تجري حالياً نقاشات بين دوائر نظام الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، حول الموعد المناسب لإجراء استفتاء لتعديل الدستور، بما يضمن مد الفترة الرئاسية الثانية للسيسي، التي مضى منها 5 أشهر فقط، عامين إضافيين على الأقل، لتنتهي في 2024 بدلاً من 2022. وقالت مصادر حكومية، لـ"العربي الجديد"، إن هناك 3 اتجاهات تتنازع هذا القرار، ما بين الإسراع في إجراء الاستفتاء العام المقبل أو 2020 بحد أقصى، في وجود التشكيل الحالي لمجلس النواب، أو الانتظار وإجراء الاستفتاء بالتزامن مع انتخابات مجلس النواب نهاية 2020، أو الانتظار لفترة أطول وإجراء الاستفتاء قبيل حلول الموعد الدستوري لنهاية الفترة الحالية.
أصحاب الاتجاه الأول، ومنهم مدير مكتب السيسي السابق ومدير الاستخبارات الحالي، عباس كامل، يرون أنه يجب الإسراع باستغلال التشكيلة الحالية للبرلمان وتبعيته المطلقة للسيسي، وإجراء تعديل واسع للدستور، دون ترك مساحات للمعارضة أو القوى الغربية للتدخل ومحاولة الضغط لوقف الاستفتاء. ويستند أصحاب هذا الرأي أيضاً إلى أهمية الإسراع في إجراء الاستفتاء في عهد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تحسباً لانتهاء فترته وانتخاب رئيس ديمقراطي قد يناصب النظام المصري العداء، أو أن يُعزل ترامب قبل نهاية فترته بسبب أزمة الحكم غير المسبوقة التي يتعرض لها، فيخسر السيسي شخصية، إن لم تصنف على أنها مساندة له فإنها على الأقل لن تبدي ممانعة تذكر لتعديل الدستور أو زيادة صلاحيات السيسي، عكس سلفه باراك أوباما الذي لم يكن يقبل بالسيسي رئيساً للجمهورية، أو منافسته السابقة هيلاري كلينتون التي لم تكن تحترم نظام الحكم المصري الحالي. ورغم وجود خلافات حول قضية ما يسمى بـ"صفقة القرن" ومراوحة دائمة حول مستقبل المساعدات الأميركية لمصر، والتي حررت واشنطن أخيراً الجزء المعلق منها من العام الماضي، إلا أن درجة التفاهم بين القاهرة وواشنطن حالياً أفضل منها قبل انتخاب ترامب. كما أن هناك حالة من الارتياح لدى السيسي بسبب "مؤشرات إيجابية" لمسها وزير خارجيته، سامح شكري، ومدير استخباراته، عباس كامل، في رحلة كل منهما الشهر الماضي للولايات المتحدة قبيل إعلان صرف المساعدات المعلقة.
أما أنصار تأجيل الاستفتاء ليتزامن مع الانتخابات فينتمون لدوائر اقتصادية داخل الحكومة. إذ تم إعداد تقريرين ماليين، من وزارة المالية والهيئة الوطنية للانتخابات، أفادا بعدم وجود مخصصات مالية تكفي لإجراء استفتاء دستوري واسع قبل انتخابات 2020 التي من المتوقع أن تكون الأكثر تكلفة في تاريخ مصر، نظراً لأنها أول انتخابات تشريعية تجرى بعد تحرير سعر الجنيه المصري في خريف 2016، لا سيما أن هيئة الانتخابات ما زالت تستورد معظم خامات الانتخابات من أحبار وأوراق وصناديق بلاستيكية، فضلاً عن أن تصنيع هذه الأدوات بالداخل لن يوفر الكثير، إلى جانب زيادة عدد الناخبين وما سيتطلبه من زيادة عدد اللجان والمشرفين القضائيين. والخطة التي يحاول مفضلو التأجيل متوسط المدى ترويجها هي إجراء الاستفتاء بالتزامن مع انتخابات البرلمان، وبالتالي توفير نحو 80 في المائة من مصاريف الاستفتاء، وعلى رأسها بدلات المشرفين وإداريي اللجان والإقامات والانتقالات والأحبار، وكذلك وسائل الترويج.
