18 عاماً على هبّة أكتوبر في الداخل الفلسطيني: ماذا تغيّر؟

01 أكتوبر 2018
من إحياء الذكرى بالداخل في وقت سابق(أحمد غرابلي/فرانس برس)
+ الخط -
بإضراب عام وشامل، ومسيرة مركزية في قرية جت بمنطقة المثلث، تحيي الجماهير العربية في الأراضي المحتلة عام 1948، اليوم، الذكرى الثامنة عشرة لهبّة القدس والأقصى، التي وقعت أحداثها في أكتوبر/تشرين الأول 2000، وأدت إلى سقوط 13 شهيداً في الداخل الفلسطيني، خلال احتجاجات على اقتحام أرييل شارون وقتئذ للمسجد الأقصى، مستفزاً مشاعر المسلمين والفلسطينيين عامة. وبعد مرور 18 عاماً على هبّة القدس والأقصى، شهد المجتمع العربي في الداخل الفلسطيني، تغيّرات كثيرة، منها ما أثر على الجوانب السياسية والوطنية.

يرى محمد زيدان، الرئيس السابق للجنة المتابعة العليا لفلسطينيي الداخلي ولمجلس كفرمندا المحلي، أن "هبّة القدس والأقصى تشكّل واحدة من المحطات المركزية في تاريخ شعبنا". ويقول زيدان في حديث لـ"العربي الجديد"، مستذكراً ما حدث في أكتوبر 2000 وقرار الإضراب: "قراراتنا كانت منسجمة مع الظروف في تلك الفترة. والتعبئة للجماهير العربية، جعلتنا نخرج إلى الشوارع احتجاجاً على اقتحام شارون في حينها للمسجد الأقصى برفقة المئات من جنود الاحتلال"، مضيفاً: "كان موقفنا أن الأقصى في خطر وأن الاستفزازات من قبل شارون، هي محاولة لفرض السيادة الإسرائيلية على القدس والمسجد الأقصى، وهذا يمس بمشاعرنا جميعاً، وعليه هيأنا الأجواء كقيادات في الداخل الفلسطيني، للدفاع عن المسجد الأقصى بالأدوات المتاحة، وأعلنا الإضراب".

ويؤكد زيدان أنه "لا يمكن أن ننسى يد البطش التي تعاملت بها قوات شرطة الاحتلال مع جماهيرنا، بعدما اقتحمت بلداتنا العربية بقوات كبيرة مدججة بالسلاح، وكانت النتيجة أنها قتلت 13 شاباً، هم شهداء هبّة القدس والأقصى"، معتبراً أن "المؤسسة الإسرائيلية بمختلف أذرعها أرادت ردعنا عن النضال والكفاح في سبيل قضايانا ومؤسساتنا، في سبيل وطننا السليب، في سبيل عاصمة الشعب الفلسطيني، القدس المحتلة".

ويتحدث زيدان عن الفترة التي سبقت هبّة القدس والأقصى، قائلاً "زارني في المجلس المحلي شخص إسرائيلي معروف هو أمنون لين، الذي تقلّد مناصب عدة، كما أجرى أبحاثاً حول مجتمعنا العربي، وسألني عن وضع المجتمع العربي وتوقعاتي لرد الفعل إذا ما حدثت أية تغييرات أو تحركات إسرائيلية في القدس أو المسجد الأقصى، وكان الأمر في إطار أبحاث عن مجتمعنا وإعداد تقرير للحكومة كما قال، ولم ندرك في حينها أن هذا التوجّه كان توطئة لما قد يحدث"، مشيراً إلى أنه "بعد اقتحام شارون المسجد الأقصى وهبّة جماهيرنا ضد ذلك، عرفت أن ذاك الشخص كان يحاول جس نبض أبناء شعبنا في الداخل".

ويؤمن زيدان أن المناسبات الوطنية في الأراضي المحتلة عام 1948 ومنها هبّة القدس والأقصى، يجب أن تكتسب زخماً جماهيرياً أكبر. ويقول في هذا السياق: "لا يخفى على أحد أن هناك تراجعاً في حجم المشاركة، وهذا يعود لأسباب عدة، منها ما يتعلق بالقيادات، ومنها ما يتعلق بتجديد الأدوات النضالية، وحتى لأسباب اجتماعية، فمجتمعنا منشغل بأمور كثيرة". ولا يقلل زيدان من الجهود المبذولة من قبل القائمة المشتركة ولجنة المتابعة العليا، في التوجّه إلى مؤسسات حقوقية وهيئات دولية لطرح قضايا فلسطينيي الداخل ومواقفهم وفضح العنصرية الإسرائيلية، "لكن في الوقت نفسه يجب ترميم البيت الداخلي، بإعادة اللحمة إلى مجتمعنا وتحصينه وطنياً وشحذ الجماهير" على حد تعبيره.

