جولة لـ"العربي الجديد" في بيروت، عند ظهيرة أربعاء حارة، تكشف عن خطوط في الرأي حول الأزمة الحالية في البلاد، بعضها تقليدي يلتزم بالخطاب السياسي وغيرها مغيّب عن الشاشات، ولو أنّ معظم الخطوط يجتمع على القلق والخوف المغلفين بالنكتة.
عشرات الجنود يمشون بسلاحهم وذخيرتهم في رتل واحد على جانب الطريق المحاذي لمرفأ بيروت، بينما يتصاعد دخان عدد من الشاحنات تنقل جنوداً آخرين وعوارض حديدية. في الحاجز الوسطي تصليحات، وعلى الجانب الآخر من الطريق تجهيز منصة رسمية في شكل مدرج، فيما يرتفع علم عملاق للبلاد على واجهة المبنى المطل. هي تحضيرات للاحتفال المركزي بعيد الاستقلال، أي اليوم الوطني اللبناني، المصادف في الثاني والعشرين من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري. يوم وطني قد لا يحضره رئيس وزراء البلاد المستقيل سعد الحريري الموجود في السعودية والمتواصل مع اللبنانيين من هناك في استقالته وفي تبريرها وفي استقبالاته الرسمية البعيدة عن لبنان في كثير من الأحيان.
دخان الشاحنات العسكرية مميز، أقوى من كلّ العوادم، والغبار الذي تثيره العجلات يجعل الأمور أسوأ لمن يجرؤون على فتح نوافذ سياراتهم، خصوصاً مع وصولهم إلى شارة السير الحمراء. هناك يتحدث سائق إلى آخر عن المشهد بالذات: "أيّ استقلال يريدون الاحتفال به؟ السعودي أم الإيراني أو ربما الصيني!؟". فيردّ الآخر: "وهل بقي بلد كي يحتفلوا باستقلاله أساساً؟".
كثيرة هي الإشارات إلى ما يحصل في لبنان، منها ما يأتي من وسائل التواصل الاجتماعي بصورها ونكاتها، ومنها ما وصل إلى الحفلات الراقصة على ألحان أغانٍ تبيّن مواقف سياسية تنصر الحريري "المحتجز في السعودية". كذلك، تنتشر صور للحريري في العاصمة بشكل كبير تحمل شعار "كلنا معك"، ما يثير نفور البعض سواء من مؤيديه أو معارضيه.
في هذا الإطار، تبدي أنجيلا عابد (مديرة تسويق، 29 عاماً)، شكوكها في أنّ من علّق هذه الصور ليس من مؤيدي الحريري في تيار المستقبل وغيره بل هم معارضوه، خصوصاً حزب الله، "هو نوع من النفاق، فلو كانوا جميعاً معه لماذا أجبروه على الاستقالة؟". تسخّف كلّ النكات التي انتشرت عقب استقالة الحريري، وترفض اتهام السعودية بأنّها تحتجزه، وتردّ على احتمالات الخوف لديها من المستقبل "المجهول" باتهام الفريق الآخر بأنّه "سيؤدي بنا جميعاً إلى الهلاك".
المؤامرة حاضرة دائماً، وقد أبدع اللبنانيون على وسائل التواصل الاجتماعي في تحليل المواقف والصور، خصوصاً في مقابلة الحريري التلفزيونية من بيته في السعودية، وقد قيل الكثير عن هذه المقابلة أقلّه إنّها لم تصوّر في بيت الحريري حقيقة بل في فندق. لكنّ المؤامرة في حالة ناجي المسعود (سائق تاكسي، 48 عاماً، والد لخمسة أولاد)، تتخذ طابعاً متطرفاً: "أنا خائف بالطبع مما جرى، لأنّه مقدمة لما هو أسوأ بكثير. لا أستبعد الحرب على لبنان، ولا أستبعد المعارك الداخلية اللبنانية بمشاركة الفلسطينيين والسوريين أيضاً. مع كلّ ذلك، أنا على يقين بأنّ السعودية وإيران متفقتان سراً، وحزب الله متفق مع المستقبل أيضاً. لا يمكنني أن أفسر لكنّه إحساس مستمر لديّ، خصوصاً أنّ الحرب لا تقتلنا إلّا نحن الفقراء".
