في مثل هذه الأيام قبل 45 عاماً، كان الرئيس الأميركي الراحل، ريتشارد نيكسون، يقوم بزيارته التاريخية إلى موسكو التي جاءت حدثاً مفصلياً ضمن مسيرة خفض التوتر بين القطبين في عهد الزعيم السوفييتي ليونيد بريجنيف. وكانت هذه أول زيارة رسمية لرئيس أميركي إلى الاتحاد السوفييتي، إذ لم يضع قدمه على أرضه سوى فرانكلين روزفلت للمشاركة في مؤتمر الحلفاء في يالطا نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945. أما نيكسون، فسبق له أن زار موسكو في يونيو/ حزيران 1959 بصفته نائباً للرئيس لترتيب زيارة الزعيم السوفييتي آنذاك، نيكيتا خروتشوف، إلى الولايات المتحدة.
تُوجّت زيارة نيكسون التي استمرت من 22 وحتى 30 مايو/ أيار 1972، بالتوقيع على اتفاقيتي تقليص الدرع الصاروخية والحد من الأسلحة الاستراتيجية. ونصّت اتفاقية الحد من الأسلحة على امتناع الطرفين عن زيادة عدد منصات إطلاق الصواريخ البالستية من البر والبحر وعدم زيادة عدد الغواصات، بينما اشترطت اتفاقية تقليص الدرع الصاروخية ألا يملك كل طرف ما يزيد عن منظومتين للدفاع الجوي عن العاصمتين السوفييتية والأميركية، قبل إن يتم خفض عددها إلى منظومة واحدة لكل عاصمة في عام 1974.
تشير مديرة مركز دراسات الحرب الباردة في موسكو، ناتاليا يغوروفا، إلى أن التوقيع على اتفاقيتي تقليص الأسلحة والدرع الصاروخية في السبعينيات من القرن الماضي جاء إنجازاً هاماً لسياسة خفض التوتر بين القوتين العُظميين في ذلك الوقت. وتقول يغوروفا لـ"العربي الجديد": "خلال الفترة من نهاية الستينيات وحتى منتصف السبعينيات، جاء تحقيق التكافؤ الاستراتيجي بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة، من بين العوامل الرئيسية لسياسة خفض التوتر".
وحول نتائج توقيع الاتفاقيتين، تضيف: "حوّلت هاتان الاتفاقيتان قضية العلاقات الاستراتيجية بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة إلى قاعدة جديدة تلبي مبدأ المساواة والأمن المتكافئ، الذي شكّل أساساً لكافة الاتفاقيات السوفييتية - الأميركية في مجال الحد من الأسلحة الاستراتيجية في ما بعد". وتتابع: "كانت هذه أول نتيجة ملموسة على طريق تقليص الأسلحة الاستراتيجية وخفض التوتر العسكري بعد تخفيف السياسي".
تكررت لقاءات بريجنيف ونيكسون في واشنطن عام 1973 ومرة أخرى في الاتحاد السوفييتي عام 1974 وأسفرت عن التوقيع على اتفاقيات جديدة في مجال تقليص الأسلحة. كما استمر هذا النهج في السنوات المقبلة، إذ توّج بتوقيع الاتفاقية الثانية لتقليص الأسلحة الاستراتيجية خلال لقاء بريجنيف مع الرئيس الأميركي، جيمي كارتر، في فيينا عام 1979. وعلى الرغم من أن الكونغرس الأميركي لم يصادق على الاتفاقية بسبب التدخّل السوفييتي في أفغانستان في ديسمبر/ كانون الأول من العام ذاته، إلا أن الطرفين التزما بها.
اقــرأ أيضاً
ومع ذلك، فإن ما كان يبدو وكأنه خفض التوتر العسكري آنذاك، تحوّل إلى موجة جديدة من سباق التسلح في عهد الجمهوري رونالد ريغان في ثمانينيات القرن العشرين. بعد توليه زمام السلطة في العام 1981، أعلن ريغان عزمه على استعادة التفوّق العسكري الأميركي، وعاد إلى المواجهة الأيديولوجية الشرسة مع موسكو، لتشهد العلاقات بين البلدين أكبر توتر منذ أزمة الكاريبي في عام 1962.
وعام 1983، وصل الأمر إلى إعلان ريغان أن الاتحاد السوفييتي هو "إمبراطورية الشر"، لتطلق واشنطن برنامج "مبادرة الدفاع الاستراتيجي" أو "حرب النجوم" الذي ورّط الاتحاد السوفييتي في سباق تسلح جديد استنزف موارده. وحول رد فعل الاتحاد السوفييتي على خطط ريغان، تقول يغوروفا: "اعتبرت القيادة السوفييتية قرار إطلاق مبادرة الدفاع الاستراتيجي بمثابة خطوة نحو زعزعة التوازن الاستراتيجي ونقل سباق التسلح إلى الفضاء".
