أيام قليلة فصلت بين مشهدين متناقضين، اﻷول مشاركة وزير الخارجية المصري، سامح شكري، في جنازة الرئيس اﻹسرائيلي السابق، شمعون بيريز، والثاني احتفالات نصر أكتوبر التي حلّت ذكراها اليوم الخميس.
مشاركة شكري في جنازة بيريز في اﻷراضي المحتلة، تعكس جملة التحولات في سياسة القاهرة تجاه الكيان الصهيوني منذ وصول الرئيس الحالي، عبد الفتاح السيسي، للحكم، خصوصاً أنه زار اﻷراضي المحتلة للقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو.
السيسي، وعلى مدار عامين، فتح صفحة جديدة رسمية من التطبيع والتنسيق الأمني والعسكري، متخطيًا حجم التطبيع الذي كان في فترة الرئيس المخلوع، محمد حسني مبارك.
ويمكن فهم سعي السيسي للتقارب الشديد مع إسرائيل في إطار إقناع المجتمع الدولي بدعمه في الحكم، على الرغم من الانتقادات الموجهة إليه، وتحديداً في مسألة الحريات وتردّي أوضاع حقوق اﻹنسان، وعمليات القتل خارج القانون، والتصفيات الجسدية.
وبعد مرور 43 عاماً على نصر أكتوبر، يحاول السيسي تغيير العقيدة القتالية للجيش المصري، من اعتبار أن إسرائيل هي العدوّ اﻷول، إلى صديق يمكن التنسيق معه في إطار واسع، ليس فقط في مسألة التفاهم حول نشر قوات عسكرية إضافية في سيناء لمواجهة المجموعات المسلحة، لكن لدرجة المشاركة في تلك العمليات.
وأطلق السيسي تصريحات، في أكثر من مناسبة، آخرها خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر المنصرم، حول ضرورة إحلال ما سماه "السلام الدافئ"، محاولاً توسيع دائرة التطبيع بين الكيان الصهيوني ودول المنطقة العربية.
وبحسب مراقبين، فإن العلاقات المصرية اﻹسرائيلية وصلت إلى درجة غير مسبوقة لغاية وصفها بـ"العصر الذهبي"، وسط تخوف من التوسع في التطبيع وتغيير العقيدة القتالية للجيش المصري.
في هذا السياق، يعتبر دبلوماسي مصري أن التقارب المصري اﻹسرائيلي حالياً بات فجّا للغاية، خصوصاً أنه لا يدخل حتّى في سياق مبدأ المصلحة في العلاقات الدولية. ويقول لـ"العربي الجديد" إن العلاقات المصرية اﻹسرائيلية لا يمكن إطلاق مصطلح "تقارب" لوصفها؛ إنما هي اندفاع من السيسي من دون حصول على مصلحة ومكاسب حقيقية من اﻷمر.
ويضيف أن إسرائيل هي المستفيد اﻷكبر من الاندفاع المصري، ﻹظهار المجتمع الدولي والرأي العام العالمي بأنها ليست عدوانية أو همجية في التعامل مع الفلسطينيين، بدليل رؤية الرئيس المصري الحالي للعلاقات مع الكيان الصهيوني.
ويشدد على أن الموقف الشعبي الرافض للتطبيع، والذي يعتبر إسرائيل كياناً مغتصباً محتلاً ﻷراض عربية، وهو موقف ثابتٌ لم يتغير، لكن اﻷسوأ هو إحداث تغير في العقيدة القتالية للجيش المصري.
ويوضح أن التنسيق اﻷمني العسكري بين الجانبين، المصري واﻹسرائيلي، لا يتعلق مطلقاً بالتنسيق في إطار اتفاقية "كامب ديفيد"، ﻷن هذا التعاون أبعد مما هو مطلوب من الجانب المصري. ويلفت إلى عقد لقاءات بين مسؤولين عسكريين مصريين وإسرائيليين خلال العامين الماضيين، إذ تفضح اﻷمر الصحافة اﻹسرائيلية دون تعليق أو رد رسمي من مصر.
