حذر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، من مخاطر تسليح القبائل الليبية وتحويل ليبيا إلى "صومال جديدة"، كما ثمّن موقف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من ملف الذاكرة الاستعمارية، لكنه جدد مطالبة باريس بإعلان اعتذار رسمي عن جرائم الاستعمار في الجزائر، وكشف أيضاً عن إمكانية العفو عن مزيد من ناشطي الحراك، وطرح استفتاء الدستور بداية الخريف المقبل.
وقال تبون، في حوار بثته قناة "فرانس 24"، مساء السبت، إنّ "القبائل الليبية تحلت بالحكمة حتى الآن ، ولكن إذا حملت السلاح للدفاع عن نفسها أو تم تسليحها قد يحول ذلك ليبيا إلى صومال جديدة، وتصبح البلاد ملاذاً للإرهابيين"، مضيفاً أنّ "ليبيا تتواجد اليوم في نفس وضع سورية بسبب تعدد التدخلات الأجنبية ، حيث نفس الخطر ونفس الفاعلين ونفس الأدوات، إضافة إلى خطر المرتزقة".
وأشار إلى أنّ "الكر والفر بين الجيوش ليس هو الحل، علينا أن نذهب إلى الحل النهائي، أي نستشير الشعب الليبي عبر تنظيماته وكذا القبائل، وننظم الانتخابات من خلال المؤسسات الانتقالية والحكومة الحالية من بين هذه المؤسسات، برغم أن الأمور تجاوزتها، ونذهب إلى جمعية وطنية تنتخب رئيساً ونائبين وتشكل حكومة جديدة، وتشكّل دستوراً جديداً".
وكان تبون يلمح إلى خطاب ألقاه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل أسبوعين، أعلن فيه عزم القاهرة تسليح القبائل الليبية، بعد اندحار قوات اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، وهذه هي المرة الثانية التي تشير فيها الجزائر إلى رفض خطوة مصرية انفرادية، بعد رفضها المبادرة المنفردة للحل السياسي التي كان قد أطلقها السيسي بمعية عقيلة صالح وحفتر قبل شهر.
كان تبون يلمح إلى خطاب ألقاه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل أسبوعين أعلن فيه عزم القاهرة تسليح القبائل الليبية
وأوضح تبون أنّ الجزائر ما تزال "في تواصل مستمر مع كل الأطراف الليبية، ونبقى واثقين من أن الحل الوحيد هو الحوار"، مشيراً إلى أنه "ينبغي الذهاب إلى حل بالانتخابات في ليبيا في أقرب وقت ممكن". وقال "نحن لم نفقد الأمل، ومع كل الأطراف، وعلى مسافة واحدة معها، ولن ننخرط مع أي مجموع ضد مجموع آخر، نحن مستعدون لجمع الليبيين بطلب منهم، ونحن لم نقم بطرح مبادرتنا لأننا اتفقنا في (مؤتمر) برلين على ألا تطرح مبادرات".
مطالبة باعتذار فرنسي
وبشأن العلاقات الجزائرية الفرنسية، على ضوء التوتر الدبلوماسي الأخير، بعد قيام الجزائر بسحب مؤقت لسفيرها من باريس والتطور الإيجابي المتعلق بتسليم جماجم 24 من المقاومين، أعلن تبون أن هذه الخطوة مهمة: "سجلنا التحول الذي أنجزته فرنسا بوصف مجازر 8 مايو بمجازر عكس ما كان يتم في السابق، وفرنسا قدمت اعتذاراً، وأتمنى أن تعتذر عن ما حدث خلال الحقبة الاستعمارية، حتى يساهم ذلك في تلطيف الأجواء بين البلدين".
وثمن تبون مواقف الرئيس الفرنسي بشان ملف الذاكرة، وقال إنّ "الرئيس ماكرون كانت له الشجاعة لوصف ما حدث إبان الاستعمار بكلمات معبرة؛ شجاعة لم يتحل بها من كانوا قبله. هو شخص صريح وأظن أننا يمكننا العمل سوياً لتسوية الملفات، بما فيها ملف الذاكرة، ما يسمح لنا ببناء علاقات هادئة"، وكشف أنه تم التحضير لزيارة دولة له إلى فرنسا وأخرى مماثلة للرئيس الفرنسي إلى الجزائر لولا الأجندة المكثفة وأزمة فيروس كورونا.
