تحتفي إسبانيا في حزيران/ يونيو كل عام، بـ"يوم تعايش الثقافات المشتركة"، أو يوم "قوس قزح"، لما يُمثل من اشتراك لكل الألوان التي ترسم بمعظمها ألوان الطيف، مثلما تمثل الثقافات والحضارات الإنسانية المختلفة ألواناً متعددة لطيف الحضارة البشرية الأوحد.
في هذا اليوم، أقامت بلدية مدريد احتفالا ضخماً نظمته ودعت إليه المنظمات المدنية الداعية لقبول اللاجئين والمهاجرين ولدعمهم الإنساني والمادي، مثل منظمة ثيار ومنظمة أكثم ومنظمة الصليب الأحمر الإسبانية، ومنظمة كاريتاس المدعومة من الكنائس، بمشاركة مراكز اللجوء في المدينة ومركز الاندماج في البلدية ومركز الرعاية الاجتماعية، وذلك في حديقة الأندلسيا، في إحدى مناطق العاصمة وعلى مسرح كبير مجهز لفعاليات البلدية ومراكز رعاية الشباب.
بدأ العرض بأغنية تراثية قديمة ذات إيقاع عميق وحنون تقول كلماتها: "الأزرق هو سمائي والأخضر قلبي والأحمر دمي والأصفر شمسي والبنفسجي هو عطر الحب في روحي، أنا أحتاج كل الألوان لكي أعيش حرا كشعاع الشمس وأحتاج الشمس لكي أبقى، وأحب أن أكون لونا لكي يحتاجني الآخر". وبرقص جماعي وتفاعل جميل ودافئ استقبل الحاضرون الأغنية مع كل عائلاتهم ليشكلوا بكل عفوية وحب ألوان قوس قزح.
بعد الأغنية قدمت فرقة لرقص الفلامنكو رقصات فلكلورية ضمن مهرجان من الملابس المميزة وضمن حركات فيها من الحب بقدر ما فيها من القوة والتحدي. وأهدّت فرقة غرناطة رقصاتها إلى اللاجئين القادمين لبلادها وخصّت اللاجئين السوريين الذين قالت إن روح القيثارة الإسبانية تتقطع لكل هذا القهر الذي يعانونه.
وبعد أن غادرت الفرقة المسرح، صعد شبان قادمون من بلاد مختلفة ومن مراكز اللجوء الثلاثة في مدينة مدريد إلى المسرح ليقدموا عروضاً بهلوانية جميلة وجذابة وفيها من الخفة والرشاقة ما جعل الناس يعلقون عيونهم عليهم ثم يصفقون لهم من القلب. ومن بين هؤلاء الشبان فياض الفلسطيني الذي أدهش الحاضرين وجعلهم يهتفون لفلسطين حين تسلق إلى أعلى قمة في حبال السيرك بيد واحدة حاملا علم فلسطين العربية.
لاجئة سورية جميلة ذات أحد عشر عاماً، تقيم بمركز اللاجئين في منطقة ألكوبندس مع أهلها منذ ستة أشهر، صعدت إلى المسرح ومعها وسام التفوق من مدرستها في مدريد، وقامت بغناء منفرد دون أية موسيقى بصوت جعل السماء تسمعها وتصفق لها. غنت سمر "هل أسمر اللون"، ثم غنت من كلمات محمود درويش أغنية مارسيل خليفة "أحن إلى خبز أمي" التي قامت هي بترجمتها إلى الإسبانية وبإعادة غناء مقطعها الأول بالإسبانية، ما جعل الموجودين يفرجون عن دموع كانت مسجونة بالعيون.
ممثل الصليب الأحمر الإسباني صعد للمنصة وأمسك الميكرفون ليقول بصوت قوي لتحيّا سورية، لتحيا بلد الحضارة وبلد التعايش المشترك، لتحيا دمشق التي وصلتنا بصوت سمر وبتفوقها وبتربيتها الرائعة، ولتسقط الحرب، وليسقط الدكتاتور، ولتسقط كل العقول المغلقة التي تحمل الفكر الأسود الذي يقتل هذه الألوان.
انتهى الحفل مع شاب قادم من منظمة أطباء العالم، الذي قال إنه يخجل من تصرف الاتحاد الأوروبي حين أقفل حدوده في وجه لاجئين مدنيين هاربين بأطفالهم من ويلات الحرب، لاجئين يحبون الحياة مثلنا، ويستحقونها مثلنا. لقد جربنا نحن الحرب الأهلية في إسبانيا ونعرف تماما ما الذي تفعله الحرب، ولقد نزحنا إلى كل الدول الممكنة ولا نتخيل أن تقفل الدول حدودها في وجوهنا يوما.
اللاجئون هم بشر مثلنا وليسوا أرقاما ولا إحصائيات. هم أناس كانوا قد تعبوا على بناء شخصياتهم وعلى شهاداتهم ويحملون معهم حضارات عريقة كانت قد أنارت شعلة المعرفة في أوروبا في يوم ما. لنقل للعالم نحن معهم ونريدهم بيننا، ولنرقص لهم ومعهم رقصة الحياة على إيقاع موسيقى زوربا الذي لم يكن يقبل بأية حدود.
وبعد تصفيق حاد جداً، بدأ كل الموجودين مع أطفالهم تأدية رقصة جماعية، فأمسك الجميع أيادي بعضهم بعضاً ليثبتوا أنهم لن يتخلوا عن هذا القادم الغريب.