13 نوفمبر 2024
يمين مُعزّز بـ"يسار"
ضمن آخر مظاهر مباهاة اليمين في دولة الاحتلال الإسرائيلية بأن "رؤيته" إزاء المسألة الفلسطينية هي "الأكثر صدقيـة وقبولًا"، يمكن إدراج المقاربة التي تفيد بأنه في مطلع عام 2016 طرأ "تحوّل مُفاجئ" على الخطاب السياسي الإسرائيلي، لصالح هذه "الرؤية"، حسبما ورد أخيرًا في ورقة "تقدير موقف" جديدة، صدرت في شهر مارس/ آذار الجاري، عن أحد مراكز الأبحاث اليمينية (المركز المقدسي للشؤون العامة وشؤون الدولة) المُقرّب من رئيس الحكومة الحالي، بنيامين نتنياهو.
ويعود سبب هذا "التحوّل"، بموجب الورقة، إلى حقيقة أن حزبي الليكود والعمل وجدا نفسيهما، في ما تصفه بأنه "إحدى الحالات النادرة في التاريخ"، يقفان في الجانب نفسه من المتراس، وذلك بعد أن أقرّ الحزبان علنًا أنه، في اللحظة الزمنية الراهنة، بات الهدف المتمثل في التوصل إلى حلّ عبر المفاوضات مع الفلسطينيين، استنادًا إلى صيغة "دولتين لشعبين"، بمثابة "سراب غير قابل للتحقيق"!
ويكمن "الفارق البسيط" بين الحزبين حاليًا في أن "الليكود" يسعى إلى الحفاظ على الواقع القائم في الأراضي الفلسطينية المحتلة، في حين أن "العمل" تبنى، في ختام مؤتمره في فبراير/ شباط 2016، خطة انفصال أحادية الجانب في الضفة الغربية، أطلق عليها اسم "خطة الانفصال عن الفلسطينيين"، طرحها رئيس الحزب، يتسحاق هيرتسوغ، ويحث على الدفع بها. وغايتها القصوى "الحفاظ على يهودية" دولة الاحتلال (قال هيرتسوغ في الخطاب الذي عرض فيه خطته هذه: "من دون البدء بعملية الانفصال عن الفلسطينيين، ستتحول إسرائيل إلى دولة عربية ـ يهودية، وستغرق رؤية الدولتين في البحر، وسيصبح في القدس رئيس بلدية فلسطيني. ... ووصف ذلك كله بأنه طامة كبرى!). وصادق مؤتمر "العمل" كذلك على "مقولة" هيرتسوغ بأنه "ينبغي التعامل مع واقع أن اتفاق سلام كاملا ليس قريبًا، وأنه، في هذه المرحلة، لا يمكن الوصول إلى تطبيق رؤية الدولتين".
قد يوحي هذا الكلام بأن "العمل"، باعتباره "يسارًا" في بعض القراءات، يقترب أكثر فأكثر من اليمين. لكن الحقيقة أن "يساريته" كانت دائمًا موضع شك كبير. أكثر من هذا، مع أن الواقع السياسي الراهن في دولة الاحتلال يتسم بهيمنة اليمين، فإن جلّ مقاربات هذا اليمين، وخصوصًا فيما يتعلق بمستقبل الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، ومحددات تسويته، مشتق من إرث "العمل" وسلفه "مباي".
وفي أكثر من مناسبة سابقة، أورد صاحب هذه السطور أمثلة صارخة على مقاربات هذا "اليسار" التي تشكل معينًا لليمين، وتعزيزًا لسياسته. ولعلّ أبرزها المثل المتعلق بمستقبل منطقة غور الأردن. فمعروف أن نتنياهو يؤكد، صباح مساء، الأهمية الحاسمة لمنطقة غور الأردن بالنسبة إلى أمن دولة الاحتلال، ويشدّد على ضرورة الاحتفاظ بوجود عسكري إسرائيلي على امتدادها في أي اتفاق سلام مع الفلسطينيين في المستقبل. وهذا بالضبط هو ما أكده رئيس الحكومة الأسبق، يتسحاق رابين، في آخر خطاب ألقاه في الكنيست يوم الخامس من أكتوبر/ تشرين الأول 1995، أي قبل شهر من اغتياله، وتحدّث، في سياقه، عن رؤيته بشأن جوهر التسوية مع الفلسطينيّين، مشددًا على أنه "يجب تثبيت الحدود الأمنيّة للدفاع عن إسرائيل في غور الأردنّ في أوسع معنىً لهذا المفهوم".
وقبل نحو 48 عامًا، وحين لخص زعيم آخر من "العمل"، هو إيغال ألون، خطته حول ما تسمى "الحدود القابلة للدفاع عنها"، قال إنه "إذا كانت إسرائيل معنيةً ببقاء المناطق التي تنسحب منها مناطق منزوعة السلاح، فإن عليها الاحتفاظ بغور الأردن". ويلفت بعضهم إلى أنه على الرغم من أن ألون كتب خطته قبل عشرات الأعوام، فإن مبادئها ما زالت ذات صلة بالآن أكثر من أي وقت مضى.
