يبدو واضحاً أن مسار الأعمال الدرامية (أفلاماً ومسلسلات) المرتبطة بدوافع ثورة 25 يناير وانطلاقها ثم مساراتها وأحداثها، يرتبط بصورة مباشرة بفلسفة النظام السياسي ومدى تمكنه من تنفيذ رؤيته. وقد كشفت ثماني سنوات مرت على الثورة أن المساحة الواسعة في الوسط الفني توفر لكل مرحلة مجموعة من الأنصار الذين يصبغون الثورة باللون الذي يريده من بيده مقاليد الأمور.
الثورة كاشفة
لقد كشفت الأحداث أن كثيراً ممن تصدوا للنقد السياسي خلال تاريخهم الفني قبل اندلاع الثورة، لم يكونوا أكثر من موظفين في بلاط الحاكم يؤدون دوراً محكوماً، لإيهام الجماهير بوجود مساحة من الحرية، وصناعة مشاهد فنية لديمقراطية مزيفة لواقع بائس لا يوفر لأبنائه المتطلبات الدنيا في الحياة من "عيش، حرية، كرامة إنسانية"! لقد دافع هؤلاء عن المخلوع حسني مبارك في أول الأمر، وحين سَقَطَ أشادوا بالمتظاهرين، وحين سقط الشباب في قبضة العسكر، تغنوا بالمشروع العسكري وبدأوا يكيلون للثورة وأبنائها ورموزها كل النقائص والمثالب، وحملوهم وحدهم أسباب الفوضى وانهيار البلاد وأحوال العباد. ومن هذا النوع يتصدر المشهد محمد صبحي وعادل إمام.
على جانب آخر، كانت أحوال أنصار الثورة من الفنانين تزدهر فنياً بازدهار الثورة وارتفاع سقف مطالبها، وتتدنى أحوالهم بارتفاع أسهم الثورة المضادة وعسكرة البلاد، فالأوامر المباشرة وغير المباشرة بتنحية هؤلاء الثوريين عن المشهد أثرت سلباً على ظهورهم بصورة شخصية، وعلى ظهور أعمال تتناول ثورة يناير بصورة إيجابية وموضوعية في زمن اعتبرت فيه الثورة مؤامرة، ومحاولة التغيير السلمي تحريضاً على الفوضى. ومن أمثال هؤلاء الفنانين أحمد عيد وبسمة وعمرو واكد وخالد أبو النجا وغيرهم.
من 2011 إلى 2013
بغض النظر عمّا إذا كانت الأعمال الفنية التلفزيونية والسينمائية تتناسب مع قيمة الحدث الثوري الجلل، إلا أنه لم تمرّ أشهر قليلة حتى اكتظت الدراما التلفزيونية بالأعمال المؤيدة لثورة يناير، وقبل أن تنقضي أيام 2011 أنتجت مجموعة مسلسلات تتعرض بصورة متعجلة إلى ثورة يناير، مثل "صفحات شبابية" للمخرج محمود كامل وعز الدين سعيد، وتأليف ياسمين سليم وأحمد فؤاد سليم، و"المواطن إكس" للمخرجين عثمان أبو لبن ومحمد بكير، وﺗأﻟﻴﻒ محمد ناير، وبطولة يوسف الشريف وأروى جودة، و"خاتم سليمان" للمخرج أحمد عبدالحميد، وﺗﺄﻟﻴﻒ محمد الحناوي، وبطولة خالد الصاوي ورانيا فريد شوقي، ومسلسل "دوران شبرا" إخراج خالد الحجر، وتاليف عمرو الدالي، وبطولة هيثم أحمد زكي وحورية فرغلي.
ثم جاءت 2012 لتعرض القنوات التلفزيونية المصرية والعربية عدة مسلسلات على النسق ذاته، مثل "باب الخلق" ﺇﺧﺮاﺝ عادل أديب، وﺗﺄﻟﻴﻒ محمد سليمان عبدالمالك، وبطولة محمود عبدالعزيز، و"ابن النظام" للمخرج أشرف سالم وتأﻟﻴﻒ مهدي يوسف، وبطولة هاني رمزي وأميرة فتحي، و"على كف عفريت" إخراج أحمد تمام وقصة يحيى فكري، وبطولة خالد الصاوي وكندة علوش.
