يهود المغرب.. ملاح وهيلولة

30 يناير 2015
للتراث اليهودي متحفٌ في الدار البيضاء (فرانس برس)
+ الخط -
سنة بعد سنة، تتناقص أعداد اليهود المغاربة. لكن الحنين ما زال يربط هؤلاء المغتربين بـ "الوطن"، إذ يعودون إلى المغرب كلما سنحت لهم الفرصة، وخصوصاً في خلال احتفالات "هيلولة" الدينيّة.

وفي حين تتحدث أرقام غير رسميّة عن زهاء خمسة آلاف يهودي في المغرب اليوم، تشير إحصائيات إلى أن عددهم يقارب عشرين ألف يهودي مغربي يعيشون بين مواطنيهم الآخرين في المدن الكبرى، خصوصاً في الدار البيضاء وفاس والصويرة.

وكان عدد اليهود المغاربة يزيد على 250 ألفاً في عام 1940، غير أنه راح يتناقص بشكل مطّرد في خلال خمسينيات القرن الماضي بسبب حركة تهجيرهم إلى الكيان الإسرائيلي. واضطلع بهذه المهمّة الموساد الإسرائيلي والوكالة اليهوديّة.

في خلال خمسينيات القرن الماضي وبداية ستينياته، توجّه أكثر من مائة ألف يهودي مغربي إلى إسرائيل تحت تأثير الآلة الدعائيّة اليهوديّة، فضلاً عن تداعيات حروب الشرق الأوسط التي أفضت إلى خلق أجواء من القلق بين هؤلاء. وهو الأمر الذي سرّع في رحيلهم.

لكن كثيرين فضّلوا البقاء في البلاد. ومن بين هؤلاء من تقلّد مناصب عليا في المغرب، من أمثال مستشار الملكَين الحسن الثاني ومحمد السادس، أندري أزولاي، ووزير السياحة السابق سيرج بيرديغو الذي يشغل حالياً منصب سفير متجوّل للمغرب في العالم.

الملاح
واليهود الذين يشكلون واحدة من ثقافات المغرب، يمارسون طقوس التعبّد الخاصة بهم من دون أي مشكلة، وهم وكسواهم يقيمون علاقات مصاهرة مع بقيّة مواطنيهم من دون أي تعقيدات.
وفي المملكة زهاء 38 معبداً يهودياً موزعين على عدد من المدن الكبرى، بالإضافة إلى أضرحة يرقد فيها رجال دين يهود، ومزارات يقصدها المؤمنون نجدها خصوصاً في فاس والصويرة ووزان وصفرو ووجدة.

ومن أشهر معابد اليهود في المغرب معبد ابن دهان أو كما يسميه البعض كنيس ابن دنان، الذي يقع في الحي اليهودي أو "الملاح" في مدينة فاس وسط البلاد. ويقصده بضعة آلاف من اليهود المتبقين في المملكة لممارسة طقوسهم والاطلاع على نسخ التوراة المحفوظة في حرمه.

وتجدر الإشارة إلى أنه يمكن للمرء أن يصادف في مدن مغربيّة عدّة، أحياء بأكملها يُطلق عليها "الملاح". وتلك، أحياء كان يقطنها اليهود على وجه الخصوص، في مدن الرباط والدار البيضاء والصويرة ومكناس ومراكش وفاس. وقد سمّيت كذلك لأن أول حارة لليهود في المغرب شيّدت في فاس، في منطقة اشتهرت بتخزين الملح لتصديره إلى أوروبا.

وتقع معظم أحياء "الملاح" اليهوديّة في الحارات القديمة من مدن المغرب، مثل المدينة العتيقة للعاصمة الرباط أو المدينة العتيقة للعاصمة العلميّة فاس حيث نجد أكبر الأسواق التجاريّة وأبرزها. ففيها تنشط حركة اقتصاديّة مهمة، بفضل انتشار حرف ومهن يتقنها يهود البلاد.

ولأن هؤلاء كانوا وما زالوا يمارسون حرفاً تعتمد على المهارات اليدويّة الدقيقة من قبيل صياغة الذهب وحياكة الأثواب والزرابي (البسط) وخياطة الأزياء التقليديّة والنجارة، فإن أحياء "الملاح" في العديد من مدن المغرب كانت تُعدّ بمثابة مراكز تجاريّة قائمة بحدّ ذاتها.

هيلولة
وفي حين يعيش بضعة آلاف من اليهود المغاربة في البلاد كأحد مكوّنات النسيج المجتمعي المغربي، يقصدها سنوياً الآلاف من بلدان الانتشار لإعادة إحياء صلة الرحم والاحتفال بالمناسبات الدينيّة في مزاراتهم الخاصة.

ويعود فضل "الحريّة" التي يتمتع بها اليهود المغاربة في العودة إلى البلاد كلما احتاجوا ذلك، إلى قرار حكومي سنّ في عام 1976 يقضي بعدم إسقاط الجنسيّة المغربيّة عن اليهود المغاربة الذين هاجروا في السنوات السابقة إلى إسرائيل، وذلك بخلاف العديد من البلدان العربيّة الأخرى.

ومما يجذب اليهود المغاربة إلى العودة إلى البلاد، المواسم الدينيّة وأبرزها موسم "هيلولة" أو كما يسميه البعض "هيلوليا" أي "سبحوا الله" بالعبريّة. وهو كناية عن احتفال يُقام في شهر ديسمبر/كانون الأول من كل عام عند ضريح الحاخام دافيد بن باروخ في ضواحي مدينة تارودانت جنوب المملكة.

وهؤلاء الذين يتوافدون بالمئات للاحتفال بموسم "هيلولة" الذي يُعدّ الملتقى السنوي المفضّل لدى اليهود المغاربة، يأتون من حول العالم وخصوصاً من فرنسا وإسرائيل وكندا والولايات المتحدة الأميركيّة. أما الهدف فهو التبرّك بأوليائهم وزيارة عائلاتهم التي لم تهاجر إلى إسرائيل.