يحدث في الجيش اللبناني

27 يوليو 2014
+ الخط -


لم تكن مؤسسة الجيش اللبناني يوماً محايدة، أو خارج نطاق الصراعات والتجاذبات، أو مؤسسة وطنيةً، يمكن لها أن تقود دفة البلاد حال الاختلاف والتجاذب السياسي. لكن تاريخ هذه المؤسسة، التي انقسمت على نفسها في الحرب اللبنانية، وشاركت في الحرب الأهلية بضراوة، لم يكتب لها أن تبقى مجرد مفرخ للقيادات، لتبوء منصب رئاسة الجمهورية، بل إنها فشلت، حتى الآن، في توحيد لبنان تحت راية مؤسسة واحدة، على الرغم من أن معظم الرؤساء اللبنانيين متحدرون منها، كما في "إسرائيل"!

الجيش اللبنانيّ شهد، أخيراً، ما قد يكون أوّل حالة انشقاق عن المؤسسة العسكرية اللبنانية، على خلفية الانقسام العمودي في لبنان، المتصل بالثورة السورية. وقد نشر حساب لـ"جبهة النصرة"، على موقع "يوتيوب"، تسجيلاً مصوراً للعريف في الجيش اللبناني، عاطف سعد الدين، يعلن فيه انشقاقه عن الجيش. ويظهر في خلفية التسجيل المصور، راية لـ"تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الشام – جبهة النصرة"، وعدداً من بنادق "إم 16" الأميركية مع منظار ليلي، يُعتقد أن سعد الدين أخذها معه من الجيش. والولايات المتحدة هي من زوّدت الجيش اللبناني بهذه المناظير، في إطار دعم "الحفاظ على الاستقرار ومحاربة الإرهاب".

يعرف سعد الدين عن نفسه، في بداية الفيديو، بأنه جندي في اللواء الثامن، ويخدم على الحاجز الفاصل بين بلدتي اللبوة وعرسال (شرق لبنان قرب الحدود مع سورية)، قبل أن يرفع هويته العسكرية، معلناً "الانشقاق عن الجيش اللبناني الموالي للحزب" (في إشارة إلى حزب الله). ويعدد المجند المتحدر من منطقة عكار، الفقيرة في شمالي لبنان، الأسباب التي دفعته للانشقاق، ومن أبرزها انحياز الجيش اللبناني لحزب الله على "حساب أهل السنّة"، كما يقول في الفيديو. وقد نشر سراج الدين زريقات، الناطق الإعلامي ل"كتائب عبد الله عزام"، المحسوبة على تنظيم "القاعدة"، صورة سعد الدين، في تبنٍّ غير مباشر لعملية الانشقاق. ظهر في الفيديو بلباسه العسكري كاملاً وجعبه، وخلفه علم "جبهة النصرة"، مبرزاً هويته العسكرية، وقارن العريف المنشق بين كيفية تعاطي الجيش مع "أهل السنة"، وتعاطيه مع "شباب حزب الله والضاحية الجنوبية"، متجنباً استعمال تعبير "الطائفة الشيعية".

رأى المجند سعد الدين أن "الجيش أداة بيد حزب الله"، متحدثاً عن مضايقات بحق شباب السنة، فيما شباب الحزب يعاملون بأسلوب مختلف بحجة المقاومة. وفند الأسباب التي دفعته إلى الانشقاق، متحدثاً عما أسماها "مضايقات بحق شباب السنة على الحواجز"، ومضايقات بحق المشايخ، مستشهداً بالشيخ أحمد عبد الواحد الذي قتل على حاجز في عكار أخيراً، وحسام الصباغ الذي قبض عليه أخيراً في طرابلس.
العريف المنشق طالب بـ"الصحوة والتفكير بالدين والطائفة"، مكرراً أن "العسكريين والضباط السنة يدركون أن الأوامر تصدر من حزب الله بحجة الإرهاب"، متسائلاً: "من فجر مسجدي التقوى والسلام أليس إرهاباً؟ أحداث عبرا أليست إرهاباً؟ اعتقال المشايخ والشباب أليس إرهاباً؟ أحداث 7 ايار أليست إرهاباً؟ وقتل النواب والوزراء وتفجيرهم أليس إرهابا؟"، متحدثاً عن أهمية القتال في سبيل الله.

الملفت أنه، للمرّة الأولى، يحصل انشقاق في صفوف الجيش اللبناني، ويعلن عنه بالطريقة التي أعلنت في الثورة السورية انشقاق عسكريين وضباط عن الجيش السوري. أما مصادر الجيش اللبناني فاكتفت بإعلان أنها فقدت الاتصال بالعريف سعد الدين، لكنها لم تؤكّد انشقاقه، واعتبرت أنه قد يكون مخطوفاً. وستكون هذه حالة الانشقاق الأولى في الجيش (إذا صحّت)، على الرغم من دعوات متكررة من "جبهة النصرة" والشيخ أحمد الأسير لعناصر الجيش للانشقاق.

انهيار لبنان المكون ديمغرافياً وسياسياً من مناطق وأقاليم ضعيفة التجانس قد يكون محتملاً، لا سيّما مع إعلان مسؤولين لبنانيين عديدين أن ما يواجهه لبنان الحديث يكاد يكون من أخطر التحديات الوجودية له، في ظل الحرب الدائرة في الجوار السوري، وبعده في الجوار الأبعد العراقي، وجنوباً مع تهديدات إسرائيل المتواصلة، وصولاً إلى أزمة النزوح التي حولت البلد إلى بلد نصف سكانه من اللاجئين تقريباً.

انشقاق العسكري اللبناني قد يكون مقدمة لتفتيت الكيان غير المتجانس، والهش أساساً، وربما يدشن مرحلة كبيرة من الانشقاقات في صفوف الجيش الذي يشكل سكان منطقة عكار الفقيرة معظم عناصره، وهو تطور، إن حدث، سوف يعني إلغاء الكيان اللبناني، ودخوله دوامة التفتت المذهبي والطائفي، لا سيّما أن الاحتقان في هذا البلد بلغ أوجه، خصوصاً مع زيادة الانقسامات المذهبية والطائفية في العراق وسورية.

58833448-D554-45B2-8F7D-DCDD63BC35E1
58833448-D554-45B2-8F7D-DCDD63BC35E1
هشام منور (فلسطين)
هشام منور (فلسطين)