يخيل لمن يتابع القرارات التي تصدر في مصر، ومشاريع القوانين التي تعدها اللجنة العليا للإصلاح التشريعي، أننا أمام عصابة. وتلك العصابة تتكون من أعضاء المجموعة الاقتصادية الوزارية التي تتألف من وزير المالية والصناعة والتعاون الدولي والبترول ووزيرة القوى العاملة.
إذ يبدو أن تفصيل القوانين وتطريزها على قياسات محددة، والتي تذهب في النهاية نحو بيع مصر ومؤسساتها، أعاد نشاط بعض الذين يتفنون في عملية الحياكة، وعاد معهم زمن ظلم الوطن وزيادة عتمته بعد آمال طالت وألسنة وعدت بانفكاك الأزمة.
دفع عملية التنمية
قد يرى البعض أن هناك جهودا تبذل لجذب الاستثمار ودفع عملية التنمية. لكن هذه الجهود وعبر مجرد اطلاع لا يحتاج إلى خبراء، تصب أغلبها في صالح نهب ما تبقى من موارد وثروات. بل يتم تقنين النهب بتشريعات قانونية، ليعود ميزان القوى مرة أخرى إلى ناحية من كانوا يحكمون مصر وأبعدتهم الثورة مؤقتاً.
إذ يمكن بكل بساطة، مراجعة التشريعات الاقتصادية في الفترة الماضية، وكذلك الاطلاع على ملامح مشاريع اللجنة المزمع إقرارها، ليتأكد اليقين. حيث يمكن أن تجد تشريعات الإعفاء الجمركي والضريبي وسلسلة مشاريع قوانين تحت بند ضمانات الاستثمار، ومنها مشروع قانون الاستثمار الموحد الذي تضعه لجنة "تطريز القوانين" بالتشاور مع المستثمرين واللجنة الاقتصادية، تلك اللجنة التي يتزعمها رجل الأعمال فخري عبد النور ورئيس الوزراء الذي ينحاز بفكره إلى مصالح المقاولين.
ولا يفوتنا ههنا، مراجعة ما سبق من قوانين قننت الفساد. كتعديلات قانون المناقصات الذي سمح بإسناد العمليات الاقتصادية بالأمر المباشر دون مزادات أو مناقصات. وكذلك التعديلات التي حصنت الصفقات الاقتصادية المتعلقة بإبرام العقود مع المستثمرين، ذلك التعديل الذي أقر بعد تكرار صدور أحكام قضائية ببطلان بعض عمليات الخصخصة.
هذه التشريعات السابقة صبت في صالح مؤسسات الفساد ورجال الأعمال، وسهلت للحكومة مهمتها بوصفها تلعب دور المقاول الوسيط بين صاحب "العزبة" والمشترين.
لم يختلف الأمر كثيراً فيما يخص معالجة مشكلات ما تبقى من شركات القطاع العام. حيث أعلنت المجموعة الاقتصادية بعد اجتماعها مع "فيلد مارشال" السيسي ملامح برنامج تطوير الشركات ومعالجة مشكلاتها. ولم ينس الوزراء طبعاً، التصريح لوسائل الإعلام بأنه لا نية لبيع الشركات وأن الخصخصة أحد أسباب الثورة.
بينما خطة التطوير نفسها أسندت إلى عدد من بيوت الخبرة الدولية، وسبق ذلك إعلان المجموعة الاقتصادية نيتها في بيع أراضي الشركات تحت مبرر عدم استغلال تلك الأراضي. إضافة إلى سيل التصريحات التي أكدت على أهمية مشاركة القطاع الخاص في إدارة الشركات العامة. كما لم تستبعد المجموعة الاقتصادية خيار بيع الشركات المتعثرة، إلا أنها من باب تخفيف الأثر ورفع العتب قالت "إن ذلك الحل هو خيارها الأخير". وفي ظل التوجهات الحالية والخبرة المريرة السابقة مع حكومات بيع مصر ربما يكون الخيار الأخير هو الخيار الأول.
يمكننا القول إن السياسات الاقتصادية التي تطبق الآن هي تجسيد حي لثورة مضادة لثورة الشعب ومطالبها في الشفافية والتصدي للفساد وإهدار المال العام. وهي تعبير على طبيعة الانحيازات، ورد لا يحتمل الشكوك في أننا محكومون بسلطة تمارس سياسات ما سبقها من حكومات وربما بخطوات أسرع وأكثر عنفاً.
وصل عدد الشركات العامة قبل تصاعد وتيرة الخصخصة في 1991 إلى 314 شركة، وبعد عقدين من سياسة التخسير والبيع في عهد مبارك تبقى نحو 146 شركة .
والآن تبرز توجهات اقتصادية تريد بيع ملكية الشعب بنفس الشعارات التي طرحت مسبقاً "التطوير وإعادة الهيكلة" وكأن مصر مجرد مزرعة لا دولة. يقول المثل "عندما يفلس التاجر يبحث في دفاتره القديمة"، إلا أن هذا المثل الشائع لا يكفي لوصف ما يخطط له. فالتاجر يبحث في دفاتره عن ديون غير محصلة، أما السلطة فتريد بيع مصر. ولعل من سخرية القدر أن يأتيك الآن من يستنكر مطالب العمال، ويعتبر أنهم يريدون أكل مصر. من يريد أكل مصر ومصمصة عظامها؟ الشعب أم سلطة رجال الأعمال؟
(باحث فى الانثروبولوجيا الاجتماعية)
إذ يبدو أن تفصيل القوانين وتطريزها على قياسات محددة، والتي تذهب في النهاية نحو بيع مصر ومؤسساتها، أعاد نشاط بعض الذين يتفنون في عملية الحياكة، وعاد معهم زمن ظلم الوطن وزيادة عتمته بعد آمال طالت وألسنة وعدت بانفكاك الأزمة.