تأثير الوضع الاجتماعي-الاقتصادي
في قراءته لوضع المجتمع الفلسطيني في الأراضي المحتلة عام 1948، منذ هبّة القدس والأقصى وعلى مدار 18 عاماً، يرى المحاضر في قسم دراسات الشرق الأوسط في جامعة حيفا، محمود يزبك، أن المنظومة السياسية لهذه الشريحة من الشعب الفلسطيني وقعت تحت تأثير ظروف اجتماعية-اقتصادية وتأثرت بها في ظل غياب الدور المطلوب من القيادات. ويوضح يزبك في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "تغييرات كبيرة وكثيرة حدثت في المجتمع الفلسطيني في الداخل في أقل من عقدين من الزمن، والأمر الأساسي يتعلق بالموقف الوطني العام، فعندما وقعت هبّة أكتوبر 2000 كانت الجهوزية الجماهيرية السياسية عالية، لكن لاحقاً حصل فيها تآكل كبير جداً"، مشيراً إلى أن "الدليل على ذلك يظهر إذا نظرنا إلى التظاهرات التي حصلت في السنوات الأخيرة، سنجد تراجعاً كبيراً للمشاركة الجماهيرية في المناسبات الوطنية". ويضيف: "برأيي حصل تآكل كبير لدى القيادة الفلسطينية السياسية في الداخل، وحصل تنافس ليس على الجوهر وإنما على القشور. مثلاً تنافس كبير إلى حد الصراع على من سيظهر على منصة الخطابات، هذا القيادي أم ذاك؟ وعندما لاحظت الجماهير أن الصراع ليس على القضايا الجوهرية مثل قضايا التمييز العنصري وقضايا الأرض والعنصرية، بدأت تشهد تآكلاً من داخلها".

ويحذّر يزبك من أنه "إذا ما استمر هذا الوضع، فسنجد القيادة في واد والجماهير في واد آخر بعد سنوات"، مشيراً إلى أنه "في عام 2000 و2001 تم وضع خطة عمل في لجنة المتابعة لتوعية أجيال كاملة على المناسبة، ولكن اليوم نجد أن الخطة بقيت حبراً على ورق". ويتابع: "في 2015 أجرينا دراسة، وجّهنا خلالها أسئلة لطلاب مدارس في المرحلة الثانوية، لاختبار ماذا يعرفون عن ذكرى هبة أكتوبر. وجدنا نسبة مئوية عالية جداً من الطلاب لا يعرفون شيئاً عنها. هنا نسأل هل كان الفشل للطلاب أم للمعلم العربي؟ المعلم بالنسبة لي هو جزء من القيادة العربية" على حد تعبير يزبك.

كذلك يلفت الأستاذ الجامعي إلى مناسبة أخرى هي يوم الأرض (30 مارس/آذار)، التي يشهد إحياؤها تراجعاً كبيراً أيضاً على مستوى المشاركة الجماهيرية. ويعتبر أن تراجع مكانة هاتين المناسبتين الأساسيتين "يوحي بأننا كمجتمع نوجد في حالة فشل مجتمعي مستمر أمام المؤسسة الصهيونية"، معرباً عن أسفه لأنه "ليس هناك وعي كامل لما نعيشه، في صفوف القيادات والمثقفين، وهذا ينعكس على الجماهير". ويحذر يزبك من أنه في العام المقبل، قد يحدث "تراجع جماهيري في التصويت للأحزاب العربية أو القائمة المشتركة في انتخابات الكنيست، بسبب تراجع الارتباط وبسبب حالة الاغتراب ما بين القيادة العربية والمجتمع". وينبّه من أنه "قد تعود من جديد نغمة الأحزاب الصهيونية التي اخترقت مجتمعنا على مر سنوات".


ووفق يزبك، فللصراعات الكثيرة في المجتمع الفلسطيني في أراضي 48، وقضايا العنف والجريمة تأثير سلبي على المناسبات الوطنية. ويوضح في هذا السياق: "لو عدنا إلى الوراء، إلى المنظور التاريخي وليس الآني، إلى الهبّة الجماهيرية عام 1976 في يوم الأرض، نلاحظ أنه بعد تلك المرحلة، بدأت تُبنى مؤسسات جماهيرية وطنية، وكان هناك التحام مباشر بين القيادة والجماهير مما أدى إلى خلق حراك مجتمعي-سياسي كبير وبالتالي تغيير في أنماط فكرية، فبدأ المجتمع يتحرر من القيود، والنساء أصبحن يتعلمن ويأخذن دورهن في التعليم، واليوم نجد أن أكثر من 50 في المائة من الطلاب العرب في الجامعات والكليات من الإناث". لكنه يستدرك: "هذا التغيّر الذي حصل يجب أن يكون مدفوعاً بحركة تغير دائم، أما الآن فالضغط المجتمعي والاقتصادي الذي تعيشه البلدات العربية، هو من أسبابه غياب المسطحات والأراضي الخاصة بالبناء، بدأ يُترجم إلى عنف في داخل المجتمع وإلى جريمة منظمة"، مضيفاً: "القيادات العربية هي من أسباب وصولنا إلى هذه المرحلة، لأنها كان يجب أن تنتبه إلى أهمية العمل الدؤوب لتوسيع نفوذ البلدات العربية والبناء للأزواج الشابة لتفادي الوضع الاقتصادي الاجتماعي الذي نعيشه اليوم".

