بلغت خسائر العراق أكثر من 350 مليار دولار، بسبب الإعداد الخاطئ للميزانية المالية منذ عام 2003 وحتى عام 2015، حيث لم تستثمر الأموال الكبيرة التي أنفقت على القطاعات الإنتاجية في انتشالها من أوضاعها المزرية. يخالف اقتصاد العراق النموذج السائد عالمياً لناحية "الحكومة الصغيرة"، أو لناحية تقليل النفقات والاعتماد على القطاع الخاص، حيث يعبّر حالياً عن دولة كبيرة، يوجد فيها ثمانية ملايين موظف ومتقاعد ينفق لهم 51 تريليون دينار سنوياً (42.5 مليار دولار)، في ظل انخفاض إنتاجية هؤلاء بفعل ضعف الشفافية والرقابة على أداء القطاع العام.
بلغت موازنات العراق منذ عام 2004 وحتى العام الماضي، 797 مليار دولار، 70% منها تشغيلية، توزّع كرواتب للموظفين وتلبية حاجات الدولة، واستثمارية بنسبة 30% تستخدم لتطوير البنى التحتية للبلد، لكن وجود الشخصيات غير المهنية في المناصب العليا، واستفحال الفساد المالي والإداري عطّل التنمية وبدّد الأموال.
مشاريع وهمية
وعزت عضو اللجنة المالية النيابية، ماجدة التميمي، ضعف إعداد الميزانية المالية، إلى وجود بعض الشخصيات في المراكز القيادية لا تتمتع بالكفاءة، بسبب المحاصصة الحزبية التي جلبتهم إلى هذه المواقع المهمة.
وتقول التميمي لـ"العربي الجديد"، إن "الإعداد الخاطئ للموازنة المالية سبّب هدراً كبيراً للمال العام يقدر بـ350 مليار دولار، نتيجة المشاريع الوهمية التي تعطى للشخصيات القريبة من قيادات الأحزاب"، مبينةً أنه "خلال السنوات الماضية كان المال موجوداً، ولكن لم يستثمر بالشكل الصحيح، بسبب الفوضى العارمة التي أدت إلى عدم تسجيل العديد من النفقات أو سجلت بطريقة خاطئة".
اقرأ أيضاً:العراقيون يعيشون الفقر فوق بركة نفط
وتؤكد أن "معظم الشخصيات القيادية في البلد الآن، وجدت نفسها في مناصب لا تتوقعها، وهي الأضعف من الناحية العلمية والإدارية، لأنهم لا يمتلكون الخبرة ولا يرغبون في التطور، بالإضافة إلى أن كل الأحزاب مشاركة في السلطة، وبالنتيجة عندما تفتح الملفات يكون الرد بالاغتيالات والخطف والتهديد والتستر على بعض الشخصيات، ممّا جعلنا نهدر أموالاً كبيرة جداً". وتلفت إلى أنه "لا يوجد تطور في العراق، وحتى المشاريع التي نفذت جودتها ضعيفة وبائسة وبغداد في الستينيات كانت أفضل بكثير من الآن".
موازنة برامج وأهداف
أمّا المستشار الاقتصادي لرئيس الحكومة، عبد الحسين العنبكي، فيقول لـ "العربي الجديد"، إن "هناك مشكلة في البناء العلمي للموازنة العامة، فالعراق يستخدم حالياً موازنة بنود، بينما نحن نحتاج إلى موازنة البرامج والأهداف، وكل سنة نضع بعض اللوائح والأساليب لإصلاح السياسة المالية وإعداد الموازنة بشكل مثالي، ولكن للأسف لم يتم الأخذ بها". ويضيف أن "موازنة البرامج والأهداف تجعل الوزير مسؤولاً عن رفع التنمية في وزارته، من خلال تطبيق المشاريع، ويحاسب إذا أخفق في ذلك".
ويتابع أن "استخدام موازنة الأهداف والبرامج يحتاج إلى ثقافة جديدة، وبناء جديد لهيكلتها، فالموازنة تعتمد بشكل أساسي على النفط الذي تستخرجه عمالة قليلة جداً، ولا يحرك الفعاليات الاقتصادية الأخرى"، مؤكداً أن "الدولة إذا أصرت على موازنة البنود ستكون في حاجة إلى إنشاء صندوق الشعب التنموي، الذي تضع فيه جزءاً من إيرادات النفط، ويدار من قبل مجلس إدارة مستقل، هدفه إقراض المشاريع مما يعظم أرباحه، ويحرّك القطاعات الإنتاجية الأخرى".
بدوره، يقول رئيس قسم الاقتصاد في الجامعة المستنصرية، ميثم لعيبي، لـ"العربي الجديد"، إن "وزارة المالية تحتاج لإعادة هيكلة، وإبعادها عن التحزب، وأن يترأسها شخصية تكنوقراط".
ويشدّد على ضرورة "إبعاد الوزارة عن الروتين والجمود، وتغيير بعض المدراء المسؤولين عن إعداد الموازنة، لأنهم يقفون في طريق التغيير"، داعياً إلى "فصل بعض المؤسسات الإجرائية عن وزارة المالية، كهيئة الضرائب والجمارك وتفرغ الوزارة لقضايا الإصلاح وإعادة الهيكلة وتغيير طرق الإعداد والدراسات والبحوث".
اقرأ أيضاً:"إصلاح" في العراق: الشكوك تلفّ بلد الفساد