فبعد أيام من نشر هذا الخبر، أدلى مبارك بتصريح لصحيفة "المساء" اليومية، وصف فيه المشروع بأنه "مجرد شائعة لا أساس لها من الصحة"، مؤكداً أن "مثل هذا المشروع يؤثر سلباً على حركة السياحة في مدن جنوب سيناء، وفي مقدمتها شرم الشيخ". وهذه المدينة الأخيرة كانت المنتجع المفضّل لمبارك في العقد الأخير من فترة حكمه.
غير أن مراقبين يؤكدون أن هذا لم يكن السبب الرئيسي لرفض مبارك للمشروع الذي من شأنه زيادة حركة السياحة في سيناء ككل، وتسهيل سفر المواطنين السعوديين، وكذلك التخلّص من كابوس عبّارات نقل الحجاج والعمال المصريين من وإلى السعودية، إذ وقعت على مدار العشرين عاماً الماضية العديد من حوادث غرق العبّارات وراح ضحيتها آلاف المصريين.
ويرى المراقبون ذاتهم أن السبب الرئيسي لعرقلة المشروع آنذاك كان رفض إسرائيل مدّ أي جسر بين مصر والسعودية عبر مضيق تيران أو خليج العقبة، محذرة من أن هذا المشروع يمثّل خرقاً للفقرة الثانية من المادة الخامسة بمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية التي صدّق عليها البرلمان المصري، وأصبحت جزءاً من التشريعات المصرية. وتنص هذه الفقرة على أن "يعتبر الطرفان أن مضيق تيران وخليج العقبة من الممرات المائية الدولية المفتوحة لكافة الدول من دون عائق أو إيقاف لحرية الملاحة أو العبور الجوي. كما يحترم الطرفان حق كل منهما في الملاحة والعبور الجوي من وإلى أراضيه عبر مضيق تيران وخليج العقبة".
وتزعم إسرائيل أن إنشاء جسر في هذه المنطقة يعرّض حركة الملاحة البحرية في مضيق تيران للخطر، نظراً لأنه يفترض وجود قوات أمنية مصرية وسعودية في هذا المكان، بما يتناقض مع معاهدة السلام، خصوصاً أنّ مشروع الجسر يمتدّ من رأس حميد بمنطقة تبوك وينتهي بمدينة نبق بجنوب سيناء، مروراً بجزيرة تيران بمضيق تيران. وتفترض إسرائيل بذلك أنّ الجسر يخرق الاتفاقية بوجهين؛ الأول عرقلة حركة الملاحة البحرية، والثاني وجود قوات في هذه المنطقة منزوعة السلاح.
أما العقبة الثانية أمام المشروع فهي مصرية. فهناك دوائر أمنية مصرية لا تزال تؤمن بأفكار مبارك في أنّ إنشاء جسر للنقل البري شمال شرق شرم الشيخ سيؤدي إلى تحويل المنطقة من سياحية نخبوية إلى منطقة مرور وعمل شعبية، ما يستوجب بالضرورة زيادة أعداد قوات الأمن بها، وسينعكس سلباً على أوضاع السياحة بشرم الشيخ.
ويتفق في هذه الأفكار مع الدوائر الأمنية، كبار رجال الأعمال والمستثمرين في مجال السياحة بشرم الشيخ. بل إنّ مصادر مطلعة كانت تتولى مناصب حكومية في نهاية عهد مبارك ترى، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن يكون "رفض مبارك القاطع لهذا المشروع يعود لوقوعه تحت تأثير رجال الأعمال، وفي مقدمتهم صديقه حسين سالم، شريك نجلَيه علاء وجمال مبارك". أما العقبة الثالثة، فترى هذه المصادر الحكومية أنها اقتصادية، إذ لا يُعرف حتى الآن كم ستتحمل مصر من إجمالي تكاليف المشروع، والتي تتجاوز وفقاً لمصادر سعودية 5 مليارات دولار أميركي.
وكانت السعودية أحيت المشروع عقب خلع حسني مبارك عقب ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، وروّجت له كمشروع أضخم من جسر الملك فهد الرابط بين السعودية والبحرين. وكان من المخطط أن يبدأ بناؤه عام 2013، وأن يحمل اسم "جسر الملك عبدالله". إلّا أن اضطراب الأوضاع السياسية بمصر أدى لتأجيل المشروع الذي سيحمل، إذا ما تم إنشاؤه، اسم "جسر الملك سلمان".
وتوضح المصادر الحكومية السابقة أن "من أسباب تأجيل المشروع على مدار السنوات الماضية، التأخر في ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، وهو موضوع الاتفاقية الأهم التي تم توقيعها أمس الأوّل بين رئيس الوزراء المصري شريف إسماعيل وولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان". وتشرح المصادر هذه النقطة بقولها إنّ "الجسر يعتمد بشكل أساسي على أرض جزيرة تيران، التي منحتها السعودية مع جزيرة أصغر تقع شرقها، هي جزيرة صنافير، إلى مصر عام 1949 عقب نكبة فلسطين، بهدف تأمين مضيق تيران وخليج العقبة بالكامل ليصبح مصرياً 100 في المائة في مواجهة الأطماع الإسرائيلية".
وتضيف المصادر ذاتها أنّ مصر اعتبرت الجزيرتَين مصريتين منذ ذلك الحين، لكنها لا تمارس عليهما السيادة بمعناها الفعلي، فلا يوجد بأي منهما أي موقع مهم غير مهبط طائرات صغير في جزيرة تيران، تم تمهيده خلال حرب اليمن بين نظام الرئيس الراحل جمال عبدالناصر والنظام الملكي اليمني ومن خلفه المملكة العربية السعودية. وتوضح المصادر أن "اتفاقية الترسيم يجب أن تعرض على البرلمان المصري قبل إقرارها، مشفوعة بجميع ما يثبت عدم أحقية مصر فيها، وذلك حتى لا تصطدم الاتفاقية بأحكام الدستور التي تمنع التنازل عن أي جزء من الإقليم المصري"، على حدّ تعبيرها.