دفعت الأوضاع المعيشية الصعبة للنازحين في اليمن الكثير من النساء إلى الالتحاق بدورات تأهيلية تعزز من قدراتهن، وتمكنهن من إيجاد فرص عمل تعيلهن بدلاً من الاعتماد على المساعدات الغذائية غير الكافية.
تقول آمنة الحربي، وهي نازحة من محافظة حجة (شمال غرب البلاد)، إلى العاصمة صنعاء (وسط)، إنها التحقت ببرنامج للتدريب على الخياطة والتطريز وإنتاج الملابس وتسويقها في مركز وئام للتدريب النسوي لدعم التعايش بين النازحين والمجتمع المضيف، التابع لمؤسسة الشرق للتنمية في أمانة العاصمة صنعاء، موضحة أنها تعلمت في البرنامج التدريبي "فنون ومهارات الخياطة وتفصيل الملابس، من خلال استخدام ماكينة الخياطة وغيرها من الأدوات المتعلقة بهذا المجال. وأصبحت الآن قادرة على إنتاج ملابس النساء والأطفال وترويجها في الأسواق المحلية".
وتؤكد الحربي لـ "العربي الجديد": "أسعى حالياً للحصول على ماكينة خياطة لبدء عملي الخاص وتحسين وضع أسرتي المعيشي. وأتمنى الحصول على تمويل من إحدى المؤسسات مستقبلاً، لفتح معمل خياطة، وتعليم وتوفير فرص عمل لنساء أخريات".
أما فاطمة علي، وهي نازحة من محافظة الحديدة (غرب) استقرت في صنعاء، فتؤكد أن البرنامج التدريبي الذي أعده مركز الشرق الأوسط لتأهيل النازحات لسوق العمل فتح لها بداية الطريق لتحسين وضعها المعيشي السيئ الناتج عن الحرب والنزوح. وتقول لـ "العربي الجديد" إنها تعلمت من خلال البرنامج "أساسيات الخياطة والتطريز والقص وتطبيق الباترون على القماش". تضيف: "بمقدوري الآن خياطة العباءات والفساتين والبناطيل والقمصان للنساء، إضافة إلى ملابس الأطفال"، مشيرة إلى أن إحدى المنظمات العاملة في المجال الإنساني "رفعت أسماء جميع المتدربات في البرنامج إلى بنك الأمل للتمويل الأصغر"، من أجل تمويل شراء ماكينات خياطة لهن للاعتماد على أنفسهن وبدء خياطة الملابس في منازلهن.
وتوضح علي أن عملها في مجال الخياطة سيساهم بشكل كبير في توفير مصاريف أسرتها، وتخفيف الحمل على زوجها.
واستطاعت عدد من النازحات التغلب على ظروفهن المعيشية الصعبة الناجمة عن الحرب المتواصلة في البلاد، من خلال إنشاء بعض المشاريع الصغيرة بعد تعلمهن مهناً في مراكز تأهيل النازحات لسوق العمل.
في هذا السياق، تقول النازحة من مدينة تعز إلى صنعاء أحلام حميد، إنّها أنشأت مشروعها الخاص في صناعة البخور اليمني والعطورات بعد التحاقها في دورة تدريبية لإعادة تأهيل النازحات في إحدى المنظمات العاملة في المجال الإنساني داخل البلاد. تضيف: "بعدما أنهيت البرنامج التدريبي، بدأت على الفور في صناعة البخور اليمني وتحضير العطورات في منزلي بإمكانيات محدودة، ثم قمت بتسويقها في الحي الذي أسكنه، ولاقى المشروع رواجاً كبيراً، الأمر الذي دفعني إلى مضاعفة الإنتاج وعرض منتجاتي على محال بيع العطورات والبخور في الأسوق المحلية. إثر ذلك، بدأت محال عدة طلب منتجاتي وبكميات كبيرة".
