ساحة تقسيم ليل 15 يوليو/تموز 2016 قبل منتصف الليل بقليل، الناس تسرع الخطى، والمحال تغلق أبوابها، والجيش التركي ينتشر بالساحة الأشهر في إسطنبول، لقمع محاولة الانقلاب التي سبقتها خمس انقلابات شهدتها البلاد منذ عام 1960.
المخاطر بدأت تتزايد تباعاً، إطلاق نار، وانتشار العربات والجنود، وإغلاق جسر البوسفور وهو جسر الشهداء لاحقاً، ثم إعلان رئيس الوزراء، بن علي يلدريم أن ما يجري هو محاولة انقلابية.
حاولنا العودة لمنازلنا بعد الإعلان أن جماعة فتح الله غولن هي من يقود الانقلاب، بمساعدة قادة جيوش وعناصر من الأمن والشرطة التركية، خصوصاً مع سيطرة الانقلابيين على القناة التلفزيونية التركية الرسمية، وإجبار المذيعين على قراءة بيان الانقلاب وسلطة جديدة ودستور قريب.
قبل صدور بيان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، تواصلت مع المترجم الأشهر عن التركية، المرحوم عبد القادر عبد اللي، المراقب من أنقرة، وأذكر أنه قال بأسف وخيبة "لقد نجح الانقلاب" وروى لي وهو المتخصص بالشأن التركي، أحداثاً مماثلة وما يمكن أن تؤول إليه الأمور جراء حكم العسكر.
لكن الرئيس السابق، عبد الله غل، ظهر على قناة فضائية تركية، وقال بلهجة حادة، إنه لا يمكن قبول المحاولة الانقلابية ودعا الشعب إلى الوقوف ضد الانقلاب، لكن الشارع التركي لم يتحرك إلا مع دعوة الرئيس أردوغان على إحدى الفضائيات الشعب للنزول إلى الميادين والطرق ومواجهة الانقلابيين.
ومن ساحة تقسيم التي كنا نهم بمغادرتها بدأ الشعب التركي يواجه الجيش والعربات العسكرية ويدعوهم للعودة إلى الثكنات. ولا يمكن إغفال أمرين اثنين، وهما قصف الطائرات للبرلمان في أنقرة وقرب القصر الرئاسي. وتتابعت الأخبار عن عودة الرئيس أردوغان من مرمريس، قبل حديثه لـ"سي أن أن" التركية الذي كان له الدور الأبرز بطمأنة الأتراك وإفشال الانقلاب، وما تلاه من مواقف وتصريحات لسياسيين أكدت على ضرورة عودة السلطة إلى قبضة الأمن والشرعية.
وصل أردوغان لمطار أتاتورك بإسطنبول فجر 16 يوليو، وتجمع الأتراك حوله، ليعلن أن "منفذي الانقلاب هم مجموعة ممن يكرهون تركيا ويتلقون أوامرهم من بنسلفانيا" مؤكداً فشل المحاولة.
أما أبرز الظواهر المدهشة ليلة الانقلاب، فكان صوت المآذن بالتكبير ودعوة الأتراك للنزول للشوارع والساحات لمواجهة الانقلابيين، فلبى الأتراك الدعوة رجالاً ونساء وأطفالاً، نحو ساحة تقسيم، التي كانت من المناطق الأكثر خطورة وتواجداً للانقلابيين.
وكان الأمر المدهش الآخر، السائقون عموماً وسائقو سيارات الأجرة الصفراء خصوصاً، الذين نقلوا الأتراك مجاناً إلى شارع وطن بأكسراي، حيث مبنى الأمنيات الذي سيطر عليه الانقلابيون، وإلى مطار أتاتورك حيث انتظر الأتراك وصول الرئيس وأعاقوا الانقلابيين، وإلى جسر البوسفور الفاصل بين شطري إسطنبول الأسيوي والأوروبي.
والجدير ذكره أن جميع سائقي سيارات الأجرة في إسطنبول، لديهم هاتف خلوي صغير، هو بمثابة جهاز اتصال لاسلكي فيما بينهم أو مع المكاتب الخاصة بسيارات الأجرة، يوجهون من خلاله نداءات خلال الطوارئ والأزمات، ولكن وبحسب ما صرح سائقون لـ"العربي الجديد" بأنهم لم يتلقوا أي اتصال أو أمر، لكن مبادرتهم كانت شخصية حبا بتركيا وبالديمقراطية وبالرئيس.
وفضلاً عن سيارات الأجرة الصغيرة، خرجت الشاحنات تلك الليلة، لتقل الشعب نحو مناطق سيطرة الانقلابيين، وكانت صورة المرأة التركية شريفة بوز، التي كانت تنقل الأتراك إلى الساحات وجسر البوسفور، الأبرز بل باتت رمزاً من رموز إفشال الانقلاب بتركيا.