يوم اعتقل ماركيز باعتباره جزائرياً

28 ابريل 2016
ماركيز (Getty)
+ الخط -
مرت قبل أيام الذكرى الثانية لرحيل الروائي الكولومبي الحاصل على جائزة نوبل للآداب غابرييل غارسيا ماركيز، اللافت أن رحيله في 17 أبريل/نيسان 2014  تزامن مع إجراء أغرب انتخابات رئاسية، ليس في تاريخ الجزائر فقط، بل في تاريخ البشرية.
انتخابات جرت في أجواء سريالية تشبه أجواء روايات ماركيز مثل "خريف البطريريك"، وفاز بها الرئيس المرشح عبد العزيز بوتفليقة لولاية رابعة برغم أنه كان حاضراً بالصورة فقط، ولم يشارك ولو بكلمة واحدة منطوقة في حملتها بسبب مرضه، الذي أقعده على كرسي متحرك، وناب عنه في تنشيط الحملات الانتخابية، مسؤولون ووزراء وفي مقدمهم الوزير الأول عبد المالك سلال، الذي صرح يوما: "الرئيس بوتفليقة متزوج بالجزائر.. أو هي متزوجة به .. لست أدري.. ولكن يجب انتخابه!".
في ذلك اليوم السريالي في الجزائر رحل غابرييل غارسيا ماركيز، الذي كانت له قصة مع الجزائر، حيث سُجن بسببها لمرة واحدة في حياته خلال سنوات منفاه في باريس في منتصف خمسينيات القرن الماضي، أي أثناء ثورة التحرير الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي، وذلك عندما اعتقلته الشرطة الفرنسية في أحد شوارع باريس ظناً منها أنه جزائري، لأن ملامحه كانت تشبه ملامح الجزائريين.
في مقال له عن سنوات إقامته في باريس صحيفة "البايس" الإسبانية (في ديسمبر/كانون الأول 1982)، يروي ماركيز كيف وصل إلى باريس في يوم بارد من ديسمبر 1955، قادمًا بالقطار من روما، وكانت حرب التحرير الجزائرية قد مر عليها أكثر من عام. وقد عرف ماركيز، في سنوات منفاه في باريس الفقر والجوع، ويروي كيف أن "باريس لم تكن فقط حرب الجزائر، فقد كانت أيضا لسنوات مركزا كبيراً للمنفيين من أميركا اللاتينية".

وفي تلك الأجواء يكتب أنه في شوارع باريس حينها وفيما "كانت موسيقى الأكورديون المليئة بالنوستالجيا تملأ الجنبات، فإن شبح القمع لا يبرح الأمكنة". ويضيف: "فجأة حاصرت الشرطة مخرج مقهى أو إحدى حانات العرب في نهج سان ميشال، وقامت بالاعتداء بالضرب على كل من ليس له ملامح مسيحية، وكنت أحدهم بسبب ملامح وجهي. وقد اقتادتني الشرطة إلى جانب المعتقلين الجزائريين إلى زنزانة في محافظة شرطة سان جيرمان دي بري. وقد شعرت بالإهانة لأنه في أفكارنا المسبقة في أميركا اللاتينية، فإن السجن يعني العار، لأننا كأطفال تربينا على عدم التفريق بشكل جيد بين الأسباب السياسية وقضايا الحق العام، وقد كان آباؤنا المحافظون مسؤولين عن هذا اللُّبس. في الحبس كان وضعي أكثر خطورة، لأنه بجانب اعتقال الشرطة لي ظناً منهم بأنني جزائري، فإن نزلاء الزنزانة من الجزائريين كانوا لا يثقون فيّ، خاصة أنني لم أكن أفهم ولا كلمة واحدة من أحاديثهم بالعربية، إلى أن توطدت علاقتي بأحدهم، في إحدى الليالي، وهوأحمد طبال، وكان طبيباً، مناضلا في جبهة التحرير الوطني الجزائرية، الذي قال لي: أن تكون سجيناً بريئاً، أفضل من أن تكون مذنباً. وقد توطدت علاقتنا، بعد إطلاتق سراحنا، وتحول إلى أحد أعز أصدقائي في باريس، و بفضله عملت لصالح جبهة التحرير الوطني الجزائرية. وقد توفي بعد استقلال بلاده.


بعد أكثر من 25 سنة من تلك الحادثة، دُعيت إلى الاحتفال بذكرى ذلك الاستقلال في الجزائر، صرحت لأحد الصحافيين، ما بدا شيئاً لا يُصدق: "الثورة الجزائرية، هي الوحيدة التي سُجنت من أجلها".
وخلال زيارته تلك إلى الجزائر، يروي ماركيز لكاتب سيرته "ماركيز، حياة" جيرالد مارتين كيف جاءته فكرة كتابة رواية "وقائع موت معلن" الشهيرة.


ويذكر ماركيز إنه في 1979 كان في مطار الجزائر في طريق العودة إلى كوبا، حيث كان يقيم، حين شاهد مسافرًا عربيًا بعقال يحمل صقراً في يده فأتته الفكرة النهائية لكتابة الرواية، المبنية على حادثة قتل حقيقية عايشها ماركيز في مدينته في بداية خمسينيات القرن الماضي، وكان القتيل أحد معارفه.. وقد قام ماركيز بتغيير أصل القتيل واسمه الحقيقي كايتانو جنتيل تشيمنتو، وجعله عربي الأصل اسمه سانتياغو نصار، الذي يتعرض للقتل من قبل الشقيقين تشيكا بسبب قضية شرف تخص أختهما مرسيدس، وهم كذلك من عائلة إيطالية الأصل.. وقد ذكر ماركيز لكاتب سيرته أنه اختار ذلك لقرب ثقافة العائلة الإيطالية من الثقاقة العربية.


المساهمون