ترى لو أن سورية ليست مزرعة أو فندقاً يملكه نظام الأسد، فما تبرير أن يدفع كل سوري يريد العودة إليها 100 دولار لتصرّف بالسعر الرسمي البالغ 700 ليرة، في حين يبلغ سعر السوق 2400 ليرة؟
والإتاوة الجديدة ليست رأياً شخصياً من "أمن المطار" أو رؤية من اقتصادي جهبذ يريد تأمين القطع لخزينة خاوية، إنما قرار رسمي أصدره رئيس مجلس الوزراء المكلف حسين عرنوس، قبل أيام، وسيتم العمل به مطلع أغسطس/آب المقبل.
ربما السؤال الأهم الذي يتوثب على شفاه أي قارئ هو: ومَن يعود إلى سورية اليوم، بواقع التفقير والإذلال الذي يعتمده نظام الأسد، بعدما تجاوزت تكاليف المعيشة 500 ألف ليرة في حين أن الدخل شبه معدوم؟
وأي مغترب سوري يمكن أن يترك بلد إقامته الجديد، وأياً كان، ليعود إلى سورية الأسد التي تفتقر اليوم إلى أبسط الخدمات، من ماء وكهرباء واتصالات وصحة، بل ويعرّض نفسه لمخاطر الاعتقال أو الخطف ووضع ذويه بموقع دافعي الديّة أو الفدية للعصابات المنتشرة برعاية الأسد.
حقيقة الأمر، هناك سوريون كثر يعودون إلى سورية الوطن وليس سورية الأسد، سواء كانوا طلبة بالخارج أنهوا تحصيلهم العلمي، أو مرضى أنهوا تلقي علاجهم بالخارج مضطرين بعدما أفرغت المشافي والعيادات من الأطباء والدواء.
أو ربما، وهو الأهم، يعود سوريون طردتهم البلاد المستضيفة، بعدما تاجرت بالقضية السورية، كما يفعل لبنان الشقيق، أو حتى بلدان تأثرت بعقابيل "وباء كورونا" ووجدت بترحيل السوريين حلاً وتوازناً لوضعها المالي، كما حدث ببعض بلدان الخليج العربي.
ما يعني أن القضية ليست من يعود ولماذا يعود، بل المشكلة في إتاوة من دون أي سند قانوني فرضتها حكومة الأسد على سوريين، أغلب الظن أنهم مفلسون، سواء كانوا مهجرين أو طلبة.
ولعل الأنكى، أو التبرير الأقبح من ذنب، ذاك الذي أورده وزير المال بحكومة الأسد، مأمون حمدان، اليوم، بقوله: "القرار ليس مشكلة كبيرة، وأنه من الطبيعي أن العائدين يمتلكون 100 دولار، لا سيما أن أجرة أي سيارة للعودة قد تكون بهذا المبلغ، أقل أو أكثر، في حين يعتبر مبلغ 100 دولار أقل من ثمن تذكرة طيران للعائدين في المطارات".
هنا، إن لم نبحث بقانونية القرار ومخالفته الصريحة للمادة 38 من الدستور الصادر عام 2012 والتي تحظر منع المواطن من العودة إلى وطنه، وعدم وضع عراقيل إدارية بوجه هذه العودة.
أو لم نفنّد نص القرار الذي طاول السوريين ومن في حكمهم (أي الفلسطينيين المقيمين بسورية) واستثنى العرب والأجانب، لطالما هدف القرار، كما برر وزير المال، "لقرار يعتبر خدمة للمواطن، ويزيد من واردات مصرف سورية المركزي ويدعم الليرة السورية، ويسعى إلى الحد من نشاط السوق السوداء خارج الحدود".
وتغافلنا عن التعميم بالقرار، الذي صدر من دون تحديد فترة الغياب وسببه، أي أنه يطاول الطلبة ويستهدف المهجرين ويشمل حتى السوري العائد من لبنان بعد يوم من مغادرته، لنسأل أصحاب القرار بحكومة بشار الأسد: ألا يخالف هذا القرار مرسوم سيادته الذي أصدره مطلع العام الجاري، بتجريم كل من يتعامل بعملات أجنبية؟!
نهاية القول: بصرف النظر عن العائد المتواضع جراء قرار كهذا، أو إمكانية مضاعفة المبلغ في ما لو كان القرار بالعكس، أي يدفع السوري الذي يغادر وليس الذي يعود، لأن سوريي الداخل يتحيّنون فرص الهجرة من محرقة الأسد ولو إلى جزر الواق واق.
عادة، لا تبحث الدول عن مصادر أموال وموارد للخزينة من جيوب رعاياها المفلسين أو الذين ضاقت بهم الأرض وطردهم الإخوة قبل الغرباء، بل منطق الدول وسياساتها يتمثل بالبحث عن طرائق عودتهم مكرّمين وعبر طائرات خاصة، لتعزز عندهم حس المواطنة وعندها صفة الوطن.
وقعنا بالخطأ وقلنا الدول وتناسينا أننا نتحدث عن مزرعة اسمها سورية الأسد تنظر للشعب على أنه رعايا، بل وتنتقي من هؤلاء الرعايا فقط من يمتلك الدولار ويقدمه غصباً للنظام الممانع لينعم بالعيش بسورية المقاومة.