كما ظلّ الأمر على المنوال ذاته حتى منتصف عام 2013، حيث ظهرت القليل من المسلسلات قبل أن يتمكن نظام الانقلاب تماماً من بسط نفوذه وتصفية خصومه وأنصاره أيضاً، فعرضت مسلسلات "موجة حارة" للمخرج أكرم العربي، عن قصة لأسامة أنور عكاشة، وبطولة إياد نصار ورانيا يوسف، و"تحت الأرض" للمخرج حاتم علي، وقصة هشام هلال، وبطولة أمير كرارة ودينا الشربيني.
سينما الثورة
لا يختلف واقع السينما عن واقع المسلسلات الدرامية؛ فقد أنتجت عدة أفلام تسير في النسق الثوري ذاته، ففي 2011 شهدت دور العرض عدة أفلام ينايرية الهوى، مثل فيلم "18 يوم" تأليف وإخراج شريف عرفة، ويناقش حبس عدد من الشخصيات السياسية بتعليمات من الأجهزة الأمنية داخل أحد مستشفيات الأمراض العقلية، و"صرخة نملة" للمخرج سامح عبد العزيز، وبطولة عمرو عبد الجليل ورانيا يوسف، ويتناول الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الصعبة التي أصبح الشعب المصري يعاني منها، وفيلم "تك تك بوم" إخراج سعاد الهجان، وتأليف إسعاد يونس، وبطولة محمد سعد ودرة، ويناقش فكرة اللجان الشعبية أثناء الانفلات الأمني أيام الثورة. ومن أفلام تلك الفترة الزمنية أيضاً، عدة أفلام أنتجت سنة 2013، مثل "الشتا اللي فات"، و"فبراير الأسود"، و"بعد الطوفان".
زمن الحصار
مع تمكن نظام 3 يوليو/ تموز من السلطة بحجة اعتباره حركة 30 يونيو/ حزيران موجة ثانية لثورة يناير، بدا أن الأمر ليس كما روّج له، حيث بدأت شيطنة فكرة الثورة عموماً وثورة يناير خصوصا، ولم تظهر سوى مجموعة من الأفلام القليلة جداً والتي تحسم موقفها من فكرة الفساد ومآلات الأحداث، مثل فيلم "نوارة"، 2015، بغض النظر عن تقييم النقاد له من الناحية الفنية، وفيلم "اشتباك"، 2016، الذي ناقش بميوعة قضية جريمة قتل 37 متظاهراً في سيارة ترحيلات الشرطة.
اقــرأ أيضاً
الرقابة تحارب الدراما
لم يعد خافياً أن النظام السياسي الجديد كاره للثورة، ووفقاً للمخرج يسري نصر الله، فإن الدولة رغم تمسكها برواية ثورتي يناير ويونيو، فإنها تنتقم من صُناع ثورة يناير، سواء بحبسهم، أو تشجيع الإعلام المؤيد لها على تشوّيه صورتهم.
وهذا الأمر ينطبق تماماً على الأعمال الفنية التي تتعلق بفكرة الثورة والتغيير، فلا يزال مسلسل "أهل إسكندرية" الذي أنتج في 2014، للمخرج خيري بشارة، عن قصة لبلال فضل، ممنوعاً من العرض، لأنه يتعرض لفساد جهاز الشرطة الذي قامت عليه الثورة، ومنع عرض فيلم "حادث النيل هيلتون"، 2017.
وهو من تأليف وإخراج طارق صالح، وبطولة فارس فارس وماري مالك. وفي مارس/ آذار 2018، منعت الرقابة عرض مسرحية "قبل الثورة" للمخرج أحمد العطار ضمن مهرجان وسط البلد للفنون المعاصرة، وهي مسرحية تصف ما كان يعيشه الشعب المصري في فترة قريبة من أحداث 25 يناير، وتزيل الستار عن الإحباطات التي يعاني منها الشعب. كما أن الرقابة في هذه الحقبة الملتهبة صارت تخشى من مضمون بعض الأفلام التي أنتجت قبل ثورة يناير بزمن طويل، مثل فيلم "آخر أيّام المدينة"، 2004، للمخرج تامر سعيد، والذي منع عرضه في دورة 2017 لمهرجان القاهرة السينمائي.
