في خطوة جديدة، تؤكد اعتزام البرلمان الإيراني الجديد، ذي الطابع "المحافظ" بامتياز، تصعيد المواجهة مع حكومة حسن روحاني في عامه الأخير من ولايته الثانية والأخيرة، يسعى مشرعون إلى استدعائه إلى أروقة البرلمان لطرح أسئلة "اقتصادية" عليه، في حال اكتمل النصاب القانوني لعدد الموقعين على مسودة الأسئلة.
وتنص المادة الثامنة والثمانون من الدستور الإيراني على أنه "فـي حالة توجيه ربع نواب مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) – على الأقل – سؤالاً إلى رئيس الجمهورية، أو توجيه أي نائب سؤالاً إلى الوزير المسؤول فإن على رئيس الجمهورية أو الوزير المسؤول الحضور في المجلس للإجابة عن السؤال الموجه إليه".
وتؤكد المادة أنه "يجب ألا تتأخر الإجابة – في حالة رئيس الجمهورية – عن شهر واحد، وفـي حالة الوزير على عشرة أيام، إلا أن يكون هناك عذر مقبول بتشخيص مجلس الشورى الإسلامي.".
وبالنظر إلى سيطرة المحافظين المنافسين لحكومة روحاني والقوى الداعمة لها على أكثر من ثلثي مقاعد البرلمان الجديد، فيتوقع أن ينجح معدو الأسئلة في جمع التواقيع الكافية لاستدعاء روحاني إلى البرلمان، أي تواقيع 73 نائباً من أصل الـ290.
وترتكز الأسئلة الموجهة إلى روحاني على المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها إيران في الوقت الراهن، إذ عزا النائب المحافظ ناصر موسوي لارغاني، الذي أعدّ مشروع الأسئلة، لوكالة "فارس" الإيرانية، دوافعه في ذلك إلى "انفلات أوضاع سوق العقارات والسيارات والتضخم والارتفاع اليومي لأسعار الذهب ومشاكل سوق العملات الصعبة"، قائلاً إنّ هذه المشاكل "جعلتنا ندشن مشروع طرح الأسئلة على رئيس الجمهورية".
واتهم لارغاني الحكومة الإيرانية بـ"عدم امتلاكها برامج مدونة لحل المشاكل الاقتصادية الموجودة، فيجب استدعاء رئيس الجمهورية إلى مجلس الشورى لسوء تدبيره هذا، ليرد على أسئلة المشرعين".
وقال النائب الإيراني إنّ مشروع الاسئلة سيُطرح على النواب، غداً الأحد، لجمع التواقيع اللازمة لمناقشة الموضوع في جلسة معلنة للبرلمان لاحقاً.
وشهدت إيران، خلال العامين الأخيرين احتجاجات واسعة ذات دوافع اقتصادية ومعيشية، وسط مخاوف من احتمال اندلاعها مجدداً خلال المرحلة المقبلة.
خمسة أسئلة
والأسئلة الموجهة لروحاني هي خمسة؛ الأول عن سبب ارتفاع أسعار العملات الأجنبية مقابل تراجع حاد في العملة الوطنية الإيرانية، والثاني حول الأوضاع المضطربة في أسواق العقارات والسيارات وارتفاع التضخم.
لكن السؤال الثالث يرتبط بموضوع خلافي شائك في إيران، وهو الموقف من الاتفاق النووي، حيث يعارضه المحافظون المتشددون منذ اليوم الأول من ولادة الاتفاق عام 2015.
وفي السياق وجّه سؤال لروحاني عن سبب ارتكابه "خطأ استراتيجياً" في التوصل إلى هذا الاتفاق لـ"تنسحب منه أميركا من دون أن تتحمل أدنى تكلفة وثمن، وأوروبا تطالب إيران بوقاحة كاملة بتنفيذ كامل للاتفاق النووي من دون أن تلتزم بتعهداتها".
والسؤال الرابع، هو عن مصير وعود الحكومة بدفع قروض لمعامل الإنتاج والقطاعات الاقتصادية المتضررة بسبب تفشي كورونا في البلاد. أما السؤال الخامس فهو عن مصير المليارات الدولارات التي بيعت بأسعار حكومية (42000 ريال لكل دولار).
مشروع الاسئلة سيُطرح على النواب، غداً الأحد، لجمع التواقيع اللازمة لمناقشة الموضوع في جلسة معلنة للبرلمان لاحقاً
وتواجه إيران أزمة اقتصادية كبيرة على خلفية العقوبات الأميركية عليها منذ نحو عامين، بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي، في 8 مايو/ أيار 2018، فاقهما تفشي كورونا الجديد في البلاد، منذ 19 فبراير/ شباط الماضي، ليكمل مفاعيل هذه العقوبات، ويجعل الواقع الاقتصادي أكثر صعوبة وانكماشاً من قبل.