دفع عملية التنمية
قد يرى البعض أن هناك جهودا تبذل لجذب الاستثمار ودفع عملية التنمية. لكن هذه الجهود وعبر مجرد اطلاع لا يحتاج إلى خبراء، تصب أغلبها في صالح نهب ما تبقى من موارد وثروات. بل يتم تقنين النهب بتشريعات قانونية، ليعود ميزان القوى مرة أخرى إلى ناحية من كانوا يحكمون مصر وأبعدتهم الثورة مؤقتاً.
إذ يمكن بكل بساطة، مراجعة التشريعات الاقتصادية في الفترة الماضية، وكذلك الاطلاع على ملامح مشاريع اللجنة المزمع إقرارها، ليتأكد اليقين. حيث يمكن أن تجد تشريعات الإعفاء الجمركي والضريبي وسلسلة مشاريع قوانين تحت بند ضمانات الاستثمار، ومنها مشروع قانون الاستثمار الموحد الذي تضعه لجنة "تطريز القوانين" بالتشاور مع المستثمرين واللجنة الاقتصادية، تلك اللجنة التي يتزعمها رجل الأعمال فخري عبد النور ورئيس الوزراء الذي ينحاز بفكره إلى مصالح المقاولين.
ولا يفوتنا ههنا، مراجعة ما سبق من قوانين قننت الفساد. كتعديلات قانون المناقصات الذي سمح بإسناد العمليات الاقتصادية بالأمر المباشر دون مزادات أو مناقصات. وكذلك التعديلات التي حصنت الصفقات الاقتصادية المتعلقة بإبرام العقود مع المستثمرين، ذلك التعديل الذي أقر بعد تكرار صدور أحكام قضائية ببطلان بعض عمليات الخصخصة.
هذه التشريعات السابقة صبت في صالح مؤسسات الفساد ورجال الأعمال، وسهلت للحكومة مهمتها بوصفها تلعب دور المقاول الوسيط بين صاحب "العزبة" والمشترين.
لم يختلف الأمر كثيراً فيما يخص معالجة مشكلات ما تبقى من شركات القطاع العام. حيث أعلنت المجموعة الاقتصادية بعد اجتماعها مع "فيلد مارشال" السيسي ملامح برنامج تطوير الشركات ومعالجة مشكلاتها. ولم ينس الوزراء طبعاً، التصريح لوسائل الإعلام بأنه لا نية لبيع الشركات وأن الخصخصة أحد أسباب الثورة.
بينما خطة التطوير نفسها أسندت إلى عدد من بيوت الخبرة الدولية، وسبق ذلك إعلان المجموعة الاقتصادية نيتها في بيع أراضي الشركات تحت مبرر عدم استغلال تلك الأراضي. إضافة إلى سيل التصريحات التي أكدت على أهمية مشاركة القطاع الخاص في إدارة الشركات العامة. كما لم تستبعد المجموعة الاقتصادية خيار بيع الشركات المتعثرة، إلا أنها من باب تخفيف الأثر ورفع العتب قالت "إن ذلك الحل هو خيارها الأخير". وفي ظل التوجهات الحالية والخبرة المريرة السابقة مع حكومات بيع مصر ربما يكون الخيار الأخير هو الخيار الأول.
يمكننا القول إن السياسات الاقتصادية التي تطبق الآن هي تجسيد حي لثورة مضادة لثورة الشعب ومطالبها في الشفافية والتصدي للفساد وإهدار المال العام. وهي تعبير على طبيعة الانحيازات، ورد لا يحتمل الشكوك في أننا محكومون بسلطة تمارس سياسات ما سبقها من حكومات وربما بخطوات أسرع وأكثر عنفاً.
وصل عدد الشركات العامة قبل تصاعد وتيرة الخصخصة في 1991 إلى 314 شركة، وبعد عقدين من سياسة التخسير والبيع في عهد مبارك تبقى نحو 146 شركة .
والآن تبرز توجهات اقتصادية تريد بيع ملكية الشعب بنفس الشعارات التي طرحت مسبقاً "التطوير وإعادة الهيكلة" وكأن مصر مجرد مزرعة لا دولة. يقول المثل "عندما يفلس التاجر يبحث في دفاتره القديمة"، إلا أن هذا المثل الشائع لا يكفي لوصف ما يخطط له. فالتاجر يبحث في دفاتره عن ديون غير محصلة، أما السلطة فتريد بيع مصر. ولعل من سخرية القدر أن يأتيك الآن من يستنكر مطالب العمال، ويعتبر أنهم يريدون أكل مصر. من يريد أكل مصر ومصمصة عظامها؟ الشعب أم سلطة رجال الأعمال؟
(باحث فى الانثروبولوجيا الاجتماعية)