في تلك الليلة الصيفية، ظهر شكل جديد من أشكال إحباط الانقلابات، كان أساسه التحركَ الشعبي السريع في الشوارع، وتوحّدا للأطياف السياسية التركية حتى المعارضة منها، ضد رفع عدد المرات التي ينقض فيها العسكر على السلطة وعلى الديمقراطية، إلى خمس، بعد انقلابات 1960 و1977 و1980 و1997.
ولا تعكس موجة الصرف الجماعية من الوظائف، والاعتقالات التي وصلت إلى ما يناهز الخمسين ألفاً، بتهمة التورط في المحاولة والانتماء إلى "حركة الخدمة"، سوى قرار تركي بإلغاء احتمالات حصول أمر مشابه في المستقبل، رغم كل ما رافق حملة "التطهير" ولا يزال، من انتقادات حقوقية وسياسية.
بعد 15 يوليو التركي، لم يعد الجيش التركي، الوصي على الجمهورية، وعلى السياسة تاريخياً، هو نفسه، نتيجة التغييرات الهيكلية الهائلة التي طرأت عليه، ولا تزال.
ولم يعد النظام السياسي التركي برلمانياً، فصار رئاسياً. ولم تبقَ التحالفات الداخلية قائمة على ثنائية موالاة ومعارضة، ولا يسار ويمين، ولا أتراك وأكراد. حتى نظرة تركيا إلى نفسها وإلى دورها في الإقليم لم تظلّ على حالها، ولا بقي تعاطيها مع الغرب مثلما كان. حتى أسماء الشوارع الرئيسية في إسطنبول وأنقرة تغيرت تكريماً للضحايا الـ240، ومعظمهم من المدنيين، ممن سقطوا قتلى على يد الانقلابيين.
الشكوك التركية بوجود أصابع عربية وغربية ربما في "المؤامرة ضد الديمقراطية" كما سماها حكام أنقرة، تُرجمت لاحقاً في توترات وتحالفات مستجدة ليس متوقعاً أن تنخفض وتيرتها قريباً، سواء مع عواصم خليجية تعتبر أنقرة أنها تحمست للانقلاب وتورطت فيه، أو مع دول غربية كبرى وعظمى لا تزال ترفض تسليم عدد من الانقلابيين المقيمين لديها.
15 يوليو التركي لم يعد مجرد ذكرى لمحاولة انقلابية فاشلة، بل صار تاريخاً تأسيسياً في السياسة والإعلام والثقافة والفنون والاقتصاد، لذلك صار يوماً وطنياً سيتم إحياؤه في كل عام، باسم "يوم الوحدة القومية والديمقراطية".