أصبحت المساكن الهشّة مشكلة حقيقية أرّقت الحكومات الجزائرية المتعاقبة في حين قتلت عشرات المواطنين خلال السنوات الأخيرة، من جرّاء انهيار بعض المساكن. وتقدّر وزارة الإسكان الجزائرية عدد هذه المساكن بنحو 552 ألف وحدة سكنية هشة على مستوى البلاد، تمثل 11% من إجمالي الوحدات السكنية والمقدّرة بنحو سبعة ملايين وحدة سكنية. تجدر الإشارة إلى أن ما من إحصاءات رسمية حول عدد ضحايا تلك المساكن.
وقسّم إحصاء رسمي المساكن الهشة في الجزائر في ثلاثة أنواع: 92 ألف وحدة سكنية هشة مبنية بالخشب ومواد بناء قابلة للتلف، و280 ألف وحدة سكن بُنيت بالإسمنت من دون مراعاة لشروط تقوية هذه المساكن وتدعيمها حتى تتمكن من مواجهة آثار الكوارث الطبيعية، و180 ألف وحدة سكن مبنية بالطوب والجبس ومواد محلية وهي مساكن لا تقاوم الكوارث الطبيعية لا سيّما الفيضانات.
وكانت السلطات قد اتخذت أخيراً قراراً سياسياً يقضي بوضع برامج للقضاء على أزمة السكن، ومنها مشكلة السكن الهش. وتعتزم ولاية الجزائر القضاء على المساكن الهشة في العاصمة لا سيّما بيوت الصفيح والعمارات المهددة بالانهيار قبل نهاية عام 2016.
ووفقاً للبرنامج الذي قدمه مدير السكن إسماعيل لومي، من المفترض ألا تبقى أي عائلة بعد 2016 في بيوت صفيح أو أقبية أو على سطوح الأبنية في جميع بلديات العاصمة البالغ عددها 57 بلدية. وقد أوضح لومي أن مصالح الولاية أحصت 569 حياً من الصفيح (تأوي 58.468 عائلة) وتسعة مواقع شاليهات (2.498 عائلة) و22 حياً سكنياً إيجاراتها متوسطة (5.198 عائلة) و382 بناية مهددة بالانهيار (3.060 عائلة) و882 قبواً وسطح بناية (3.528 عائلة).
من جهته، يقول رئيس المجلس الوطني للخبراء والمهندسين المعماريين الجزائريين عبد الحميد بوداود إن عدد المساكن الهشة في تصاعد كبير، ويتعدى الأرقام الرسمية. ويلفت إلى أن عدد سكان الأبنية الهشة يتراوح ما بين أربعة وخمسة ملايين نسمة، موضحاً أن الظاهرة تمس كل بلديات البلاد البالغ عددها 1541. ويدعو البلديات إلى إحصاء العقارات القديمة وتصنيفها وتقديم لائحة احتياجاتها، مشيراً إلى أن لكل بناية "دفتراً صحياً" لمتابعة حالها لجهة الصيانة لكن السلطات أغفلت العمل بهذا الدفتر.
وحوّل العبث البشري وعوامل طبيعية المدينة القديمة في قصبة الجزائر العاصمة، إلى منطقة مهدّدة بالزوال اجتماعياً وعمرانياً. وتعدّ أكثر من 600 من أبنيتها ذات الطراز العربي الأندلسي، آيلة للسقوط. هي ما زالت صامدة أمام أهوال الطبيعة والزمن في انتظار أشغال إعادة ترميم معلن عنها، طال إنجازها. ويمكن القول إن الكوارث الطبيعية والعوامل البشرية جعلت منها مدينة للموت المحتّم بالنسبة إلى قاطنيها، بعد تصدّعها وتآكلها وتساقط أجزاء منها نتيجة الإهمال. وهو ما يجعل قاطنيها الأصليين في تساؤل دائم حول وضعهم.
وفي خلال جولة قامت بها "العربي الجديد" في أحياء القصبة وأحياء صفيح تحيط بالعاصمة، طالب معظم الأهالي بعدم تجاهل الوضع الاجتماعي المزري الذي يعانونه وبعدم حرمانهم من حق تأمين مسكان بديلة لهم. تقول سليمة: "حياتنا في هذه البيوت مزرية، نظراً لعدم توفر شروط الحياة وضرورياتها فيها". تضيف: "على المسؤولين ألا يقللوا من شأن وضعنا المعيشي والاجتماعي وأن يقفوا عند معاناتنا. معظم السكان هنا لا يملكون من المال ما يمكنهم من اقتناء بيت لائق".
من جهته، يقول سعيد: "أسكن مع عائلتي المكونة من سبعة أفراد في بيت من الصفيح لأننا اضطررنا في سنوات الإرهاب، إلى الانتقال من قريتنا البعيدة إلى العاصمة من أجل الأمان". يضيف: "نحن على حالنا هنا منذ أكثر من عشرين عاماً، ولم نستفد من أي مشروع سكني. ننتظر ترحيلنا إلى مساكن لائقة". وهو المطلب نفسه الذي تشير إليه نعيمة. تقول: "أنتظر ترحيلي إلى سكن يلمّ أولادي اليتامى. لكنني أخاف ألا أحظى بفرصة مثلما حدث مع بعض عائلات، على الرغم من أنني أستوفي الشروط المطلوبة".
إلى ذلك، تقول المهندسة المعمارية فاطمة بوداوة إن "الوضعية الاجتماعية المزرية وضعف مداخيل سكان العشوائيات وافتقارهم إلى مساكن لائقة، تعدّ من بين الأسباب الرئيسية التي دفعتهم إلى اللجوء إلى هذه الأماكن وتشييد مساكن فوضوية والاستقرار فيها. وقد شكل ذلك عبئاً على التخطيط المدني والعمراني وتشويهاً للمدن". تضيف: "ولا يمكن أن ننسى مشكلات التنشئة الاجتماعية مع سعي الأهل لضـمان لقمة العيش، الأمر الذي يضطرهم إلى التغيب طوال الوقت وبالتالي يبقى الحي بمشكلاته وانحرافاته، متنفساً للأطفال".