قد يكون من البديهي لنا، أن الطب وجد لخدمة الإنسان وتخليصه من آلامه وبلسمة جراحه، الأمر الذي يعني بالضرورة أن يملك الطبيب حساً رؤوفاً وأخلاقاً منسجمة مع روح مهنته. لكن تثبت كثير من القصص التي جرت في أزمنة سابقة ولا تزال، أن الطبيب أيضاً يستطيع تجاوز مبادئ مهنته. ما يلي قصص 4 أطباء انحدروا في تجاوزهم إلى قاع مغرق في التوحش والبربرية، وربما أكثر ما يؤسف فيها أن العدالة لم تنل منهم قبل مماتهم.
كان الدكتور توشيو تونو واحداً من بين 3000 آلاف باحث ياباني، خدموا في وحدة 731 المشينة، وهي وحدة أبحاث سرية لتطوير الأسلحة الكيميائية والبيولوجية تابعة لجيش اليابان الإمبراطوري. وجرى داخلها أكثر التجارب وحشية على أسرى الحرب الصينيين وشبه الجزيرة الكورية ومنغوليا والاتحاد السوفييتي، والولايات المتحدة الأميركية.
وزاد من الوحشية، نوعية التجارب التي أجريت، اذ تضمنت حقنهم بأمراض مختلفة، وإزالة أعضائهم وهم على قيد الحياة، خوفاً من أن تؤثر عملية التحلل بعد الموت على النتائج، ، ومن دون تخدير، كما شملت تشريحاً للنساء الحوامل، وانتزاع أجنتهن لدراسة الأمراض الوراثية.
لم يسامح الدكتور تونو نفسه أو زملاءه، عن الفظائع التي ارتكبوها في تلك الوحدة، ووثق ذلك في كتاب بعنوان"أخبر الجميع". وبدلاً من تقديمه للمحاكمة تم منحه الحصانة من قبل الجنرال دوغلاس ماك آرثر، واستقدم للعمل في الولايات المتحدة، لمساعدتهم في برنامج بحوث الأسلحة البيولوجية.
جوزيف مينغيل
كان الدكتور مينغيل أحد الأطباء العاملين في معسكر الاعتقال النازي "أوشفيتز" خلال الحرب العالمية الثانية. وكان يقف بمعطفه الأبيض مع ذراعيه الممتدتين إلى السجناء اليهود، وهم يساقون في القطارات إلى المخيم، ما أكسبه لقب "ملك الموت".
كانت مهمته فحص كل شخص لمعرفة ما إذا كان بصحة جيدة للدخول في معسكر العمل القسري أم لا. وأولئك الذين يعتبرون غير صالحين للعمل، يقادون فوراً إلى غرف الغاز. وكان معروفاً أيضاً بحلوله القاسية لمشاكل بسيطة. على سبيل المثال، أمر مرة بسوق سبعمائة وخمسين امرأة للإعدام بالغاز، بسبب تفشي قمل الرأس بينهن.
كان هوبرتوس ستروهولد طبيبا وباحثاً ألمانيا. وصل إلى الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، وعرف باسم "عراب طب الفضاء". ولديه أكثر من 180 بحثا علميا في الطب الفضائي. وبعد موته، كُشفت تجاربه الطبية النازية.
أخضع السجناء في معسكر الاعتقال داخاو للتعذيب والموت، في تجارب الغمر بالماء، والوضع في غرف الضغط الجوي، وإجبارهم على شرب ماء البحر، والتعرض لدرجات حرارة التجميد، لمعرفة كم من الوقت سيستغرقون ليفارقوا الحياة، وطبق تجارب نقص الأكسجة على ارتفاعات عالية، على المرضى النفسيين من الأطفال، قبل الحرب.
تم القبض على الدكتور موكتر من قبل الأميركيين، أثناء فراره من جامعة كراكوف عام 1945. لكنه تجنب الملاحقة القضائية بفضل عملية "مشبك الورق"، ودخل صناعة الأدوية الألمانية.
أجرى موكتر تجارب التيفوئيد على السجناء في معسكر أوشفيتز ومعسكرات أخرى، ولكن ما فعله بعد هروبه، كان أكثر إجراماً. كان موكتر أحد الكيميائيين الرئيسيين، الذي اخترع دواء يسمى الثاليدومايد.
سُوّق هذا الدواء بين عامي 1950-1960 كمهدئ ومنوم وللتخفيف من أعراض الغثيان الصباحي للحوامل، وتم الترويج له إلى حد وصفه (بالدواء الأعجوبة) من قبل الشركة المنتجة.
وفي غضون أربع سنوات من التوزيع، عانت أكثر من 100،000 من النساء والأطفال من الإجهاض والعيوب الخلقية، كان أخطرها ولادة أطفال من دون أطراف أو بأطراف شبيهة بالزعانف، وهي الحالة التي تعرف باسم فقمية الأطراف، وتشوهات مثل فقد الأذنين أو تشوّه في تكوّن الحبل الشوكي أو القلب أو بعض الأعضاء.
كشفت التحقيقات التي أجريت في الشركة، أن موكتر وغيره من النازيين أنتجوا مادة الثاليدومايد خلال الحرب، وجُرّبت على الأسرى في المخيمات. وأن الدواء كان منتجاً ثانوياً من البحوث التي أجريت لإنتاج ترياق غاز الأعصاب.