لم تمر أيام قليلة على حادثة قطار "مزلقان العياط" في محافظة الجيزة التي أودت بحياة سبعة أشخاص الأحد في 31 يناير/كانون الثاني المنصرم، حتى فوجئ المصريون أمس الثلاثاء، باصطدام قطار عند مزلقان (حاجز تقاطع سكة الحديد) مدينة منوف في محافظة المنوفية، بسيارة نقل. وقد أدى الأمر إلى مصرع سائق السيارة ومن يرافقه.
وكشفت حوادث القطارات في مصر وجود نحو 1332 مزلقاناً أو حاجز تقاطع شرعياً في المحافظات من دون تطوير، أي أنها لم تزوَّد بأنظمة تحكم وتشغيل، من دون احتساب الحواجز غير الشرعية التي أقامها الأهالي. وعلى الرغم من تخصيص وزارة النقل اعتمادات مالية بنحو مليار جنيه (نحو 128 مليون دولار أميركي) لتطوير تلك المزلقانات، إلا أن ذلك شمل فقط 118 مزلقاناً.
تعدّ وزارة النقل من الوزارات المصرية التي يستشري فيها الفساد، والتي كشف عنها الجهاز المركزي للمحاسبات أخيراً في تقرير له عن ضياع مليارات الجنيهات في تلك الوزارة، ومن بينها ما كان قد خصّص لـ"تطوير المزلقانات" على تقاطعات خطوط سكك الحديد في المحافظات المصرية لمنع سيلان الدم بصورة يومية. وقد عدّ التقرير ذلك هدراً للمال العام، فيما أكد أن وزارة النقل تعاقدت مع عدد من الشركات لتطوير المزلقانات في المحافظات على الورق فقط.
يكشف مصدر مسؤول في وزارة النقل فضّل عدم الكشف عن هويته، أن الهيئة العامة لسكك حديد في مصر تصرف ملايين الجنيهات شهرياً تحت بند تطوير المزلقانات في المناطق المركزية في المحافظات، للحدّ من سقوط الضحايا. لكن السلاسل الحديدية هي التي تعمل فقط، والأخطاء البشرية واردة في ظل نسيان عامل ما إغلاق أي مزلقان أثناء عبور قطار لمنع مرور السيارات أو البشر، وتعطل أجراس الإنذار بوصول القطارات. يضيف أن "العامل" يُستهدف، على الرغم من أن ما يحدث من كوارث هو مسؤولية الحكومة.
ويطالب المسؤول نفسه بإلغاء جميع المزلقانات من خلال إنشاء جسور فوقها، خصوصاً في المناطق حيث الكثافة السكانية عالية. ويشير إلى أن المزلقانات في مصر أنشئت بشكل غير قانوني، ولا تتوفّر فيها الشروط اللازمة.
محافظة الجيزة من بين أكثر المحافظات عرضة لحوادث القطارات، بسبب الوضع المتردي لحال المزلقانات فيها، خصوصاً تلك الموجودة في منطقة العياط، بعد تكرار الحوادث التي تزهق خلالها أرواح العديد على قضبان سكك الحديد. وفي الجيزة فقط، نحو 52 مزلقاناً، كلها من دون بوابات حديدية. أما السلاسل، فيسهل على المواطنين تخطيها خلال حركة القطارات. ويطلق الأهالي عليها "مزلقانات الموت".
أحمد م. واحد من عمال المزلقانات، يقول إنها "تفتقر إلى أبسط عناصر الأمان. يكون اكتفاء بالسلاسل التي يسهل تخطيها بسبب قربها من الأرض أو قطعها في حال اصطدام سيارات بها. ويؤكد زميله عبد الناصر س. أن "السلاسل الحديدية التي تضعها الهيئة، لا تمنع وقوع الحوادث. الأهالي يتخطونها، ما يعرّض حياتهم للخطر". يضيف أن عند وقوع حادث ما، "يشنق العامل" الذي تحمّله الحكومة مسؤولية الخطأ على الرغم من براءته. ويُقدّم للمحاكمة على أساس أنه المسؤول الأول عن حوادث القطارات. أما شريف م. فيشدد على "ضرورة تعيين أكثر من عامل للمزلقانات تحت إشراف الهيئة، مع ضرورة توفير عناصر حراسة وقوة من إدارة المرور عند معظم المزلقانات، لتفادي أي احتكاك بين الأهالي والعمال".
من جهتهم، يصرخ أهالي الجيزة: "ارحمونا من حوادث مزلقانات القطارات التي يسقط عندها ضحايا كثيرون، ما بين عمال وموظفين وطلاب". ويشير محمد كامل إلى أن "عدم وجود بوابات عند المزلقان، يدفع الأهالي إلى العبور خلال حركة القطارات، من دون الالتزام بتعليمات عامل المزلقان بعدم المرور. وهو الأمر الذي يؤدي إلى وقوع حوادث كثيرة". أما محمد النوبي، فيقول إن "الحوادث بأكثرها تقع نتيجة تأخر إغلاق المزلقان، الذي يكون إما بسبب عدم الالتزام أو لسوء تقدير الوقت من قبل العامل المسؤول عن إغلاقه".
يحذّر أستاذ النقل في جامعة القاهرة، الدكتور هيثم عاكف من أن "انتشار المزلقانات وعدم وجود رقابة عليها، كارثة حقيقية. وهذا ما يؤدى إلى زيادة الحوادث في عدد من المحافظات". ويوضح عاكف أن "تطوير المزلقانات عند تقاطعات سكك الحديد يحتاج إلى قرارات عاجلة بالتنسيق مع المحافظات ومديريات الأمن"، مشيراً إلى أن "ثمّة تقاطعاً في القرارات ما بين الوزارة والمحافظات، وهو ما أدى إلى انتشار المزلقانات العشوائية. وتلك يستحدثها الأهالي في ظل عدم اهتمام المحافظين". ويشدّد على أنها "تعدّ في النهاية غاية في الخطورة على حياة المواطنين"، مطالباً الجهات المعنية "بالتحقيق في إهدار الأموال العامة في الهيئة العامة لسكك الحديد، على خلفية ما كشفه الجهاز المركزي للمحاسبات من تخصيص أموال لتطوير المزلقانات، من دون ترجمة ذلك على أرض الواقع".
اقرأ أيضاً: إنفلونزا الطيور تحصد 25 مصرياً والحكومة تنصح بغسل الأيدي