في ظل ما تعيشه سورية اليوم، يغدو البحث في الأزمات الثقافية في البلد، عملية معقدة عليها أن تراعي أدق التفاصيل في الأربع سنوات الأخيرة. من ذلك مثلاً، البحث في المسرح وحضوره في سورية اليوم.
تستلزم الإجابة على حال المسرح السوري اليوم عملية بحث مطوّلة لا تستسهل ولا تتسرّع في الوصول إلى إجابات سطحية. على الأقل ليس مثل الإجابات التي انتهى إليها العرض المسرحي "حدث في يوم المسرح"، الذي يستمر حتى الخامس والعشرين من كانون الأول/ ديسمبر الجاري على خشبة "مسرح القباني" في دمشق، وهو من تأليف وليد إخلاصي ودرامتورجيا وإخراج المهند حيدر.
في "حدث في يوم المسرح"، يدخل الشاب عوض (عمر عنتر)، إلى أحد المسارح في دمشق ليهيئ الخشبة لاستقبال حفل رسمي لمناسبة "يوم المسرح العالمي". يُفاجأ عوض بأن هناك فتاة لاجئة تقطن منذ ثلاثة أشهر في غرفة الكونترول في المسرح بعدما شرّدتها الحرب من منزلها، فيسعى إلى إخراجها من المسرح.
يفشل عوض في إخراج زينة (آلاء مصري زادة)، من المكان، فتتطور علاقة المسرحي باللاجئة إلى نوع من الصداقة، وتدور بينهما حوارات حول الشغف بالمسرح وهمومه وأزمته، ويخوض عوض مع ساكنة الخشبة في نقد المؤسسة الرسمية وعلاقتها بالثقافة. وينتقد العلاقات البيروقراطية التي تحكم المؤسسة المسرحية الحكومية في سورية.
ينتهي العرض بمفاجأة غير متوقعة، إذ تأتي الخاتمة مع إلغاء الاحتفال بـ"يوم المسرح العالمي" لأسباب مجهولة، ويخرج عوض من الخشبة تاركاً الفتاة فيه، ومؤتمناً إياها على تمثال "أبو خليل القباني".
تحمل هذه "الحدوتة" المسرحية الكثير من الحالات الإنسانية في هذه العلاقة الاستثنائية بين عامل في المسرح وبين فتاة لاجئة. لكن ما ظهر على الخشبة لم يكن إلا محاولات غير مكتملة لالتماس هذا البعد الإنساني. فإيقاع العرض السريع جدّاً، وعدم وضوح أسباب تطور العلاقة بين عوض وزينة، ساهم في غياب التعاطف والتواصل مع الحالة الإنسانية المقدمة على الخشبة، لا سيما غياب الأسباب وراء تعاطف العامل مع الفتاة.
لم تتجاوز الدرامتورجيا وظائفها الأولية في الإجابة عن معنى ما يقدّم على الخشبة، إذ لم يحمل العرض من آثار الآن/ هنا، إلا عناصر سطحية بقيت غريبة عن نسيج النص الأصلي، تمثّلت بسقوط القذائف قرب المسرح وذكر أن الفتاة لجأت جرّاء الحرب، فظلت بذلك المفاصل المركزية في العرض من دون معالجة درامية عميقة تنتقل بها من زمن كتابة النص إلى زمن العرض الذي بقي يرثي حال المسرح في سورية من دون أن يصل إلى أسباب حقيقية، لعلّ أهمها الوضع السياسي الراهن الذي نأى العرض عنه بكليته وكأن أحداثه تدور ما قبل 2011 (نص إخلاصي كتب في الثمانينيات).
أداء الممثلين من أهم العوامل التي ساهمت في ضبابية الحالة الإنسانية التي يقدمها العرض، إذ يذهب عنتر إلى المبالغة في جلّ أدائه والتهريج والحركة الميكانيكية على المسرح، فيعجز عن تقديم أداء صادق يبثّ في الشخصية حياة. كذلك الحال مع زادة، التي لم تتمكن من مقاربة أداء يعبّر عن المعاناة الإنسانية التي تعيشها الشخصية، لتظهر شخصية الفتاة بعكس تاريخها، فتاة مرحة ضحوكة بالمطلق حتى في دفاعها عن مسكنها الوحيد.
اختار حيدر لعرضه أساليب بريختية لم يكن لها في بنيان العرض أي مبرر درامي؛ فالمخرج لم يُبق على ممثليه حبيسي حيّز العرض، بل وسّع فضاء المسرح ليشمل الممر الجانبي للمقاعد وغرفة الكونترول التي تسكنها الفتاة. ولكن هذا الخيار الإخراجي لم يخلق وعياً بالعملية المسرحية لدى الجمهور أو حالة تفاعلية مع العرض، بل بقي وكأنه بلا هدف يخدم الرؤية الإخراجية للعمل.
من ذلك، تحول "حدث في يوم المسرح" من عرض يسعى إلى الدفاع عن "أبو الفنون" وإدانة المعجبين به من دون فهم، إلى عنصر من العناصر التي تزيد ما تبقى من الجمهور السوري بعداً عن المسرح.