منذ 2000 حتى اليوم
في الذكرى الثامنة عشرة لهبّة القدس والأقصى، يشير أستاذ الفلسفة في جامعة القدس، سعيد زيداني، إلى وجود ثلاثة أمور أساسية برزت منذ عام 2000 إلى اليوم لا بد من التوقف عندها، النقطة الأولى هي "وجود قدر أكبر من التضامن من قبل فلسطينيي الداخل مع النضال الفلسطيني العام ومركزه الضفة الغربية وغزة، ومشاركة أكبر كذلك هناك كلام أكثر عن وحدة القضية".

النقطة الثانية بحسب زيداني، مرتبطة بالأولى، "فلو أخذنا بعين الاعتبار أن حكومات يمينية هي التي سيطرت على فترة ما بعد أحداث أكتوبر 2000، لوجدنا أن هناك تباعداً بين الحكومات اليمينية من جهة، والفلسطينيين في داخل إسرائيل وأحزابهم المختلفة من جهة أخرى، وهناك حالة نفور تعني أننا نؤكد أكثر على انتمائنا وهويتنا الفلسطينية ونشعر أيضاً أن التمييز يزداد وأن كل الآمال التي كانت بشأن قدر أكبر من المساواة تضاءلت"، مضيفاً "هذا العداء من قبل الحكومة اليمينية توّج بقانون القومية".

أما الأمر الثالث، فهو أن هبّة القدس والأقصى كانت بمواصفات يوم الأرض، بمعنى أنها غيّرت توجهات وقناعات كثيرة، وفق تعبير زيداني، "واختلط فيها العنصر الوطني القومي مع العنصر الديني أيضاً، لوجود قضية أرض وقضية الأقصى وقضية فلسطين والمقاومة الفلسطينية". ويرى الأستاذ الجامعي أنها كانت "هبّة أنتجت حالة نفسية وحالة نضالية وسياسية مختلفة، فيها قدر أكبر من التحدي للسلطة وخلق نبرة أعلى في الخطاب السياسي الوطني، وهذا يؤكد مجدداً أننا جزء حي وفاعل ومؤثر أيضاً في النضال الفلسطيني العام، فصرنا بنظرهم جزءاً أساسياً وليس جزءاً متضامناً أو متعاطفاً مع الفلسطينيين في الأماكن المختلفة".

ويعتبر زيداني أن "الحكومة اليمينية في إسرائيل بتعاملها مع الفلسطينيين، تفرزهم على أساس انتماء قومي، فهي لا تفرق كثيراً بين فلسطينيي الداخل والقدس وغزة والضفة، ونحن بدورنا نؤكد هذا البُعد الذي يبعدنا عن الطرف الآخر (إسرائيل) ويوحّدنا، وهو العامل القومي الديني". ويشير إلى أن هناك في الداخل "من ينسق مع السلطة الفلسطينية ومع قطاعات أخرى من الشعب الفلسطيني، وفي حالة حزب التجمع الوطني الديمقراطي، نجد أنه يرى نفسه جزءاً من الحركة الوطنية، والحركة الإسلامية نجدها تتضامن مع مثيلاتها، وهناك قدر أكبر من التعاون والتنسيق ومطالب بأن نكون جزءاً من الحركة الوطنية".


أبرز أحداث هبة أكتوبر 2000:

ــ أرييل شارون زعيم المعارضة حينذاك يقتحم المسجد الأقصى مع قوات كبيرة يوم 28 سبتمبر 2000
ــ لجنة المتابعة العليا لفلسطينيي 48 تعلن الإضراب في الأول من أكتوبر
ــ قوات الاحتلال تطلق النار على التظاهرات السلمية

1 أكتوبر 2000:
ــ استشهاد محمد جبارين (23 عاماً) من أم الفحم.
ــ إصابة أحمد صيام جبارين (18 عاماً) من معاوية واستشهاده في اليوم التالي.
ــ استشهاد رامي غرة، (21 عاماً) من جت.
ــ استشهاد إياد لوابنة (26 عاماً) من الناصرة.

2 أكتوبر:
ــ استشهاد علاء نصار (18 عاماً) من عرابة.
ــ استشهاد أسيل عاصلة (17 عاماً) من عرابة.
ــ استشهاد عماد غنايم (25 عاماً) من سخنين.
ــ استشهاد وليد أبو صالح (21 عاماً) من سخنين.
ــ استشهاد مصلح أبو جراد (19 عاماً) من دير البلح.

3 أكتوبر:
ــ استشهاد رامز بشناق (24 عاماً) من كفرمندا.
ــ استشهاد محمد خمايسي (19 عاماً) من كفركنا.

8 أكتوبر:
ــ استشهاد عمر عكاوي (42 عاماً) من الناصرة.
ــ استشهاد وسام يزبك (25 عاماً) من الناصرة.