يمنيون يخشون السفر عبر مطار عدن

10 نوفمبر 2019
ثمّة حذر من السفر عبره (كريم صاحب/ فرانس برس)
+ الخط -
بعد الأحداث الدامية التي وقعت في مدينة عدن، جنوبي اليمن، في أغسطس/ آب الماضي، عزف مواطنون كثر من المحافظات الشمالية الخاضعة لسيطرة الحوثيين عن السفر عبر مطار عدن الدولي، وذلك على خلفيّة مخاوف أمنية مع تزايد الانتهاكات في حقهم. ويأتي ذلك ليفاقم معاناة المسافرين، لا سيّما مع استمرار الحظر الذي يفرضه التحالف السعودي الإماراتي على مطار صنعاء الدولي (أكبر المطارات في البلاد) منذ عام 2016.

وبينما يختار يمنيون كثر السفر عبر مطار سيئون الدولي في محافظة حضرموت (شرق) على الرغم من بُعد المسافة، فإنّ آخرين يرجئون سفرهم إلى حين استقرار الأوضاع في مدينة عدن كون مطارها هو الأقرب. أحمد الأصبحي من بين هؤلاء، وهو يعيش في مديرية يريم التابعة لمحافظة إب (وسط). يقول لـ"العربي الجديد": "قرّرت بعد سيطرة قوات الحزام الأمني التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي على مدينة عدن في أغسطس/ آب الماضي، تأخير موعد سفر والدتي إلى العاصمة المصرية القاهرة عبر مطار عدن الدولي، بغرض العلاج، لأكثر من شهر ونصف الشهر، بسبب تدهور الأوضاع الأمنية في المدينة واستهداف بعض أبناء المحافظات الشمالية". يضيف الأصبحي: "لكنّني أخيراً اضطررت إلى حجز تذكرة لوالدتي على أن تسافر عبر مطار سيئون"، مشيراً إلى أنّ "رحلة وصولها إلى المطار استمرت نحو 30 ساعة بسبب التوقف المتكرر في النقاط الأمنية التابعة إمّا للحوثيين وإمّا للحكومة الشرعية بهدف التفتيش".

ويتابع أنّ "مرضى كثيرين من مناطق الحوثيين يرفضون السفر إلى خارج البلاد لتلقي العلاج منذ بدء الحرب، قبل أكثر من أربع سنوات، على الرغم من حاجتهم الماسة إلى ذلك بسبب عوائق السفر". ويطالب الأصبحي "الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الإنسانية بالضغط على التحالف السعودي الإماراتي وكذلك على الحكومة اليمنية في عدن، لإعادة فتح مطار صنعاء الدولي أمام المسافرين، خصوصاً المرضى، للتخفيف من معاناتهم".



من جهته، يقول عبد الله ياسر، وهو من سكان محافظة المحويت (غرب)، لـ"العربي الجديد": "تخليت عن فكرة السفر عبر مطار عدن الدولي نهائياً، بعدما وردني أنّ ثمّة جماعات مسلحة مهمتها الرئيسية التضييق على أبناء المحافظات الشمالية لطردهم من المدينة بدوافع مناطقية". يضيف أنّ "المسلحين هناك يعمدون إلى مداهمة الفنادق والمطاعم للبحث عن أيّ مواطن شمالي من أجل اعتقاله على أن يطلقوا سراحه لاحقاً مقابل مبالغ مالية. وقد وصل بهم الحال إلى قتل سائق شاحنة تجارية من منطقة أرحب في محافظة صنعاء، في بداية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، فقط لأنّه شمالي". ويشير ياسر إلى أنّه "لا ذنب لنا في إغلاق مطار صنعاء، ولا علاقة لنا بالخلافات السياسية لتتعقّد إجراءات السفر بهذا الشكل، فلماذا ندفع نحن ثمن هذه الحرب؟ وإلى متى سوف تستمر معاناة المواطنين اليمنيين المسافرين إلى خارج البلاد؟".

