واقع الحال في اليمن الناتج عن استمرار الحرب وأزمة الرواتب والفقر يدفع المواطنين إلى البحث عن بدائل، كشراء الملابس المستعملة، بسبب عدم قدرتهم على شراء تلك الجديدة
أمام أحد المتاجر المخصّصة لبيع الملابس المستعملة في صنعاء، يقف إبراهيم العمراني (37 عاماً)، متأملاً بعض المعاطف المعلّقة على أبواب المتجر للعرض قبل أن يقرّر شراءها. يشتري العمراني الملابس المستعملة لأفراد أسرته منذ نحو ثلاث سنوات. أسعار الملابس الجديدة باهظة ولا يقوى على توفير ثمنها. يقول لـ"العربي الجديد": "ليست سيئة. وبعد أن نشتريها، نغسلها جيداً لنحمي أنفسنا من الأمراض المعدية".
ويشير العمراني إلى أن عدم توفر الرواتب يسبب أزمة لغالبية العائلات اليمنية. يضيف: "ما كنا نستطيع توفيره بصعوبة قبل الحرب لا نستطيع توفيره إطلاقاً، ونضطر لإيجاد حلول بديلة تضمن حياة مستورة حتى تنتهي الحرب". وتسبّبت الحرب في اليمن، التي دخلت عامها الخامس أواخر مارس/ آذار الماضي، في تدهور الوضع المعيشي لدى معظم سكان البلاد، من جراء فقدانهم أعمالهم، أو عدم صرف رواتبهم، كحال موظفي الحكومة في المناطق الخاضعة لسيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين)، ذات الكثافة السكانية العالية.
وفي وقت تسعى المنظمات الدولية العاملة في المجال الإنساني إلى توفير المياه والغذاء للسكان ودعم الصحّة، تبقى مهمة توفير الملابس على عاتق أولياء الأمور، ليلجأ كثيرون منهم إلى شراء الملابس المستعملة التي تستورد من الخارج من جرّاء انخفاض ثمنها بالمقارنة مع أسعار الملابس الجديدة.
عبد الرحمن عبادي، أحد هؤلاء، هو أب لخمسة أطفال من صنعاء. "لم يعد بمقدوري التسوّق وشراء الملابس الجديدة كالسابق، خصوصاً مع استمرار عدم صرف راتبي كغيري من موظفي الحكومة منذ نحو عامين ونصف العام". يشير عبادي إلى أن سعر البنطلون الواحد ارتفع إلى أكثر من الضعف. كان سعره يبلغ في السابق نحو 3 آلاف ريال يمني (6 دولارات)، والآن تجاوز 6 آلاف ريال يمني (12 دولاراً). أما سعر بدلة الأطفال، فكانت 4500 ريال يمني (9 دولارات)، والآن 10 آلاف ريال يمني (20 دولاراً). ويؤكد عبادي أنّ الكثير من المواطنين في اليمن حالياً يعتمدون بشكل رئيسي على شراء الملابس المستعملة لعائلاتهم، أو تلك التي تُباع في المراكز التجارية الكبيرة التي توشك على التلف بسعر 1000 أو 1500 ريال يمني (دولاران أو ثلاثة دولارات).
من جهته، يقول عبد الرحمن الوصابي إنّ محال بيع الملابس المستعملة أو ما يُسمى في اليمن بـ"الحراج"، أصبحت سوقاً رائجة يرتادها الكثير من الفقراء، خصوصاً مع استمرار الارتفاع الجنوني لأسعار الملابس الجديدة خلال سنوات الحرب. يضيف الوصابي لـ"العربي الجديد"، أنّ الظروف المعيشيّة الصعبة أجبرته على الشراء من تلك المحال، إذ يمكن شراء كثير من الملابس للأطفال وبأسعار مخفضة. "أغسل الملابس بشكل جيد وأنشرها تحت أشعة الشمس قبل ارتدائها، من أجل القضاء على البكتيريا والجراثيم كليّاً، بصرف النظر عن مصدرها أو تأثيرها على الصحة، كما يُشاع". يشير إلى أنّه لولا تلك المحال، لكان أطفاله في وضع صعب للغاية. "تبقى الأسعار مقبولة، كما أن نوعيتها أفضل بكثير من الملابس الجديدة ذات النوع الرديء التي تستورد خصيصاً للسوق المحلي ".
