يمزّقون المرآة

07 يونيو 2019
رافع الناصري/ العراق
+ الخط -

يا روحي أين المفر

أكتبُ بمزاجٍ سيّء، ولا أدري مَن جاء هنا وترك الأشياء في غير موضعها. الريح أم روحٌ ساخرة. أكتبُ وأخافُ ممّا أكتبُ لأنني سأراه حتماً. حاولتُ كثيراً أن أكتبَ شيئاً آخر لكنَّ الكلمات تقفز وتقول أشياء أخرى؛ ووجدتُ أنَّ قصائدي لا تعبّرُ عنّي ولا تدافع عنّي ولا تنقذني ممّا أنا فيه. في الشارع، الآن، تقتتل فئتان. يا روحي أين المفر؟


■ ■ ■


يخرجون

يظهرون لي بعساكر وكتائب ويغيبون شرقاً ويظهرون في جانب الغرب. يدخلون عليَّ من النوافذ المغلقة ويمزّقون المرآة ويخطّون على السقوف آثار أصابعهم. يقفون عند الأبواب ويزحلقون الحجر في طريقي. يبصقون في وجهي ويبصقون في الماء ويتقيّأون على الخبز ويعودون إلى ثقوب الجدران.


■ ■ ■


الآن؛ أجل الآن

ينبغي أن يحدث شيءٌ؛ أن تنفتح نافذةٌ على شارع جديد. ينبغي أن أغيّر مكان هذا الكرسي وأقلب الفنجان وألملم الأوراق. ينبغي أن أغلق نافذة أخرى على ثرثرة الديانة والقبيلة. أن أفتح كتاب الرحلة وأقرأ عن إيلاف قريش. ينبغي أن تتغيّرَ نبرة الكلام والصمت. أن أشرح الشمس لوجهي وأرحبَّ بصوت العصافير.


■ ■ ■


واقف في الظلام

واقف في الظلام؛ في جانب النافذة رجلٌ يشابهني؛ أو كأنه يشابهني؛ ويفعل ما أفعل. يكتب ما أكتب ويفكّر بما أفكّر. إنه مثلي ينتظر. يخاف مما أخاف ويضحك مما أضحك. أصيح عليه ويصيح عليَّ. أرفع يدي وهو كذلك يرفع يده. أترنّم بما يترنّم. إنه ليس أنا وأنا لست هو. لكننا حائران في شمسِ الآخر. لكننا دائران في كأس الآخر.


■ ■ ■


هذا الجنّي

هذا الجنّيُّ لا يعرف كيف يخطُّ ما أملي عليه؛ ولا يعرف كتابة الأسماء ولا مكانَ أصحابِها. يلطّخُ فمَه بحبر القلم ويعيد كتابة ما أملي عليه ولا يستطيع. عليَّ أن أعلّقك في السقف أيُّها الجنيُّ الخامل. أعذرني سأحسن كتابة ما تقول. حسناً. اكتُبْ على ورق الزيتون هذه الأسماء ثم القِها في النار مع البخور واللُّبان.


■ ■ ■


ما أكتبه اليوم

ما أكتبه اليوم سأعيشه غداً؛ سأراه بعد الحياة؛ وكلُّ الوعود التي قطعتُها مع الآخر سيَفي بها الآخر. هناك عوالم تكشف لي عن ساقِها وتنتظرني على الضفة الثانية. الغرقى والمجانين والشهداء سألتقي بهم قريباً على الضفّة الثانية. سأكون بينهم. سأعود إليهم. هؤلاء هم أهلي؛ هؤلاء هم أصلي.


■ ■ ■


على سطح الدار

على سطح الدار بعيداً عن الناس رجلٌ بدشداشة بيضاء؛ غامض العينين جالسٌ في اتجاه الغروب؛ هكذا منذ الصباح. لا يتحرّك ولا ينطق ولا يرفُّ له جفنٌ. طلعت عليه الشمس والآن في قمّتها وهو هكذا لا يشرب ولا يأكل. سينزل عن سطح الدار صباح يوم غد. سأنتظره وأسأله عما رأى.


* شاعر من الأهواز

المساهمون