ويذهب بالقول إلى أن التعاون اﻷمني والعسكري يتعلق بسيناء، فضلاً عن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وقطاع غزة، من حيث تضييق الخناق على أهالي القطاع وزيادة الحصار.
وكشفت مصادر عسكرية، لـ"العربي الجديد"، سابقاً، عن وجود حالة من الارتباك داخل الجيش حول الموقف المصري، وتحديداً العسكري، من إسرائيل، خصوصاً في ظل التعاون والتنسيق الكبير مع كيان الاحتلال.
وتضيف المصادر ذاتها أن تساؤلات بدأت تخرج من ضباط لقياداتهم العليا حول تفسير التقارب المصري مع إسرائيل، لكن جاءت الردود في إطار أن هذه علاقات سياسية ليس للجيش أي علاقة بها.
وتشير إلى أنّ التساؤلات وحالة الرفض "تصل بالتأكيد إلى المجلس العسكري والسيسي نفسه، إذ إن المخابرات الحربية والقيادات العليا يصلها كل شيء، وتضع تقارير حول الاتجاهات العامة في المؤسسة العسكرية".
وتلفت إلى أن الجيش لا يمكنه فعل شيء حيال الأمر، لكن يوجد صدى سلبي وسيئ، خصوصاً أن الأمر يعتبر في إطار التقارب السياسي، لكن ما يحصل له انعكاسات على معنويات الجنود والضباط الصغار، على حد تعبير المصادر.
في المقابل، يؤكد مصدر عسكري آخر، أن التعاون مع إسرائيل لا يتعلق إلا بسيناء فقط، من خلال التبادل المعلوماتي، وإنْ كان بشكل بسيط من جانب إسرائيل.
ويقول إن الجيش المصري يسمح بوجود طائرات من دون طيار إسرائيلية للقيام بعمليات رصد لتحركات المسلحين وقصف أهداف للبؤر الإرهابية، مضيفاً أن هذا التنسيق ليس للضباط والأفراد شأن فيه، بل يتعلق بقرارات القيادات العليا في الجيش المصري.
من جهته، يشدد الخبير العسكري، اللواء يسري قنديل، على أن العقيدة القتالية للجيش المصري لم ولن تتغير، موضحاً أن أصحاب هذه اﻷقوال لا يعرفون شيئا عن المؤسسة العسكرية.
ويقول قنديل لـ"العربي الجديد"، إن الجيش المصري لا يحتاج من يحدد له مَن العدو والصديق، ولفت إلى أن التنسيق العسكري بين البلدين ليس جديداً، ويأتي في إطار ما هو منصوص عليه في اتفاقية السلام.
ويوضح أن العدو اﻷول للجيش إسرائيل بلا شك، وكل التجهيزات والاستعدادات القتالية تتعلق بالدفاع عن اﻷرض من البوابة الشرقية، سواء من إسرائيل أو اﻹرهاب.
ولم يخفِ السيسي هذا التقارب مع إسرائيل، التي من المفترض أن تكون العدو اﻷول لمصر، بل وصلت إلى درجة "المغازلة" في تصريحات عديدة تضمّنت الثناء على نتنياهو في حوارات صحافية مع وكالات أجنبية، أو كما جرى تحديداً خلال لقائه وفداً من رؤساء المنظمات الأميركية اليهودية في فبراير/شباط الماضي.
وتطوّر الأمر إلى حد إنكار النظام المصري الحالي، على لسان وزير خارجيّته، جرائم الكيان الصهيوني بحق أطفال فلسطين، حيث قال نصّاً: "لا يمكن اعتبار قتل الإسرائيليين أطفال فلسطين إرهاباً".
وقبل احتفالات نصر أكتوبر بأيام قليلة، كشفت القناة السابعة اﻹسرائيلية عن أنه تم تغيير اسم معبر طابا ليصبح "مناحيم بيغن"، بحضور عدد من المسؤولين المصريين، وذلك في الذكرى الـ38 لموافقة الكنيست على اتفاقية "كامب ديفيد" في 27 سبتمبر/أيلول 1978.