه والمحروقات والمواد الغذائية وقطع غيار السيارات، والخدمة الطبية المتوافرة في محافظات الجمهورية كافة، ما عدا شمال سيناء، على الرغم من كل الحديث عن بطولات المحافظة وأهلها، كبوابة دفاع أولى عن الجمهورية بأكملها من الناحية الشرقية".