وتشير إلى أن "حدة التوتر ازدادت بعد واقعة إسقاط طائرة بوينغ-747 الكورية الجنوبية من قبل الدفاع الجوي السوفييتي في المياه الإقليمية السوفييتية قبالة جزيرة ساخالين في 1 سبتمبر/ أيلول 1983". وتُعتبر هذه الحادثة التي أسفرت عن مقتل 269 شخصاً، من الأحداث المفصلية في تاريخ الحرب الباردة، إذ إنها أفشلت كل محاولات الحوار وأدت إلى بقاء العلاقات في أسوأ أحوالها حتى اللقاء بين ريغان وآخر زعماء الاتحاد السوفييتي، ميخائيل غورباتشوف، في العاصمة الإيسلندية ريكيافيك عام 1986.
أكثر من ثلاثة عقود مرت على هذه الأحداث، شهد الاتحاد السوفييتي خلالها برنامج الإصلاحات "بيريسترويكا" في النصف الثاني من الثمانينيات وصولاً إلى تفكك الاتحاد عام 1991 وما ترتب عليه من انتهاء الحرب الباردة. إلا أن أجواءها بدأت تخيّم على العالم من جديد، متمثلة في عودة موسكو وواشنطن إلى المواجهة العسكرية غير المباشرة ودعم أطراف النزاعات، بدءاً من جورجيا عام 2008 ومروراً بأوكرانيا في عام 2014 ووصولاً إلى سورية حالياً بلا دلائل على خفض التوتر في الأفق.
اقــرأ أيضاً
تشير مديرة مركز دراسات الحرب الباردة في موسكو، ناتاليا يغوروفا، إلى أن التوقيع على اتفاقيتي تقليص الأسلحة والدرع الصاروخية في السبعينيات من القرن الماضي جاء إنجازاً هاماً لسياسة خفض التوتر بين القوتين العُظميين في ذلك الوقت. وتقول يغوروفا لـ"العربي الجديد": "خلال الفترة من نهاية الستينيات وحتى منتصف السبعينيات، جاء تحقيق التكافؤ الاستراتيجي بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة، من بين العوامل الرئيسية لسياسة خفض التوتر".
وحول نتائج توقيع الاتفاقيتين، تضيف: "حوّلت هاتان الاتفاقيتان قضية العلاقات الاستراتيجية بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة إلى قاعدة جديدة تلبي مبدأ المساواة والأمن المتكافئ، الذي شكّل أساساً لكافة الاتفاقيات السوفييتية - الأميركية في مجال الحد من الأسلحة الاستراتيجية في ما بعد". وتتابع: "كانت هذه أول نتيجة ملموسة على طريق تقليص الأسلحة الاستراتيجية وخفض التوتر العسكري بعد تخفيف السياسي".
تكررت لقاءات بريجنيف ونيكسون في واشنطن عام 1973 ومرة أخرى في الاتحاد السوفييتي عام 1974 وأسفرت عن التوقيع على اتفاقيات جديدة في مجال تقليص الأسلحة. كما استمر هذا النهج في السنوات المقبلة، إذ توّج بتوقيع الاتفاقية الثانية لتقليص الأسلحة الاستراتيجية خلال لقاء بريجنيف مع الرئيس الأميركي، جيمي كارتر، في فيينا عام 1979. وعلى الرغم من أن الكونغرس الأميركي لم يصادق على الاتفاقية بسبب التدخّل السوفييتي في أفغانستان في ديسمبر/ كانون الأول من العام ذاته، إلا أن الطرفين التزما بها.
ومع ذلك، فإن ما كان يبدو وكأنه خفض التوتر العسكري آنذاك، تحوّل إلى موجة جديدة من سباق التسلح في عهد الجمهوري رونالد ريغان في ثمانينيات القرن العشرين. بعد توليه زمام السلطة في العام 1981، أعلن ريغان عزمه على استعادة التفوّق العسكري الأميركي، وعاد إلى المواجهة الأيديولوجية الشرسة مع موسكو، لتشهد العلاقات بين البلدين أكبر توتر منذ أزمة الكاريبي في عام 1962.
وتشير إلى أن "حدة التوتر ازدادت بعد واقعة إسقاط طائرة بوينغ-747 الكورية الجنوبية من قبل الدفاع الجوي السوفييتي في المياه الإقليمية السوفييتية قبالة جزيرة ساخالين في 1 سبتمبر/ أيلول 1983". وتُعتبر هذه الحادثة التي أسفرت عن مقتل 269 شخصاً، من الأحداث المفصلية في تاريخ الحرب الباردة، إذ إنها أفشلت كل محاولات الحوار وأدت إلى بقاء العلاقات في أسوأ أحوالها حتى اللقاء بين ريغان وآخر زعماء الاتحاد السوفييتي، ميخائيل غورباتشوف، في العاصمة الإيسلندية ريكيافيك عام 1986.
أكثر من ثلاثة عقود مرت على هذه الأحداث، شهد الاتحاد السوفييتي خلالها برنامج الإصلاحات "بيريسترويكا" في النصف الثاني من الثمانينيات وصولاً إلى تفكك الاتحاد عام 1991 وما ترتب عليه من انتهاء الحرب الباردة. إلا أن أجواءها بدأت تخيّم على العالم من جديد، متمثلة في عودة موسكو وواشنطن إلى المواجهة العسكرية غير المباشرة ودعم أطراف النزاعات، بدءاً من جورجيا عام 2008 ومروراً بأوكرانيا في عام 2014 ووصولاً إلى سورية حالياً بلا دلائل على خفض التوتر في الأفق.