‏عبد المجيد العيادي

29 ديسمبر 2014
أمين عام منظمة "ايما" عبد المجيد العيادي (العربي الجديد)
+ الخط -
من موقعكم كأمين عام للمنظمة العربية الأورومتوسطية للتعاون ‏الاقتصادي، كيف ترى العلاقات الأوروبية - العربية خلال السنوات الماضية؟ ‏وما هو مستقبلها؟
بالرغم من وجود سوق مشتركة أو اتحاد جمركي بين دول الخليج العربي، إلا ان دول الاتحاد ‏الأوروبي تفضل أن تتعامل مع هذه الدول عن طريق الاتفاقات الثنائية، والتي تهدف من خلالها إلى ‏تعزيز مصالحها. وكذلك ينطبق الأمر على علاقات دول الاتحاد الأوروبي مع الدول العربية ‏الواقعة عند البحر الأبيض المتوسط، كالمغرب والجزائر وتونس ومصر والأردن ‏ولبنان. فالاتفاقات المبرمة مع هذه الدول تختلف عن بعضها بعضاً شكلاً ومحتوى؛ لا، بل ‏ومتنافرة عن بعضها بعضا في معظم الأحيان. إذاً لا يمكن الحديث عن علاقات عربية - أوروبية بمفهومها الواسع، وإنما عن علاقات ‏ثنائية بين البلدان العربية والاتحاد الأوروبي. هذا الشكل من العلاقات لم ‏يتغير منذ ستينيات القرن الماضي، بالرغم من وجود أصوات ‏تهدف إلى تحويلها من فضائها الثنائي إلى فضاء ‏إقليمي. ولذا أعتقد أن دول الاتحاد الأوروبي لن تخطو خطوات مغايرة عما سبق بمحض إرادتها في ‏المستقبل أو تنهج سبلاً وإستراتيجيات أخرى، ما لم يحدث تغيير في العلاقات العربية - ‏العربية وخلق إستراتيجية عربية موحدة تجاه الاتحاد الأوروبي. ‏

- ماهي آفاق التعاون المنشود الذي تحاولون الوصول إليها في ‏منظمتكم؟ وكيف ينعكس ذلك على الدول العربية؟ وهل هناك تعاون في مجال التنمية أو التدريب والتعليم؟
من خلال عملنا، نؤكد أهمية القضايا التنموية المنشودة في العالم العربي، خصوصا قضايا ‏التعليم والصحة والمياه والطاقة والأمن الغذائي ونقل التكنولوجيا والخبرات والمعرفة وتطوير ‏قطاع الخدمات اللوجستية. كما ينطبق الأمر أيضاً على قضايا التدريب والتكوين المهني نظراً ‏للحاجة الماسة في البلدان العربية للخبرات المتوافرة في أوروبا . كما أننا ‏ندعو عبر كافة المنابر إلى خلق مؤسسات عربية - أوروبية تأخذ على عاتقها تطوير العلاقات ‏بين الدول العربية والأوروبية. وأعتقد أن آفاق التعاون بين أوروبا والعالم العربي رهينة خروجها من ‏المجال الحكومي الضيق إلى مجال أوسع.

- أين برأيكم تكمن الأهمية في الشراكة الأورومتوسطية؟‏
الأهمية تكمن في تحقيق السلام في المنطقة العربية. السلام المنشود لن يتأتى إلا ‏بتضافرالجهود بين ومع مختلف الأطراف التي لديها مصالح قوية في المنطقة العربية. ويعتبرالاتحاد الأوروبي من أهم هذه الأطراف. توطين السلام، بما فيه السلام الاجتماعي ‏في المنطقة العربية يتأتى أيضاً عن طريق تعزيز المصالح المشتركة مع دول الاتحاد، ورفع ‏حجم التبادلات مع دول هذه المجموعة على مختلف المستويات، حتى يتحول الجميع إلى ‏راعٍ للسلام في المنطقة. ‏