أما مقترحو تأجيل الاستفتاء لما قبل انتهاء الفترة الرئاسية مباشرة، فيرون أن الانتظار سيأتي بنتائج أكبر في الصندوق الانتخابي، ويسمح للسيسي بالحصول على دعم شعبي قياسي، وربما يمكنه التمهيد الإعلامي من تغيير الخطة وإزالة قيد عدم تولي المنصب لأكثر من فترتين، فتزيد مدة الفترة الواحدة، ويتمكن أيضاً من تحرير نفسه من القيد الذي لم يكن مفروضاً على الرئيس المخلوع، حسني مبارك، الذي استفاد من التعديل الدستوري الذي أدخله سلفه أنور السادات في العام 1980 ليتمكن من البقاء في الحكم للأبد.
السيسي، بحسب المصادر، لم يحسم أمر الموعد بعد، ولم يحسم أيضاً السيناريوهات البديلة التي قد تطرحها الضغوط الأجنبية، والتي منها التخلي عن الحكم مؤقتاً لشخصية مأمونة، وتوليه رئاسة الحكومة في عهده ريثما يعود للرئاسة مرة أخرى، وهو السيناريو المعروف بـ"بوتين-ميدفيديف" في إشارة لعلاقة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين برئيس الحكومة ديمتري ميدفيديف الذي كان يلعب دور "المحلل" لمنع توالي فترات بوتين الرئاسية مع ضمان استمرار تحكمه في الإدارة. وكانت دعوات للتوقيع الجماعي على استمارات للمطالبة بتعديل الدستور، بما يسمح بإعادة انتخاب السيسي مرة أخرى على الأقل بعد نهاية ولايته الثانية عام 2022، بإلغاء القيد الدستوري على الترشح لولاية رئاسية ثالثة، وعدم زيادة مدة الفترة الرئاسية الواحدة عن 4 سنوات، قد ظهرت خلال الأيام الأخيرة في بعض المصالح الحكومية بمحافظات الوجه البحري بمصر. وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي بمصر، في يوليو/تموز الماضي، صوراً لتلك الاستمارات، تختلف عن بعضها في التصميم الخارجي، لكنها تتفق في المضمون، ما يعكس تحريك هذه المبادرة، حسب وصف بعض الصفحات المؤيدة للسيسي، بواسطة إدارة موحدة تهدف لإحداث حراك سياسي في اتجاه تأييد السيسي وزيادة شعبيته بعد القرارات الاقتصادية الصعبة التي استهل بها ولايته الثانية، وكذلك لحث السلطة التشريعية على دراسة مشروع تعديل الدستور المجمد منذ عام تقريباً، قبل نهاية الفصل التشريعي الحالي عام 2020.
لكن رئيس مجلس إدارة مؤسسة "أخبار اليوم" والمقرب من الرئيس، الصحافي ياسر رزق، كتب مقالاً مطولاً بعد لقاء سري جمعه بالسيسي، بحسب مصادر إعلامية، تحدث فيه عن ضرورة زيادة مدة فترة الرئاسة الحالية حتى 2024. وكانت مصادر بوزارة العدل قد كشفت، لـ"العربي الجديد"، في يوليو الماضي أن قطاع التشريع بالوزارة، بالتعاون مع وزارة الشؤون النيابية، يعكف على إعداد تصور بالمواد الدستورية المرشحة للتعديل، بناء على مطالبات النواب المؤيدين للسيسي من ناحية، وبناء على الصعوبات التي ظهرت للسلطة التنفيذية عند تطبيق بعض المواد من ناحية أخرى. ولن يقتصر أي تعديل دستوري على مد فترة الرئاسة، بل سيمتد أيضاً لإزالة أي عوائق تحول دون ممارسته سلطة مباشرة على جميع سلطات ومرافق الدولة، وأبرزها السلطة القضائية، فضلاً عن حذف بعض الضمانات التي يمنحها الدستور الحالي لوسائل الإعلام والصحافيين، وإعادة صياغة المواد المنظمة لميزانية الدولة، بما يزيل شروط زيادة نصيب التعليم والصحة منها.