من جهته، يقول محمد الضبيبي لـ"العربي الجديد"، إن تجار الملابس الجديدة يغالون في الأسعار بشكل كبير جداً، بحجة انخفاض العملة الوطنية في مقابل العملات الأجنبية. "لذلك، لاقت أسواق الملابس المستعملة رواجاً كبيراً خلال السنوات الأخيرة الماضية". ويدعو الضبيبي الجهات المعنية في الدولة إلى فرض رقابة مشددة على تجار الملابس الجديدة للتخفيف من معاناة المواطنين التي تسببت بها الحرب المتواصلة في البلاد منذ أكثر من أربع سنوات.
وانتشرت محال وبسطات بيع الملابس المستعملة بشكل لافت خلال سنوات الحرب الماضية في شوارع صنعاء، ومحافظات يمنية عدة، لتصبح مصدر رزق لكثيرين.
وفي السياق، يقول صادق العتمي، الذي يعمل في أحد محال بيع الملابس المستعملة في صنعاء، إنه يتم استيراد الملابس المستعملة بالأطنان من بعض الدول الأوروبية والأميركية ودول أخرى، عبر تجار كبار، ومن ثم توزيعها على البسطات ومحال البيع المنتشرة في أنحاء البلاد. يضيف العتمي لـ"العربي الجديد"، أنّ تجارة الملابس المستعملة تمثل مصدر رزق لعدد كبير من الأشخاص حالياً، بسبب الإقبال عليها خلال سنوات الحرب الأربع الماضية.
يشير العتمي إلى أنّ الملابس تغسل في المحل الذي يعمل فيه قبل بيعها، لضمان صحة وسلامة المشتري. كما أن هناك قطعاً من مختلف الأحجام والأنواع تتناسب مع أذواق الجميع. ويؤكد العتمي أن المواطنين يقبلون بشكل كبير على شراء الملابس المستعملة، التي لم تعد محصورة بالفقراء كما في السابق، في ظل ارتفاع الأسعار وتدهور الحالة الاقتصادية للجميع بسبب الحرب.
إلى ذلك، يحذر بعض الأطباء من شراء الملابس المستعملة لما قد تحتويه من أمراض جلدية معدية. في هذا الإطار، تؤكد الطبيبة نهى البعداني لـ"العربي الجديد"، وجود أمراض جلدية معدية تنتقل بواسطة الملابس المستعملة التي تجلب من خارج اليمن. "الملابس المستعملة تشحن غالباً من دون تنظيف، والبعض يرتديها فور شرائها ومن دون غسلها، ما يساهم في انتشار الأمراض الجلدية". وتنصح البعداني الأشخاص الذين يشترون تلك الملابس بغسلها وتعقيمها جيداً قبل استخدامها، لضمان عدم الإصابة بأي مرض.
ويعيش أكثر من مليون موظف حكومي في المناطق الخاضعة لسيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين) من دون رواتب، منذ انقطاعها في سبتمبر/ أيلول من عام 2016. ويعتمد سكان اليمن على المساعدات الإغاثية التي تقدمها المنظمات الدولية العاملة في المجال الإنساني منذ بدء الحرب في مارس/ آذار من عام 2015، بحسب الأمم المتحدة. وتشير إلى أن اليمن يمر بأسوأ أزمة إنسانية في العالم، ويحتاج 80 في المئة من سكانه (24 مليون شخص) إلى المساعدات الإغاثية العاجلة.