الحديث عن السوري يحيلنا إلى أبو محمود، وهو بائع أوراق يانصيب خمسيني على كورنيش المنارة. يؤكد أنّ المتنزهين على الكورنيش البحري باتوا أقل أخيراً لكنّه يربط الأمر بالطقس المتقلب أكثر من استقالة رئيس الحكومة. عن احتمال الحرب، يقول ببساطة إنّه لن يبقى في لبنان إذا نشبت "لا علاقة لي بها، سأعود إلى سورية مهما كان الوضع هناك، والاتكال على الله".
بعيداً عن العناوين السياسية الكبرى التي تتعارك عليها الأطراف والمحاور في لبنان، يتخوف شوقي الملّاح (طالب، 21 عاماً)، على سنته الدراسية وعلى عائلته بأكملها: "صحيح أنّي أقرأ وأعيد إرسال الكثير من النكات والصور المضحكة عمّا يحصل لكنّني خائف فعلاً من احتمال توقف العام الجامعي واضطرار الكلية إلى تأخير تخرجنا في الربيع المقبل. لكنّ خوفي الأكبر هو من احتمال خسارة والدي لعمله في السعودية".
في أحد الشوارع الصغيرة المؤدية إلى شارع الحمراء في رأس بيروت، يملك محمود نزال (43 عاماً، والد لثلاثة أولاد)، فرناً صغيراً للمناقيش (معجنات). يؤكد أنّ المنطقة كانت تعج بالسعوديين الذين يعمل بعضهم في سفارة المملكة القريبة لكنّه لا يرى أحداً منهم اليوم. هو قلق وخائف اليوم على أولاده "أنا نجوت من الحرب (1975 - 1990)، لكنّ آخرين غيري ماتوا، واليوم لديّ أولاد أربيهم فكيف لا أخاف على نفسي وعليهم أيضاً؟". يضع نزال صورة للحريري على الحائط لكنّها صورة قديمة وليست طارئة مما ينتشر على الطرقات، ويعلق على ذلك "من لا ظهر له لا يمكنه أن يعيش".
من جهته، يقول إبراهيم ملّاك (36 عاماً، موظف إداري)، إنّه خائف من الأقاويل حول احتمال ارتفاع سعر صرف الدولار إلى 3 آلاف ليرة (ضعفا السعر الحالي)، وكذلك من احتمالات المعارك الداخلية أو الحرب الصهيونية على لبنان. يتابع أنّ النكات جاهزة دائماً لدى اللبنانيين كي تخفف من حدة الغضب لكنّ القلق يبقى. لفتته نكتة قيلت في اليوم الأول للاستقالة بمغزاها العميق، وهي أنّ رئيس الجمهورية ميشال عون عاتب الحريري على وصول خبر الاستقالة إليه من الإعلام كبقية الناس، فأجابه الحريري: وأنا أيضاً لم أكن أعرف. يعلّق ملّاك: "إذا كان الرئيس على غير علم بالاستقالة فهو أمر غير طبيعي فعلاً".
من جهتها، تشير لور رمّال (ناظرة مدرسة، وأم لطفلين)، إلى أنّها قلقت كثيراً في الأيام الأولى وشعرت أنّ هناك ضربة ما للبنان بغطاء أميركي، لأنّ أميركا لم تبدِ أيّ موقف "خصوصاً لجهة تزامن الاستقالة مع الاعتقالات في صفوف الأمراء وغيرهم في السعودية". تتابع: "القلق بات أقل لكنّ أول ما فعلته هو سحب بعض المال من المصرف خوفاً من تعذر سحبه في حال حصول أمر ما". تقول إنّها لا تملك مكاناً للهرب خارج لبنان إذا حصلت خضة أمنية "إسرائيل لن تبادر إلى حرب علينا لأنّها تتخوف من قدرات حزب الله، لكن في حال حصول أمر آخر هنا فهمّي أنا وزوجي إبنانا، لذلك قد نسافر إلى الخارج لفترة محدودة، لكن حتى السفر خطير لأنّنا قد نجد أنفسنا عالقين هناك". تحتار وتقول: "أفضّل البقاء في منزلنا".