- لقاءات واجتماعات عديدة تقوم بها المنظمة مع ممثلين للدول ‏العربية، ما هي إمكانات العمل المتاحة بينكم وبين السودان ‏ مثلا ودول أفريقية أخرى؟ وماذا بشأن العراق حيث تنصهر الإمكانات الهائلة ‏بالفوضى الأمنية؟
لا شك في أننا نعمل في إطار منظمتنا على تمثيل كل الدول العربية من دون استثناء، سواء في إطار منتديات إقليمية أو ‏في إطار منتديات قُطرية موجهة للاهتمام ببلد معين. وتحظى البلدان العربية ذات الإمكانات ‏المادية والطبيعية والبشرية المتواضعة كموريتانيا وجيبوتي والسودان واليمن بأهمية كبرى، إذ نعمد إلى مساعدة هذه الدول، وتقديم كافة الدعم المعنوي والفني والتقني وتدريب الكادرات البشرية بشكل يخدم الاقتصاد المحلي. ‏كما أننا نركز في هذه المنتديات على النواحي الإيجابية لهذه البلدان، إضافة إلى الموارد والمؤهلات ‏التي تمتاز بها.
فالسودان مثلا عانى ولسنوات عدة من حروب أدت في النهاية إلى تقسيمه، الأمر الذي انعكس على اقتصاده، بالرغم من أن السودان يمتلك مؤهلات وموارد بشرية وطبيعية هامة.
أما فيما يخص العراق، فتحظى هذه الدولة من قبل "ايما" بأهمية ‏خاصة، حيث نهتم بدعم هذا البلد من كافة النواحي الاقتصادية والاجتماعية وفي هذا الاطار، نقوم سنوياً بتنظيم منتدى اقتصادي ألماني - عراقي للاستثمارـ وفي مدن ألمانية ‏مختلفة، وذلك من أجل تحفيز المستثمرين للاهتمام في العراق وقضاياه المختلفة، وقد دعوتهم إلى ضخ أموالهم داخل الاقتصاد العراقي.
وفي هذا ‏السياق نعمل على خلق علاقات مباشرة مع مؤسسات القطاع الخاص العراقي وإيجاد نوع من ‏الشراكة لها في ألمانيا على وجه الخصوص، وأوروبا عموماً. أما فيما يخص الفوضى الأمنية فهذه المسألة يتم ‏تقييمها بشكل أفضل من قبل الجهات المهتمة بالدخول في علاقات مباشرة مع الجهات ‏العراقية، ولا يعاني كل العراق من أزمات أمنية، فهناك مدن آمنة، ويتم بها الاستثمار بشكل كبير، لذا أعتقد أن الأوضاع الأمنية وإن شكلت هاجساً، لكنها لن تقف في وجه الاستثمارات، ودعوة رجال الأعمال إلى ضخ الأموال في الاقتصاد العراقي.

- ما هي أبرز المشاريع التي ‏ساهمت المنظمة في تفعيل آفاق التعاون المشترك فيها بين أوروبا والمغرب؟
ساهمت "ايما" في تأسيس المنتدى الألماني - المغربي الذي ينعقد بشكل سنوي، ويتم من خلاله عرض قضايا التعاون بين ألمانيا ‏والمغرب، وكذلك عرض لمشاريع الاستثمار في المملكة المغربية، كما يتم خلاله خلق شراكة ‏بين مؤسسات القطاع الخاص في كلا الطرفين. والجدير ذكره أننا تمكننا وخلال السنوات ‏الماضية من تشجيع القطاع الخاص على تنفيذ مجموعة من الاستثمارات في المملكة، وخلق ‏فرص عمل جديدة مساهمة منا في التنمية المنشودة. كما نعمل على تقديم ‏الاستشارات فيما يخص مجموعة من القضايا الاقتصادية والاجتماعية التي ‏تتماشى بشكل متوازن ومتكامل مع أهداف التنمية في المملكة.‏

