لم تُثنِ تحذيرات باحثين ومعلّقين إسرائيليين من التداعيات السلبية لاختيار دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة على مصالح إسرائيل، منظمات يهودية أميركية ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، عن بدء إجراء اتصالات مع ترامب بشكل مباشر وغير مباشر للحصول على تطمينات مسبقة حول سياساته تجاه إسرائيل في حال أصبح رئيساً للولايات المتحدة. فقد عمدت منظمة "أيباك"، أكبر وأهم جماعات الضغط اليهودي في الولايات المتحدة، إلى توجيه الدعوة لترامب لإلقاء خطاب أمام مؤتمرها السنوي الذي سيُعقد الأسبوع المقبل.
وكشفت صحيفة "هآرتس" أخيراً أنه تم توجيه الدعوة لترامب، على الرغم من أن أوساطاً يهودية أميركية عبّرت عن اعتراضها على هذه الخطوة بسبب طابع المواقف التي يعبّر عنها المرشح الجمهوري المثير للجدل. وفي تحليل كتبه مراسلها في واشنطن حمي شليف، أشارت "هآرتس" إلى أن "أيباك" التي تحاول الحصول على تعهدات واضحة من ترامب بشأن سياساته المستقبلية تجاه إسرائيل في حال أصبح رئيساً، تجاهلت رفض أوساط يهودية أميركية بارزة هذه الخطوة.
ووفق شليف، فقد حذر محرر صحيفة "جويش جورنال" ملوس إنجيلز، من أن منح "أيباك" منصة لترامب، على الرغم من خطابه التحريضي والعنصري، سيجلب العار لهذه المنظمة وجميع داعمي إسرائيل في الولايات المتحدة. وقال شليف إن قادة "أيباك" الذين يحاججون بأنه لا يمكن تفويت فرصة الحصول على تعهدات علنية من مرشح رئاسي مهم، يُقرون في الوقت ذاته بأن دعوته ستلحق ضرراً بصورة المنظمة. وأشار شليف إلى مخاوف من أن تفضي دعوة ترامب للإضرار بعلاقات اليهود الأميركيين بقطاعات عرقية ودينية في الولايات المتحدة اتسم خطاب ترامب تجاهها بالعنصرية، مثل المكسيكيين والمسلمين.
اقرأ أيضاً: ترامب وكلينتون في مؤتمر "أيباك": امتحان العلاقة مع إسرائيل
لكن قناة التلفزة الإسرائيلية الأولى، نقلت عن مصادر في "أيباك" قولها إنه على الرغم من التحفظات من خطاب ترامب، إلا أنه يبقى "أفضل" من المرشحَين الديمقراطيَين، هيلاري كلينتون، وبيرني ساندرز، على اعتبار أنهما سيواصلان سلوك الرئيس الأميركي الحالي باراك أوباما بالتشبث بخيار حل الدولتين، وهو الخيار الذي ترفضه "أيباك"، التي تتبنى مواقف يمينية متطرفة من الصراع مع الفلسطينيين.
وعلى الرغم من أن نتنياهو اضطر إلى أن يقدّم قبل شهرين، على استحياء، تحفظاً على خطاب ترامب، فإنه قد شرع فعلياً في إجراء اتصالات غير مباشرة معه. فقد ذكرت الإذاعة الإسرائيلية قبل أيام، أن الملياردير اليهودي الأميركي شيلدون أدلسون، أحد المقربين من نتنياهو وأكبر داعم لحملاته الانتخابية، قد التقى بترامب، مشيرة إلى أنه عبّر عن "انطباعات إيجابية" من هذا اللقاء. ورأى معلّق الشؤون الخارجية في قناة التلفزة العاشرة الصحافي نداف إيال، أن أوضح مؤشر على مغازلة كل من نتنياهو وأدلسون لترامب، هو طابع تغطية صحيفة "يسرائيل هيوم"، للانتخابات التمهيدية الأميركية، مع العلم أن هذه الصحيفة التي تعدّ أوسع الصحف الإسرائيلية انتشاراً، تعود ملكيتها لأدلسون، وتمثّل بوقاً لديوان نتنياهو. وفي سلسلة تغريدات كتبها على حسابه على موقع "تويتر"، لفت إيال إلى أن "يسرائيل هيوم" تبنّت اتهامات معسكر ترامب لمنتقديه، لا سيما بعد أن قام متظاهرون غاضبون بالتشويش على مؤتمراته الانتخابية، واتهمتهم بممارسة العنف.
من جهته، قال الصحافي أودي سيغل، إنه في حال تمت محاسبة ترامب على مواقفه المعلنة بشأن الصراع مع الفلسطينيين، فإنها يجب أن تثير القلق في إسرائيل. وفي مقال نشرته صحيفة "معاريف"، أشار سيغل إلى أن ترامب سبق أن أعلن أنه سيتّبع موقفاً "محايداً" من الصراع مع الفلسطينيين، لافتاً إلى أن منافسيه في الحزب الجمهوري يهاجمونه بسبب هذا الموقف. ونقل سيغل عن مسؤول خدَم في وزارتي الدفاع والخارجية الإسرائيليتين، أن الرؤساء الديمقراطيين كانوا "أكثر كرماً" من الرؤساء الجمهوريين في ما يتعلق بالمساعدات العسكرية لإسرائيل. وذكّر المسؤول أن رونالد ريغان، الذي يوصف بأنه أكثر الرؤساء الجمهوريين دعماً لإسرائيل، لم يتردد في منع تصدير السلاح لإسرائيل لفترة، بعدما قامت بقصف المفاعل الذري العراقي، ناهيك عن أنه لم يحتمل انتقادات إسرائيل بعد تزويد السعودية بطائرات "أيواكس". وعدّد المسؤول شواهد من عهدي بوش الأب والابن تؤكد على "بخل" الرؤساء الجمهوريين تجاه إسرائيل.
أما المعلّق الإسرائيلي بن كاسبيت، فأشار إلى ما يعتبره مصدر قلق آخر يتمثّل في ثروة الملياردير دونالد ترامب، التي تجنبه الاعتماد على دعم الممولين اليهود. وفي مقال نشرته "معاريف"، حذر كاسبيت من أن عدم اعتماد ترامب على المال اليهودي يمكّنه من اتخاذ مواقف تثير غضب المنظمات اليهودية وإسرائيل.
لكن الكاتب الإسرائيلي ران إيدليست أشار إلى ملاحظة تفسّر التعاطف الخفي الذي يبديه قادة الأحزاب في إسرائيل تجاه ترامب. ولفت الكاتب إلى أن هناك شبهاً بين ترامب وقادة الأحزاب في إسرائيل، سواء كانوا يمثّلون اليمين أو اليسار، إذ إنهم يشتركون معه في الاستهانة بوعي الجماهير من خلال التضليل والكذب واستثارة العواطف من أجل التغطية على توجهاتهم العنصرية. وفي مقال نشرته صحيفة "معاريف"، نوه إيدليست إلى أن المحرك الرئيس لأفكار ترامب هو إيمانه بتفوّق العنصر الأبيض، كما يؤمن قادة الأحزاب الإسرائيلية بتفوّق اليهود على غيرهم.
اقرأ أيضاً: ما بعد "الثلاثاء الكبير"... دونالد ترامب أزمة للحزب الجمهوري