اقــرأ أيضاً
ووفقاً للناقد الفني أسامة الشاذلي، فإن الرقابة في مصر عبارة عن كيان تم تفعيله بعد 1952 لمنع أي أفكار مضادة للنظام الوليد، لكنها سرعان ما تحولت لأداة في يد الديكتاتور لقتل ووأد أي حلم لمبدع يفكر في غير تأليه الحاكم أو عرض ما تعانيه البلاد.
وفي ظلّ هذه المواجهة بين النظام والتيار الفني المتعاطف مع ثورة يناير، كان بديهياً أن تنحسر هذه الأعمال، حيث لا يغامر المنتج بتناول موضوعات قد تضّر بعملية التسويق وتعرضه لخسائر كبيرة، مثلما حدث في أكثر من عمل، خاصة أن أجهزة الدولة تجاهد بصورة كبيرة في مسألة السيطرة على مفاصل الحركة الإعلامية والثقافية والفنية وتطويعها لخدمة مشروعها الشمولي.
الثورة كاشفة
لقد كشفت الأحداث أن كثيراً ممن تصدوا للنقد السياسي خلال تاريخهم الفني قبل اندلاع الثورة، لم يكونوا أكثر من موظفين في بلاط الحاكم يؤدون دوراً محكوماً، لإيهام الجماهير بوجود مساحة من الحرية، وصناعة مشاهد فنية لديمقراطية مزيفة لواقع بائس لا يوفر لأبنائه المتطلبات الدنيا في الحياة من "عيش، حرية، كرامة إنسانية"! لقد دافع هؤلاء عن المخلوع حسني مبارك في أول الأمر، وحين سَقَطَ أشادوا بالمتظاهرين، وحين سقط الشباب في قبضة العسكر، تغنوا بالمشروع العسكري وبدأوا يكيلون للثورة وأبنائها ورموزها كل النقائص والمثالب، وحملوهم وحدهم أسباب الفوضى وانهيار البلاد وأحوال العباد. ومن هذا النوع يتصدر المشهد محمد صبحي وعادل إمام.
على جانب آخر، كانت أحوال أنصار الثورة من الفنانين تزدهر فنياً بازدهار الثورة وارتفاع سقف مطالبها، وتتدنى أحوالهم بارتفاع أسهم الثورة المضادة وعسكرة البلاد، فالأوامر المباشرة وغير المباشرة بتنحية هؤلاء الثوريين عن المشهد أثرت سلباً على ظهورهم بصورة شخصية، وعلى ظهور أعمال تتناول ثورة يناير بصورة إيجابية وموضوعية في زمن اعتبرت فيه الثورة مؤامرة، ومحاولة التغيير السلمي تحريضاً على الفوضى. ومن أمثال هؤلاء الفنانين أحمد عيد وبسمة وعمرو واكد وخالد أبو النجا وغيرهم.
من 2011 إلى 2013
بغض النظر عمّا إذا كانت الأعمال الفنية التلفزيونية والسينمائية تتناسب مع قيمة الحدث الثوري الجلل، إلا أنه لم تمرّ أشهر قليلة حتى اكتظت الدراما التلفزيونية بالأعمال المؤيدة لثورة يناير، وقبل أن تنقضي أيام 2011 أنتجت مجموعة مسلسلات تتعرض بصورة متعجلة إلى ثورة يناير، مثل "صفحات شبابية" للمخرج محمود كامل وعز الدين سعيد، وتأليف ياسمين سليم وأحمد فؤاد سليم، و"المواطن إكس" للمخرجين عثمان أبو لبن ومحمد بكير، وﺗأﻟﻴﻒ محمد ناير، وبطولة يوسف الشريف وأروى جودة، و"خاتم سليمان" للمخرج أحمد عبدالحميد، وﺗﺄﻟﻴﻒ محمد الحناوي، وبطولة خالد الصاوي ورانيا فريد شوقي، ومسلسل "دوران شبرا" إخراج خالد الحجر، وتاليف عمرو الدالي، وبطولة هيثم أحمد زكي وحورية فرغلي.
ثم جاءت 2012 لتعرض القنوات التلفزيونية المصرية والعربية عدة مسلسلات على النسق ذاته، مثل "باب الخلق" ﺇﺧﺮاﺝ عادل أديب، وﺗﺄﻟﻴﻒ محمد سليمان عبدالمالك، وبطولة محمود عبدالعزيز، و"ابن النظام" للمخرج أشرف سالم وتأﻟﻴﻒ مهدي يوسف، وبطولة هاني رمزي وأميرة فتحي، و"على كف عفريت" إخراج أحمد تمام وقصة يحيى فكري، وبطولة خالد الصاوي وكندة علوش.
