منذ اندلاع الثورة السورية في مارس آذار 2011 امتد عقاب نظام بشار الأسد ليس فقط للثوار الذين أرادوا تحرير بلادهم من الظلم والطغيان ولكن امتد العقاب إلى أدق التفاصيل الاقتصادية، والنتيجة تراجع إجمالي الناتج المحلي للدولة لأكثر من النصف، وكذا ارتفاع معدلات التضخم والبطالة والفقر إلى حدود ال 50%، وتسجيل القطاعات خسائر تتراوح ما بين 100 و200 مليار دولار.
وحذّر تقرير حديث للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسـيا التابعة للأمم المتحدة "الإسكوا"، من أن استمرار الأزمة السورية الى نهاية العام الجاري 2014 سيكبدها خسائر تعادل 3 عقود من النمو الاقتصادي وعقدين من التنمية البشرية.
ولعل ما ذهبت إليه "الاسكوا" يعكس وبعمق ما تضمنته ورقة العمل، التي قدمها، أكرم حوارني، الأستاذ في كلية الاقتصاد في جامعة دمشق، خلال مؤتمر "إعادة البناء والتنمية"، الذي نظمته كلية الاقتصاد الأسبوع الماضي، والتي أشارت تقديراتها إلى أن الناتج الإجمالي المحلي السوري ركد في العام الماضي بنحو 60%وفي عام 2012 نحو 35% وفي عام 2011 نحو 15%.
ويقدر متخصصون سوريون قيمة الناتج الإجمالي المحلي لبلادهم (بالأسعار الثابتة) بنحو 1.500 تريليون ليرة (10.3 مليار دولار) في عام 2013، ونحو 17.2 مليار دولار في عام 2012 ونحو 19.6 مليار دولار في 2011، وذلك على أساس سعر الصرف الرسمي للدولار في الوقت الحالي (1 دولار أمريكي = 145 ليرة سورية).
ولا يتوقع المراقبون توقفاً لنزف حجم الناتج الإجمالي المحلي السوري، طالما دامت الخسائر التي مُني بها القطاع الخاص والعام على حد سواء منذ الأزمة، والتي قدرتها تقارير متخصصة بـ 150 إلى 200 مليار دولار خلال 3 سنوات، طالت أغلب وأهم المقدرات الاقتصادية للدولة.
أما تقرير برنامج الأمم المتحدة الانمائي، فأشارت تقديراته إلى تكبد الاقتصاد السوري خسائر بنحو 103 مليارات دولار في الفترة من مارس/آذار 2011 إلى نهاية يونيو/حزيران 2013، منها 12.5 مليار دولار في عام 2011، ثم 50 مليار دولار في العام 2012، ونحو 40 مليار دولار في النصف الأول من العام الماضي 2013.
ومع اشتداد المعارك واتساع مساحة الدمار والخراب، يتوقع التقرير أن تتجاوز الخسائر 140 مليار دولار في نهاية العام الماضي 2013.
خسائر النفط
تقول وزارة النفط السورية: إن الخسائر جراء خفض إنتاج النفط وصلت إلى أكثر من 13 مليار دولار في نهاية النصف الأول من عام 2103، نتيجة توقف إنتاج احتياطي يقدر بنحو 11 مليون برميل منذ اندلاع الأزمة.
ولم تقف خسائر النفط عند حدود تباطؤ الإنتاج من 380 ألف برميل يومياً قبل الأزمة إلى 15 ألف برميل يومياً في الوقت الحالي وحسب، وفق تقديرات أممية، وإنما توسعت رقعتها لتشمل نحو 40 ألف برميل تهرب يومياً من آبار النفط في سوريا، وفق بيانات وزارة النفط.
ما يعني أن سوريا تفقد ما يزيد عن 4 ملايين دولار يومياً، هي متوسط قيمة بيع شحنات النفط المهربة.
وكان الاتحاد الأوروبي قد قرر في مايو/أيار 2013 السماح لدوله استيراد النفط والمشتقات النفطية من سوريا، بهدف دعم المعارضة، على أن يتم التعامل مع "الائتلاف الوطني" المعارض للنظام، بعدما أفقد الحظر الأوربي، سوريا ما يقرب من 94% من إنتاجها النفطي، فيما انخفض إنتاج الغاز من 30 مليون متر مكعب يومياً إلى 15 مليون متر مكعب غاز يومياً، وفق أحدث بيانات وزارة النفط السورية.
القطاع العام
قدر، كمال الدين طعمه، وزير الصناعة في حكومة بشار الأسد، في أكتوبر/تشرين أول الماضي، خسائر شركات القطاع العام في نهاية 2013 بنحو 3 مليارات دولار.
أما عن خسائر القطاع العام ككل، فقد قدرتها وزارة الإدارة المحلية بنحو 7.5 مليار دولار في نهاية النصف الأول من عام 2013.
وبلغ عدد المنشآت الحكومية التي تعرضت للتخريب أو التدمير أكثر من 9 آلاف منشأة، في الفترة ذاتها، حسب ما ذكرت لجنة الإعمار التي شكلتها الحكومة السورية لتقويم الأضرار.
السياحة
لم تنعم السياحة منذ الأزمة السورية بيوم من سابق عهدها قبل 3 سنوات، ففقدت البلاد التي اجتذبت قرابة 8.5 مليون سائح في عام 2010، معظم زوارها، بعد أن بينت إحصائيات رسمية تراجع عدد السياح إلى نحو 4 ملايين سائح في 2011، لتتضارب بعد ذلك الأرقام والبيانات في شأن عدد الوافدين بدءاً من 2012، لكن شواهد من بينها اتساع رقعة الصراع تؤكد انصراف معظم السياح عن سوريا.