أمّا علي حسن، وهو من سكان منطقة كريتر في عدن، فيؤكد أنّ "سكان عدن يرفضون الإجراءات التعسفية التي تطاول أبناء المحافظات الشمالية في المدينة، منذ بدء الحرب، والتي تنفّذها بعض التشكيلات العسكرية من دون أن يتمكّن أحد من إيقافها"، مشدّداً على أنّ "هذه الممارسات تُنفّذ من قبل مجموعات محددة وهي ليست سياسة عامة". يضيف حسن أنّ "الأوضاع تحسّنت في الآونة الأخيرة بالمقارنة مع ما كانت عليه في السابق، لكن الشماليّ ما زال يشعر بأنّه غريب ومستهدف في عدن. لذا، عندما يصل المسافرون عبر مطار عدن يفضّلون البقاء في الفنادق أو منازل أقرباء لهم بدلاً من الخروج والتجوّل في الأحياء والمناطق".

من جهتها، أجّلت أمّ عبد السلام العديني سفرها على أمل فتح مطار صنعاء قريباً، وتقول لـ"العربي الجديد" إنّ "ابني يعيش في القاهرة منذ أكثر من خمسة أعوام وقد دعاني مراراً لزيارته، لكنّني أقول له دائما إنّني لا أستطيع تحمّل السفر برّاً إلى عدن أو سيئون ومن ثمّ إلى القاهرة، فالمسافة طويلة". وتشير إلى أنّها تفضّل "الانتظار حتى يُفتَح مطار صنعاء أمام المسافرين"، متسائلة: "ما هو الأفضل بالنسبة إليّ السفر لمدّة يومَين برّاً حتى أصل إلى عدن أو حضرموت، أو الانتظار حتى يفتحوا مطار صنعاء لأصل إلى القاهرة في خلال ثلاث ساعات؟ أنا امرأة كبيرة في السنّ ومن الصعب عليّ تحمّل ظروف السفر برّاً لساعات طويلة".



في السياق، يصف الناشط محمد ناصر مخاوف أبناء المحافظات الشمالية من السفر عبر مطار عدن الدولي بـ"الأمر الطبيعي"، لا سيّما في ظل استمرار "حملات التحريض ضدّهم في مختلف وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي على أساس مناطقي". ويؤكد ناصر لـ"العربي الجديد" أنّ "المواطنين الشماليين في عدن مهدّدون بالطرد والقتل والنهب في أيّ وقت في حال ساءت الأوضاع، وهذا أمر واضح منذ بداية الحرب في اليمن بمبررات مختلفة، منها أمنية. وهو ما دفع كثيرين منهم إلى ترك المدينة والهروب إلى خارج البلاد أو إلى محافظات أخرى آمنة". يضيف ناصر أنّ "سكان المحافظات الشمالية يفضّلون بمعظمهم السفر عبر مدينة سيئون التابعة لمحافظة حضرموت، علماً أنّ الوضع الجديد أسهم في إنعاش هذه المدينة في خلال الأعوام الخمسة الماضية، فالمسافرون يأتون إليها من كل مكان، بخلاف مدينة عدن التي لا يقصدها سوى المضطر إلى ذلك".

تجدر الإشارة إلى أنّ المتحدثة باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، رافينا شمداساني، أكّدت في أغسطس/ آب الماضي، أنّ قوات الحزام الأمني التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي الموالي للإمارات في عدن "نفّذت وساعدت على تنفيذ هجمات انتقامية ضد مدنيين من أبناء المحافظات الشمالية". وقد أضافت في حديث إلى الصحافيين في جنيف، أنّ "المعلومات التي وردت من مصادر متعددة، أشارت إلى عمليات اعتقال واحتجاز تعسفية وتهجير قسري واعتداءات جسدية ومضايقات، فضلاً عن نهب وتخريب من قبل قوات الأمن ضدّ مئات الشماليين".