نفي مسؤولية بوتفليقة بقضايا الفساد
وردّاً على سؤال حول تصريحات مسؤولين متهمين بالفساد، أثناء محاكمتهم بأنهم كانوا ينفذون أوامر عبد العزيز بوتفليقة، ومطالبتهم بمساءلة الرئيس السابق، لمّح تبون إلى عدم اقتناعه بمسؤولية بوتفليقة، وقال "أن تصدر عنك الأوامر لا يعني أنك متورط، وقد ينحرف من ينفذ الأوامر ويصبح هو المتورط"، وأضاف: "العدالة لم تطلب الاستماع للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة وهي مستقلة عن أي أوامر؛ إذا أرادت استدعاءه فلها ذلك".
ونفى تبون أن يكون أعلن دعمه ترشيح الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة في الانتخابات التي كانت مقررة في إبريل/نيسان 2019، قبل أن يتم إلغاؤها بسبب مظاهرات الحراك الشعبي التي بدأت في 22 فبراير/ شباط 2019، وقال: "لم أكن مع العهدة الخامسة، فتم التخلي عن خدماتي في 2017 واعتبرت حينها أنّ الوضع الصحي للرئيس السابق لا يسمح له بالمواصلة، وعندما أعلنوا عنها اعتبرتها أمراً غريباً لأنّ الرئيس لم يكن يستطيع الحديث".
الدستور والعفو عن الناشطين
وبشأن إمكانية اتخاذه خطوات إضافية لإطلاق سراح ناشطين آخرين من معتقلي الحراك الشعبي، أفاد تبون بأنه مارس صلاحيات العفو التي يضمنها له الدستور، ولم يستبعد العفو عن آخرين في إطار ما وصفه بأنه "مسعى لتهدئة النفوس".
وقال "أعفو عن المساجين كلما استحق الأمر ويمكن أن أعفو عن آخرين لاحقاً، وبعض المدانين من طرف العدالة دعوا إلى التمرد في صفوف قوات الأمن، لكن لا أستبعد اللجوء مجدداً إلى العفو"، ونفى وجود أي تضييق على حرية التعبير في الجزائر، "بل على سلوكات الشتم والتحريض التي يعاقب عليها القانون"، وفق قوله.
وبخصوص ملف مسودة الدستور، قال تبون إنّ "الجزائر تتوجه نحو نظام شبه رئاسي بصلاحيات واسعة للبرلمان وغلق المنافذ أمام الحكم الفردي"، مشيراً إلى أن لجنة الخبراء تلقت ألفي مقترح من الأحزاب والمنظمات والشخصيات الوطنية، وتعمل حالياً على صياغة المشروع النهائي بناء على الاقتراحات المقدمة.
وكشف عن إمكانية توسيع تشكيلة اللجنة إلى أعضاء آخرين، وتوقع في حال تحسن الوضعية الوبائية تنظيم استفتاء حول تعديل الدستور، مع إمكانية اجراء الاستفتاء على مشروع الدستور، في سبتمبر/أيلول أو أكتوبر/تشرين الأول المقبلين .
وعبّر تبون عن القلق من ارتفاع معدلات الإصابة بفيروس كورونا في الجزائر، وقال: "قد نعود للحجر الصحي التام إذا قرر المجلس العلمي ذلك، و التجمعات العائلية (الأعراس والحفلات) هي سبب ارتفاع عدد الإصابات بفيروس كورونا خلال الفترة الأخيرة، لذا قررنا منعها".
وبشأن الوضع الاقتصادي والمالي للجزائر، أكد تبون أن "أجور العمال مضمونة ولن تتوقف واحتياطي الصرف يغطي احتياجات الجزائر عامين كاملين"، كما استبعد اللجوء إلى الاستدانة الخارجية، وذكر أنّ الجزائر في اتصال مع صندوق النقد الدولي للأخذ بتوصياته.