إلى ذلك، بدأ الريال الإيراني يسجل يومياً هبوطاً قياسياً مستمراً، ليفقد أكثر من 400 في المائة من قيمته منذ الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي، إذ تراجعت قيمة الريال اليوم السبت لأول مرة في تاريخه إلى أدنى مستوى، ليرتفع سعر صرف كل دولار أميركي إلى 21.5 ألف ريال.
وتسبب الهبوط الحاد للريال بغلاء كبير في أسعار السلع والخدمات في إيران، لتتراجع القوة الشرائية للمواطن يومياً.
وشهدت إيران خلال العامين الأخيرين احتجاجات واسعة ذات دوافع اقتصادية ومعيشية، وسط مخاوف من احتمال اندلاعها مجدداً خلال المرحلة المقبلة. وكان آخرها وأوسعها نطاقاً، خلال نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، على خلفية رفع الحكومة أسعار البنزين ثلاثة أضعاف.
ورغم أن استدعاء روحاني إلى البرلمان بحجة طرح أسئلة عليه يمثل خطوة تصعيدية بحد ذاته، لكنها تبقى أقل من الاستجواب، ويستبعد أن تنتهي هذه الخطوة إلى استجوابه، لكن ليس لأن طرح ذلك يتطلب موافقة ثلث أعضاء مجلس الشورى الإسلامي الإيراني، بموجب الدستور، أو لأن التصويت على أهلية وكفاءة رئيس الجمهورية من عدمها يحتاج إلى موافقة ثلثي النواب، إذ يمتلك المحافظون النصاب القانوني لاستجواب روحاني؛ لكن السبب هو معارضة المرشد الإيراني الأعلى، علي خامنئي، ذلك، على ضوء الأوضاع التي تعيشها بلاده لجهة المواجهة المتصاعدة مع الولايات المتحدة الأميركية، إذ سبق أن عارض مثل هذه الخطوة عام 2018.
مع ذلك، فإن استدعاء روحاني إلى البرلمان يحمل في طياته دلالات متعددة، منها تصاعد المواجهة بين الحكومة والبرلمان خلال الفترة المقبلة، وتحميلها مسؤولية الأزمة الاقتصادية في إيران، في تدبير "محافظ" قد يأتي في صلب حملة انتخابية مبكرة للاستحقاق الرئاسي، في مايو/ أيار 2021 لانتزاع الرئاسة الإيرانية من التيار "الاعتدالي" والإصلاحيين، وذلك بعدما سيطر التيار المحافظ على البرلمان الإيراني بالكامل خلال الانتخابات التشريعية التي أجريت، يوم 21 فبراير/شباط الماضي، بعد استبعاد مجلس صيانة الدستور معظم المرشحين الإصلاحيين، إذ اعتبر التيار الإصلاحي أن الانتخابات أجريت في أجواء غير تنافسية وأن التنافس اقتصر على المرشحين المحافظين أنفسهم.
وتُضاف خطوة استدعاء البرلمان للرئيس الإيراني إلى خطوات تصعيدية أخرى ضده خلال الآونة الأخيرة، والتي وصلت إلى حدّ المطالبة بمحاكمته، طرحها أحد النواب المحافظين.
وفيما يسعى روحاني إلى إنهاء الفترة المتبقية من ولايته من دون الدخول في عراك وتصعيد مع خصومه على عكس عادته خلال السنوات الماضية، محيلاً أسباب الأزمة الاقتصادية في إيران إلى ضغوط الإدارة الأميركية وحربها الاقتصادية المتمثلة في العقوبات الشاملة والقاسية التي طاولت شرايين الاقتصاد الإيراني، إلا أنّ المحافظين يرون أن المشكلة تكمن في طريقة إدارته وحكومته.
ويؤكد الرئيس المحافظ الجديد للبرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف، الذي زاد أخيراً من انتقاداته للحكومة، أن تأثير العقوبات الأميركية على الاقتصاد الإيراني نابع من "الفشل والضعف في الإدارة" وليس من العقوبات نفسها.
وفي هذا الإطار، طالب رؤساء 12 لجنة نيابية، في رسالة حادة مفتوحة إلى روحاني، قبل أسبوعين، بـ"تغيير مسار إدارته المستمر عليه منذ 7 سنوات"، أي منذ توليه الرئاسة عام 2013.
وحذّر هؤلاء المشرعون، الذين يتولون رئاسة أهم اللجان البرلمانية، من خطورة الأوضاع الداخلية في البلاد، داعين روحاني إلى معالجتها قبل فوات الأوان.