- تمر الدول العربية بمرحلة دقيقة، فقد خرج المواطنون إلى الشوارع ‏للمطالبة بالعدالة الاجتماعية، خلق فرص عمل، تحسين الظروف المعيشية، ‏برأيكم ما الذي دفع الشعوب العربية إلى الثورات، تحقيق العدالة الاجتماعية ‏والاقتصادية أم تغيير الأنظمة السياسية؟ ‏
يجب أن ننظر إلى هذه الثورات نظرة إيجابية، مهما كانت نتائجها الحالية لأنها ما زالت في ‏بداياتها. ما دفع الشعوب العربية للقيام بثورات هو ما كتبته هذه الشعوب على ملايين اللافتات، ‏وما أشهرت به علناً في كل المناسبات وفي كل الأزقة والمدن والقرى العربية. نعتقد أن ‏تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية في العالم العربي صعب المنال في ظل غياب ثقافة الحوار ‏والتنازلات لصالح الأهداف المشتركة. فالأمر هنا لا يتعلق فقط بالنخب العربية أو ‏أصحاب القرار السياسي العربي، إنما بالمواطن العربي نفسه: المضطهَد في ظل ‏نظام ديكتاتوري يتحول إلى مضطهِد في ظل نظام ديمقراطي.‏

- في ظل عدم استقرار الدول العربية، وغياب المستثمرين، هل ‏ترون إمكانية حقيقية لتوسيع آفاق التعاون بين أوروبا والعرب؟
‏ هناك مثل ألماني يقول: المستثمر مثل "الغزال" إذا ما قمت بأي ضجيج جفل وانتقل إلى مكان آخر. في ظل "الضجيج" السائد في منطقتنا العربية، تضمحل إمكانية ‏القيام بمشاريع استراتيجية مهمة تعود بالنفع على شعوب المنطقة. وفي ظل هذه الظروف ‏يهرب رأس المال العربي إلى البلدان الأوروبية ويستوطنها، والسبب يعود إلى الرخاء ‏الاقتصادي الموجود هناك، والأمن الاجتماعي السائد، يضاف إليها الضمانات القانونية المتوفرة ‏والأرباح المتوقعة على المدى البعيد.‏

- هناك فجوة كبيرة بين الدول العربية والأوروبية في مجال ‏التنمية بالرغم من الإمكانات المادية للدول العربية، ما هي برأيكم الأسباب وراء ‏غياب التنمية في العديد من الدول؟
الأسباب متعددة ويصعب حصرها، لكنها تكمن من خلال السياسات التنموية غير المتكاملة التي تم انتهاجها خلال العقود الخمسة الأخيرة سواء من ‏طرف الحكومات العربية أو من طرف الدول الصناعية والمؤسسات الدولية. ثانياً، الحروب التي مرت وتمر بها المنطقة العربية والتي أدت إلى إغفال برامج التنمية ‏وتأخيرها ومن ثم تأجيلها بل إلغاؤها كاملة. ثالثاً، غياب دور الأفراد ودور المجتمع المدني في القيام بدوره في عملية التنمية، يضاف أليها غياب الحريات العامة التي من شأنها أن تساهم في تطوير إمكانات الفرد ‏وتعزيز فرص الإبداع لديه.

- ماذا يحتاج العرب من أوروبا؟ وماذا تحتاج أوروبا من العرب في المقابل؟‏
ما يحتاجه العرب من أوروبا قد يجدونه في دول أخرى، وربما أكثر جودة وأقل ثمناً. وما ‏يحتاجه الأوروبيون من العرب، موجود فقط في المنطقة العربية. وفي ظّل ذلك، تعاني ‏العلاقات الأوروبية العربية من انعدام التوازن ومن سيادة الجانب الأوروبي على مخططات ‏وأهداف وبرامج الدول العربية. ولا شك في أن سقف التحديات المستقبلية سيرتفع إلى أعلى مستوياته، وذلك ‏بازدياد الأزمات في المنطقة العربية، وسيكون عامل الهجرة أحد الأسباب الرئيسة لذلك. وبالتالي ستحتاج أوروبا إلى خبرات مختلفة للتعامل مع الهجرات العربية الجديدة. كما ستحتاج إلى إستراتجيات دقيقة داخل البلدان العربية، محاولة منها لتوجيه ‏مسارات هذه الهجرة في منابعها. وفي هذه الحال سيحتاج العرب من أوروبا أن يكون ‏للأوروبيين دور فعّال في مسألة تحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في بلدانهم، ‏وفرض نظام اقتصادي عادل، يضمن حقوق كل أفراد وجماعات وشعوب المنطقة.
المساهمون