04 أكتوبر 2024
5 يونيو كل عام
إنه التاريخ الذي يأتي كل عام من دون تأخير، اليوم الذي يكاد يصرخ كل عام ليحذرنا: إنكم تكررون الأخطاء نفسها، وتفعلون الأشياء نفسها، وتفعلون اللامعقول بأنكم تتوقعون نتائج مختلفة. إنه اليوم الذي يتوسل إلينا، كل عام، بألا نكرر الهزيمة نفسها، لأننا ننتقل من هزيمة إلى هزيمة. إنه يوم الهزيمة التي نخدع أنفسنا ونطلق عليها نكسة، وكأنها كبوة مؤقتة أو خطأ غير مقصود. يوم الهزيمة الذي يذكّرنا كل عام أن الحكم العسكري والقمع والكذب والتضليل لا يؤدي إلا إلى هزيمة عسكرية أو اقتصادية أو سياسية.
إنه اليوم الذي يؤكد أن (دجلية) وليست نظرية أن الخبز قبل الحرية لا تؤدي لا إلى خبز ولا إلى حرية، ولا إلى أي شيء إلا الهزيمة في كل المجالات. وأن دجلية أن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية أولاً، قبل السياسة تؤدي إلى ضياع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية قبل السياسية، وضياع كل شيء، فلقد أثبت التاريخ، في تجاربنا وتجارب الآخرين، أنه لا تنمية، ولا حقوق اقتصادية ولا اجتماعية إلا بالحقوق السياسية أولاً، وحرية الفرد وحقوقه وكرامته أولا.
إنه يوم الهزيمة التي لم نزِل أسبابها بعد، إنه 5 يونيو 1967 التي اكتشف الشعب العربي، فجأة، أنه كان مخدوعا في أوهام وشعارات جوفاء. إنه اليوم الذي كشف أنه لكي تحقق انتصارا عسكريا أو سياسيا أو اقتصاديا، أو في أي مجال، لا بد أن تأخذ، أولاً، بالأسباب العلمية، وليس الشعارات الجوفاء.
إنه ذكرى الهزيمة العسكرية الكبرى، على الرغم من أن من كان يحكمنا وقتها كانوا "عسكر"، عسكروا كل شيء في المجتمع، وحكموا مصر حتى حدثت الهزيمة، ومازالوا يحكمونها، وينتقلون بنا من هزيمة إلى أخرى، في التعليم والصحة والصناعة والبحث العلمي. إنه اليوم الذي يذكّرنا بأن إلغاء الحياة السياسية، وأن القمع والاستبداد والكذب والتضليل والشعارات الجوفاء هي أسباب الهزيمة، وأن التحجج بالمؤامرات الكونية والاستعمار، كالتحجج بالحرب على الإرهاب، لن يؤدي إلا إلى هزيمة وخيبة وتخلف.
إنه اليوم الذي يذكّرنا، كل عام، بأن إلغاء الحياة السياسية وإلغاء المعارضة وتجاهل الحريات وتكميم الأفواه واعتقال كل من يعترض أو يختلف هي أسباب هزيمة 5 يونيو 1967، وأن التضليل الإعلامي والكذب وأن حكم الفرد واختيار أهل الثقة، وليس أهل الخبرة، هو ما قاد الهزيمة العسكرية والتخلف العلمي والتعليمي والاقتصادي والاجتماعي.
يسير عبد الفتاح على خطى الهزيمة نفسها، ويأخذ بأسباب الهزيمة والتخلف، ويزعم المزاعم نفسها، ويكذب الأكاذيب نفسها، إنها الحرب الكونية والمؤامرات الكبرى، ولذلك، لا صوت يعلو فوق صوت المعركة.
السيسي مستاء من صوت أو اثنين خارج السرب وسط جيوش الإعلاميين المنافقين والمطبلين والمضللين، ويقول يا بخت عبد الناصر بإعلامه، متجاهلا ومتناسيا أن إعلام التفخيم والتضخيم والتطبيل والتضليل هو الذي قاد إلى هزيمة يونيو. السيسي مستاء من إعلام الشرشحة والصوت العالي وهو من صنعه وشجعه.
إسرائيل عقدت المحاكمات وجلسات الاستماع والتحقيقات الجادة والدراسات العلمية لدراسة أسباب هزيمتها في 6 أكتوبر 1973، وقاموا بعدها بإصلاح الأخطاء ومعاقبة المقصّر وتعديل كبير في الحياة المدنية والعسكرية، لكننا حتى الآن نسير على خطى الهزيمة، ونأخذ بأسباب هزيمة يونيو 1967، أطلقنا عليها نكسة، واكتفى عبد الناصر بمحاكمات صورية في المجال العسكري، وتجاهل الأسباب الحقيقية للهزيمة.
يذكّرنا يوم ذكرى هزيمة 5 يونيو 1967 بأن القمع والاستبداد وإماتة الحياة السياسية والتطبيل والتضليل والشعارات ونظريات المؤامرة وعسكرة المجتمع وإغلاق كل طرق التعبير والتغيير وسد كل المسارات والسبل هو ما قاد إلى الهزيمة والنكسة. ذكرى 5 يونيو، وكذلك تجارب الشعوب، تذكرننا دوما بأن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، والتخطيط السليم والحكم الرشيد والاهتمام بالتعليم والبحث العلمي، وإطلاق الحريات وتقبل المعارضة والنقد ودراسة أسباب الفشل، هي السبيل الوحيد للتقدم والتنمية والنهضة والاستقرار والأمن والرخاء والقوة العسكرية والسياسية.