وتؤكد حميد أنها عانت كثيراً في بداية نزوحها إلى صنعاء، لكن حالها بات أفضل الآن. "مررت بظروف معيشية صعبة للغاية منذ نزوحي برفقة أسرتي إلى صنعاء، خصوصاً مع استمرار انقطاع راتب زوجي منذ أكثر من ثلاثة أعوام. لكن الآن، وضعي المادي تحسن وبات مستقراً، حتى إنني قمت بتدريب بعض النساء لمساعدتي في تلبية طلبات الزبائن".
وتهدف البرامج التدريبية التي تستهدف النازحات في صنعاء إلى تأهيلهن لسوق العمل، وإيجاد مصادر مُستدامة مُدرة للدخل تُغنيهن عن المساعدات الإنسانية المباشرة المقدمة من المنظمات، والتي تنقطع بين الحين والآخر.
بمقدوري الآن خياطة العباءات والفساتين والبناطيل والقمصان للنساء إضافة إلى ملابس الأطفال
في هذا الإطار، تؤكد المديرة التنفيذية لمؤسسة الشرق الأوسط للتنمية، فوزية علاو، أهمية تأهيل النساء النازحات والأشد فقراً في اليمن عبر البرامج التدريبية المختلفة للدفع بهن إلى سوق العمل، بهدف تحسين أوضاعهن المعيشية المتردية الناجمة عن الحرب. وتقول لـ "العربي الجديد" إن المساعدات الإنسانية التي تُقدمها المنظمات الدولية للأسر النازحة غير كافية لمواجهة الظروف المعيشية الصعبة، "ما دفعنا للبحث عن مصادر مُستدامة مُدرة للدخل، لذلك قررنا تنفيذ برامج لتأهيل النساء النازحات ليلتحقن بسوق العمل". تضيف علاو: "المؤسسة التي أرأسها تعمل على إعادة تأهيل النازحات في صنعاء في مجالات عدة، منها الخياطة وتسويق المنتجات والعمل الجماعي لإدارة المشاريع الصغيرة، من خلال محاضرات نظرية وتطبيقية". وتؤكد أن "اليمنيات بمعظمهن لديهن إصرار كبير على العمل وتحسين وضعهن المعيشي، وهن بحاجة إلى الدعم وتمكينهن اقتصادياً لإعالة أسرهن".
إلى ذلك، تقول الباحثة الاجتماعية والنفسية هند ناصر، إنّ النازحات من الأكثر الفئات تضرراً من الحرب لأن "كثيرات فقدن مُعيلهن أو أن أزواجهن بلا أعمال، وأصبحن يعتمدن بشكل رئيسي على المساعدات التي تقدمها المنظمات الدولية الإغاثية من وقت إلى آخر". تضيف لـ "العربي الجديد": "المساعدات الإغاثية التي تقدمها المنظمات للأسر النازحة قليلة للغاية وهي بالكاد تُبقيهم على قيد الحياة، كما أنها غير مستمرة". وتصف ناصر توجه بعض المؤسسات والمراكز المحلية لتدريب النازحات وتأهيلهن لسوق العمل في الآونة الأخيرة بـ "الخطوة الأكثر من رائعة"، كونها "تمنح النازحات فرصا ثمينة للعمل يستطعن من خلالها رعاية أطفالهن بالشكل المطلوب، وتوفير جميع احتياجاتهن من دون انتظار أحد". تضيف: "على الرغم من أن البرامج التدريبية التي تستهدف تأهيل النساء برزت كثيراً مؤخراً، غير أنها ما زالت قليلة من جراء نقص التمويل"، مطالبة المنظمات الدولية بتخصيص ميزانية كبيرة لمثل هذه الدورات.
وبحسب الأمم المتحدة، فإن النساء والأطفال يشكلون أكثر من 76 في المائة من إجمالي أعداد النازحين في اليمن، البالغ عددهم أكثر من ثلاثة ملايين شخص.