تُعدّ المسألة السكانية في العراق دقيقة، في ظلّ عدم إجراء أي تعداد منذ الاحتلال الأميركي في العام 2003، على الرغم من إعلان الأمم المتحدة والسفارة الأميركية في بغداد نيّتهما أكثر من مرة، إجراء التعداد، "إذا وافقت الحكومة والبرلمان". لكن المؤسستين التشريعية والتنفيذية رفضتا إجراء مثل هذا التعداد، الذي يتسبّب بمشاكل سياسية وطائفية وأمنية، بالنسبة إليهما.
ووفق تقديرات عدة، يراوح عدد سكان العراق بين 30 مليوناً و33 مليون نسمة، ولا تملك الحكومات المتعاقبة على عراق ما بعد الاحتلال أدنى فكرة عن العدد التقريبي للسكان. مع العلم أن آخر تعداد نفّذته وزارة التخطيط، أظهر أن عدد سكان العراق بلغ 28 مليون نسمة، شكّل الذكور نسبة 60 في المائة منهم، بينما شكّلت فئة الشباب (18 ـ 40 سنة)، الغالبية العظمى من السكان.
وجاءت المحاولة الأولى من أجل إتمام التعداد في مرحلة ما بعد الاحتلال الأميركي، بقرار اتخذه الحاكم المدني للعراق بول بريمر، في العام 2003 ضمن الأمر الرئاسي رقم 52. ووصف البعض القرار بـ"أولى خطوات بث الطائفية في العراق"، خصوصاً أنه نصّ على أن "يُجرى تعداد عام لسكان جمهورية العراق، بما في ذلك إقليم كردستان، على أن يتضمن التعداد، ديانة كل شخص ثم طائفته، وكذلك الحال بالنسبة للقوميات العربية والكردية والتركمانية، وذلك تمهيداً لإجراء الانتخابات العامة الديمقراطية الحرة للمرة الأولى في العراق الحر".
اقرأ أيضاً العراق: حملة جماعيّة في "التحالف" لإسقاط العبادي
ويؤكد "نحن نتحدث عن أغلبية وأقلية، وعن أصوات انتخابية تُمنح للمحافظات بشكل تخميني من قبل القائمين على عمليات الاقتراع، فتغلب كفة محافظة على أخرى من حيث عدد السكان. وهذا بالتأكيد لن يكون في صالح التحالف الوطني، الذي اختلق معادلة الأغلبية المذهبية، واقتنعت واشنطن بها. كما أن غالبية العراقيين في المهجر هم من لون معين، وإدراجهم ضمن التعداد، يعني أنه ستكون لهم قوة سياسية كبيرة ومؤثرة في الداخل العراقي، وهم خارجه، خصوصاً أن تعدادهم تجاوز الخمسة ملايين عراقي". واعتبر أن "رفض قادة التحالف إجراء الاستفتاء، يؤكد لنا أن الطائفية بالعراق مختلقة من الحاكمين الجدد في بغداد".
ومن المشاكل التي يُمكن أن تضع حلّاً لها من خلال التعداد العام لسكان العراق، مشكلة المادة 140 من الدستور، والتي تتضمن إجراء استفتاء سكاني في المناطق المتنازع عليها بين المحافظات، يختارون من خلالها إما الانتقال الى كردستان، كما في كركوك وسنجار، أو البقاء كمحافظات. ويُمكن أن يؤدي التعداد إلى حسم المشكلة من خلال السكان أنفسهم باستفتاء تشرف عليه الأمم المتحدة.
ويُتيح التعداد توزيع عدد مقاعد البرلمان على المحافظات بشكل عادل، وفق النسبة السكانية المُقرّة بالدستور، وهي: نائب واحد لكل مائة ألف مواطن، ففي محافظة الأنبار مثلاً، لا تزال مفوضية الانتخابات تعتمد انتخابياً على بيانات وزارة التجارة في العام 2003، في مسألة عدد سكان المحافظة. وبلغ عدد سكان الأنبار في حينه 1.4 مليون نسمة، ولم تغيّر المفوضية التمثيل النيابي للأنبار، في الوقت الذي يؤكد فيه رئيس مجلس المحافظة صباح الكرحوت لـ"العربي الجديد"، أن "عدد سكان الأنبار قفز في السنوات التسع الأخيرة إلى 2.5 مليون". مع العلم أنه تمّت زيادة عدد سكان محافظات جنوبية صغيرة بنسبة الضعف لأسباب انتخابية، من أجل التمثيل الأكبر في البرلمان.
ويرى أن "النسب التي أخذها الأميركيون من شخصيات قدموا مع الاحتلال، وهم من الأحزاب الدينية الضيقة، بالتالي تمّ تحديد هوية مجلس الحكم ثم الحكومة والبرلمان، من دون أن يسألهم أحد أي إحصاء اعتمدوا". ويكشف أن "التحالف الوطني استفاد من تلك النسب سياسياً ومالياً، وحتى أمنياً، بالتالي فإنه لا يرغب في إجراء تعداد عام للسكان بالعراق". ومن محاسن التعداد أن كل محافظة ستنال حصتها من الموازنة العامة للدولة وفقاً لتعداد سكانها، كما أن التعداد سيُنهي الجدل والخلافات اليومية في العراق حول قانون "التوازن الوظيفي" بدوائر الدولة، ومنها الجيش والشرطة ورئاسة الوزراء.
اقرأ أيضاً: معصوم في طهران لبحث ملف "داعش" والمليشيات