وانعدم دور قطاع السياحة في الناتج الإجمالي المحلي بعدما كان يشكل نحو 12% منه قبل الأزمة، وتقول وزارة السياحة: إن القطاع فقد نحو 94% من إيراداته مع بداية 2013، ما ساهم في رفع معدلات البطالة نتيجة الاستغناء عن أغلب العمالة في القطاع والتي كانت تشكل ما يقرب من 11% من مجموع قوة العمل يعادلون قرابة 600 ألف عامل.
وفقدت سوريا جراء هذا التراجع، نحو 7.7 مليار دولار إيرادات سنوية، كان القطاع السياحي قد حققها في عام 2010، بالإضافة إلى خسائر مادية تكبدها القطاع نتيجة القصف والعنف الدائر، قدرتها وزارة السياحة مؤخراً بنحو ملياري دولار.
التضخم والفقر ونقص الغذاء
تمادى انحدار الوضع الاقتصادي والاجتماعي في سوريا، على ضوء ارتفاع البطالة وتعثر الأنشطة الاقتصادية وتراجع قيمة الليرة السورية بأكثر من 300%.
وقفز سعر صرف الدولار من 45.5 ليرة، قبل الثورة التي اندلعت في مارس/ آذار 2011، إلى 145 ليرة في السوق الرسمية في تعاملات الأسبوع الماضى، ونتيجة لذلك ارتفعت أسعار السلع وخاصة المستوردة بنحو وصفه بعض بـ"الجنوني".
وأشار تقرير دوري لوحدة المعلومات الاقتصادية التابعة للإيكونوميست، إلى أن أسعار الغذاء في سوريا، قد تضخمت بنحو 322% بين أعوام 2000 إلى 2013، وبلغ استهلاك الغذاء 45.6% كنسبة من الإنفاق الأسري.
وأوضح تقرير حديث نشرته جريدة "الوطن" السورية، وهي مقربة من النظام، أن سوريا تراجعت 7 مرات في مؤشر الأمن الغذائي العالمي في عام 2013 مقارنة بعام 2012، لتحتل المركز 79 بين 107 دول، وحصلت على المركز 96 في مؤشر توافر الغذاء، وهو تراجع كبير، وجاءت في المركز 75 في مؤشر القدرة على تحمل التكاليف، والمركز 73 في مؤشر جودة وسلامة الغذاء.
أما بالنسبة إلى الفقر، فقد أشار تقرير لبرنامج الأمم المتحدة الانمائي، إلى أن أكثر من نصف الشعب السوري أصبح فقيراً، مع دخول 6.9 مليون مواطن تحت خط الفقر، منهم 4.4 مليون تحت خط الفقر الشديد، مقارنة بـ 200 ألف في عام 2010.
وذكر تقرير "الاسكوا"، أن سوريا تشهد كل عام وفاة حوالي 9 آلاف طفل من أصل 50 ألف طفل يولدون بأقل من الوزن الطبيعي لنقص الغذاء.
ويعاني قرابة مليوني شخص من الجوع ونقص الدواء وحاجيات الحياة الأساسية جراء حصار قوات، الأسد، لهم في مناطق الغوطتين بريف دمشق والمنطقة الجنوبية للعاصمة دمشق، ومنطقة القلمون، والأحياء المحاصرة في حمص، ما أسفر عن مقتل قرابة 11 ألف شخص في نهاية العام الماضي 2013، وفق الشبكة السورية لحقوق الإنسان.
وتناولت وسائل إعلام تقارير عن طحن الأمهات للأرز وخلطه بالماء، في المناطق المحاصرة، واستخدام هذا الخليط بديلاً من الحليب لإرضاع أطفالهن، فيما أفتى بعض علماء الدين بجواز أكل لحوم القطط والكلاب والحمير في مناطق بريف دمشق (جنوب سوريا)، بعد أن أنهك حصار قوات النظام سكان المدينة.
البطالة
تشير تقديرات منظمة "الاسكوا" إلى أن عدد البطالة في سوريا سجل في نهاية النصف الأول من العام الماضي 2013 نحو 3 ملايين عاطل من إجمالي قوة عمل لا يتعدى عددها 5 ملايين شخص.
فيما تذهب أكثر التقديرات تفاؤلاً بمعدلات البطالة إلى نحو 50% من إجمالي قوة العمل في سوريا.
ولعل الأرقام التي ترصدها الشبكة السورية لحقوق الإنسان عن عدد النازحين واللاجئين تعكس حجم المعدلات الحقيقية للبطالة وطبيعة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للشعب السوري.
وتظهر تلك الأرقام، أن 9 ملايين سوري، بين نازح ولاجي، في البلدان المجاورة (6.4 مليون نازح و3.4 مليون لاجئ)%45 منهم الأطفال، أي ما يعادل قرابة 2.4 مليون طفل من دون سن الثامنة عشر.
وتشير تقديرات الشبكة السورية لحقوق الإنسان إلى وجود نحو 2 مليون نازح في ريف دمشق، ونحو 1.6 مليون نازح في مدينة حلب، بينما تضم حمص نحو 1.1 مليون نازح.
ودفعت الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة الشباب السوري الى محاولة يائسة بحثاً عن الرزق، من بينها الهجرة غير الشرعية، والتي تعرضهم الى الموت غرقاً، وهو ما جرى بالفعل في ديسمبر/كانون أول الماضي، عندما غرقت سفينة أمام السواحل الإيطالية، ما أدى إلى وفاة نحو 100 شخص معظمهم من السوريين، كانوا في هجرة غير شرعية.