كما ظلّ الأمر على المنوال ذاته حتى منتصف عام 2013، حيث ظهرت القليل من المسلسلات قبل أن يتمكن نظام الانقلاب تماماً من بسط نفوذه وتصفية خصومه وأنصاره أيضاً، فعرضت مسلسلات "موجة حارة" للمخرج أكرم العربي، عن قصة لأسامة أنور عكاشة، وبطولة إياد نصار ورانيا يوسف، و"تحت الأرض" للمخرج حاتم علي، وقصة هشام هلال، وبطولة أمير كرارة ودينا الشربيني.
سينما الثورة
لا يختلف واقع السينما عن واقع المسلسلات الدرامية؛ فقد أنتجت عدة أفلام تسير في النسق الثوري ذاته، ففي 2011 شهدت دور العرض عدة أفلام ينايرية الهوى، مثل فيلم "18 يوم" تأليف وإخراج شريف عرفة، ويناقش حبس عدد من الشخصيات السياسية بتعليمات من الأجهزة الأمنية داخل أحد مستشفيات الأمراض العقلية، و"صرخة نملة" للمخرج سامح عبد العزيز، وبطولة عمرو عبد الجليل ورانيا يوسف، ويتناول الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الصعبة التي أصبح الشعب المصري يعاني منها، وفيلم "تك تك بوم" إخراج سعاد الهجان، وتأليف إسعاد يونس، وبطولة محمد سعد ودرة، ويناقش فكرة اللجان الشعبية أثناء الانفلات الأمني أيام الثورة. ومن أفلام تلك الفترة الزمنية أيضاً، عدة أفلام أنتجت سنة 2013، مثل "الشتا اللي فات"، و"فبراير الأسود"، و"بعد الطوفان".
زمن الحصار
مع تمكن نظام 3 يوليو/ تموز من السلطة بحجة اعتباره حركة 30 يونيو/ حزيران موجة ثانية لثورة يناير، بدا أن الأمر ليس كما روّج له، حيث بدأت شيطنة فكرة الثورة عموماً وثورة يناير خصوصا، ولم تظهر سوى مجموعة من الأفلام القليلة جداً والتي تحسم موقفها من فكرة الفساد ومآلات الأحداث، مثل فيلم "نوارة"، 2015، بغض النظر عن تقييم النقاد له من الناحية الفنية، وفيلم "اشتباك"، 2016، الذي ناقش بميوعة قضية جريمة قتل 37 متظاهراً في سيارة ترحيلات الشرطة.
الرقابة تحارب الدراما
وهذا الأمر ينطبق تماماً على الأعمال الفنية التي تتعلق بفكرة الثورة والتغيير، فلا يزال مسلسل "أهل إسكندرية" الذي أنتج في 2014، للمخرج خيري بشارة، عن قصة لبلال فضل، ممنوعاً من العرض، لأنه يتعرض لفساد جهاز الشرطة الذي قامت عليه الثورة، ومنع عرض فيلم "حادث النيل هيلتون"، 2017.
وهو من تأليف وإخراج طارق صالح، وبطولة فارس فارس وماري مالك. وفي مارس/ آذار 2018، منعت الرقابة عرض مسرحية "قبل الثورة" للمخرج أحمد العطار ضمن مهرجان وسط البلد للفنون المعاصرة، وهي مسرحية تصف ما كان يعيشه الشعب المصري في فترة قريبة من أحداث 25 يناير، وتزيل الستار عن الإحباطات التي يعاني منها الشعب. كما أن الرقابة في هذه الحقبة الملتهبة صارت تخشى من مضمون بعض الأفلام التي أنتجت قبل ثورة يناير بزمن طويل، مثل فيلم "آخر أيّام المدينة"، 2004، للمخرج تامر سعيد، والذي منع عرضه في دورة 2017 لمهرجان القاهرة السينمائي.
ووفقاً للناقد الفني أسامة الشاذلي، فإن الرقابة في مصر عبارة عن كيان تم تفعيله بعد 1952 لمنع أي أفكار مضادة للنظام الوليد، لكنها سرعان ما تحولت لأداة في يد الديكتاتور لقتل ووأد أي حلم لمبدع يفكر في غير تأليه الحاكم أو عرض ما تعانيه البلاد.