لكن، بالعودة إلى الآن، تفترض رؤية "العمل" أن ما كان هو ما سيكون، وتقترح سياسة لا تتجّه إلى إنهاء الاحتلال، بل لجعله "أكثر راحة". ومثل هذه السياسة، في ظل التثبيت الدائم للمستوطنات، ستؤول، في نهاية المطاف، إلى استبدال "رؤية الدولتين" بفكرة حكم ذاتي فلسطيني مهزوزٌ آخذٌ في التقلص.
ويعود سبب هذا "التحوّل"، بموجب الورقة، إلى حقيقة أن حزبي الليكود والعمل وجدا نفسيهما، في ما تصفه بأنه "إحدى الحالات النادرة في التاريخ"، يقفان في الجانب نفسه من المتراس، وذلك بعد أن أقرّ الحزبان علنًا أنه، في اللحظة الزمنية الراهنة، بات الهدف المتمثل في التوصل إلى حلّ عبر المفاوضات مع الفلسطينيين، استنادًا إلى صيغة "دولتين لشعبين"، بمثابة "سراب غير قابل للتحقيق"!
ويكمن "الفارق البسيط" بين الحزبين حاليًا في أن "الليكود" يسعى إلى الحفاظ على الواقع القائم في الأراضي الفلسطينية المحتلة، في حين أن "العمل" تبنى، في ختام مؤتمره في فبراير/ شباط 2016، خطة انفصال أحادية الجانب في الضفة الغربية، أطلق عليها اسم "خطة الانفصال عن الفلسطينيين"، طرحها رئيس الحزب، يتسحاق هيرتسوغ، ويحث على الدفع بها. وغايتها القصوى "الحفاظ على يهودية" دولة الاحتلال (قال هيرتسوغ في الخطاب الذي عرض فيه خطته هذه: "من دون البدء بعملية الانفصال عن الفلسطينيين، ستتحول إسرائيل إلى دولة عربية ـ يهودية، وستغرق رؤية الدولتين في البحر، وسيصبح في القدس رئيس بلدية فلسطيني. ... ووصف ذلك كله بأنه طامة كبرى!). وصادق مؤتمر "العمل" كذلك على "مقولة" هيرتسوغ بأنه "ينبغي التعامل مع واقع أن اتفاق سلام كاملا ليس قريبًا، وأنه، في هذه المرحلة، لا يمكن الوصول إلى تطبيق رؤية الدولتين".
قد يوحي هذا الكلام بأن "العمل"، باعتباره "يسارًا" في بعض القراءات، يقترب أكثر فأكثر من اليمين. لكن الحقيقة أن "يساريته" كانت دائمًا موضع شك كبير. أكثر من هذا، مع أن الواقع السياسي الراهن في دولة الاحتلال يتسم بهيمنة اليمين، فإن جلّ مقاربات هذا اليمين، وخصوصًا فيما يتعلق بمستقبل الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، ومحددات تسويته، مشتق من إرث "العمل" وسلفه "مباي".
وفي أكثر من مناسبة سابقة، أورد صاحب هذه السطور أمثلة صارخة على مقاربات هذا "اليسار" التي تشكل معينًا لليمين، وتعزيزًا لسياسته. ولعلّ أبرزها المثل المتعلق بمستقبل منطقة غور الأردن. فمعروف أن نتنياهو يؤكد، صباح مساء، الأهمية الحاسمة لمنطقة غور الأردن بالنسبة إلى أمن دولة الاحتلال، ويشدّد على ضرورة الاحتفاظ بوجود عسكري إسرائيلي على امتدادها في أي اتفاق سلام مع الفلسطينيين في المستقبل. وهذا بالضبط هو ما أكده رئيس الحكومة الأسبق، يتسحاق رابين، في آخر خطاب ألقاه في الكنيست يوم الخامس من أكتوبر/ تشرين الأول 1995، أي قبل شهر من اغتياله، وتحدّث، في سياقه، عن رؤيته بشأن جوهر التسوية مع الفلسطينيّين، مشددًا على أنه "يجب تثبيت الحدود الأمنيّة للدفاع عن إسرائيل في غور الأردنّ في أوسع معنىً لهذا المفهوم".
وقبل نحو 48 عامًا، وحين لخص زعيم آخر من "العمل"، هو إيغال ألون، خطته حول ما تسمى "الحدود القابلة للدفاع عنها"، قال إنه "إذا كانت إسرائيل معنيةً ببقاء المناطق التي تنسحب منها مناطق منزوعة السلاح، فإن عليها الاحتفاظ بغور الأردن". ويلفت بعضهم إلى أنه على الرغم من أن ألون كتب خطته قبل عشرات الأعوام، فإن مبادئها ما زالت ذات صلة بالآن أكثر من أي وقت مضى.
لكن، بالعودة إلى الآن، تفترض رؤية "العمل" أن ما كان هو ما سيكون، وتقترح سياسة لا تتجّه إلى إنهاء الاحتلال، بل لجعله "أكثر راحة". ومثل هذه السياسة، في ظل التثبيت الدائم للمستوطنات، ستؤول، في نهاية المطاف، إلى استبدال "رؤية الدولتين" بفكرة حكم ذاتي فلسطيني مهزوزٌ آخذٌ في التقلص.