يحدث في الجزائر

20 يناير 2019
+ الخط -
ارتبط الاحتفال بيوم يناير هذه السنة، بذكرى الانقلاب على الإرادة الشعبية سنة 1992 في الجزائر، وكأن من اختار تاريخ إعلان استقالة الرئيس الجزائري، الشاذلي بن جديد، عبر التلفزة، في نشرة الثامنة مساء، أراد أن يكون يوم 12 جانفي (يناير/ كانون الثاني)، يوما للاحتفال والبهجة والسرور والعطلة؟
يا له من تشابه بين ذكرى الانقلاب في الجزائر ونحر صدام حسين فجرا يوم عيد الأضحى في العراق. لا تقولوا لي أن ذكرى الانقلاب في الجزائر وتزامنها بالاحتفال بيناير مجرد صدفة، فالذين اختاروا هذا التاريخ وترسيمه يوم ذكرى وفاة هواري بومدين أيضا، وفي ذكرى إعدام عبّان رمضان، لم يكن مصادفة.
وقد تزامن ذكرى الانقلاب في الجزائر مع ما كان يجري في العراق في حرب الخليج وارتباطها بالسعودية، وبما يجري في الشرق الأوسط، ليس مصادفةً أيضا.
لا تقولوا لي إنّ ذهاب قاديي الجبهة افسلامية للإنقاذ، علي بلحاج وعباسي مدني، إلى العربية السعودية ولقاء الملك فهد، وإلى العراق ولقاء صدام حسين أيضا كان مجرد مصادفة. لا تقولوا لي إن عباسي مدني عندما صاح في العاصمة: أين أنت يا مجلس الأمن مجرد مصادفة. لا تقولوا لي إنّ الذين بدأوا التدريبات القتالية، وتحضير قوائم من المتطوعين في ملعب 5 جويلية، بحضور أحد أقارب، خالد الاسلامبولي، للذهاب الى العراق، كان مجرد مثادفة؟ لاتقولوا لي أن ما يحدث في سورية والجزائر ومصر وليبيا مجرد مصادفة.
أراد الانقلابيون بهذا التاريخ الانتقام من هوية الشعب الجزائري، سيما المتعلق بجانبها العربي الإسلامي، ويحاولون سلخها من انتمائها العربي، ووجدوا من يقدم لهم الهدايا، حتى ولو كان تحديد هذا التاريخ قادما من وراء البحار، وحرّر في مكاتب مظلمة.
لقد أرادوا صناعة تأريخ جديد من ذكرى الانقلاب، فلا تحاولوا إقناعنا بأنها مجرّد مصادفة، فالذين اختاروا هذا التاريخ من يناير اليوم، على أي أساس اعتمدوا؟ هل هناك أدلة تاريخية دقيقة تشير إلى هذا الاحتفال في الجزائر؟ بأي طريقة كان؟ أم هو مجرد تقاليد؟ وهل الذين اختاروا هذا التاريخ استشاروا الشعب؟
لا نتنكر لتاريخنا الطويل، ولا إلى تقاليدنا، ولا إلى اللهجات المحلية التي تزخر بها بلادنا، بل نعتز بذلك ونتفاخر بهذا الثراء الثقافي الذي تمتاز به جزائرنا، ويجب تطويره.
ما يبعث الحيرة والأسى هو العبث بالتاريخ الحقيقي الذي يراه الناس بالعين المجردة، واصطناع تاريخ من الأكاذيب، فالذي يعلن أمام الملأ أنه يجهل هويته لا يحق له منطقيا أن يعطي الدروس في التاريخ، أو يتحدث في الأنساب، والذي لا يؤمن بالرئيس الأسبق هواري بومدين وبمشاركته في ثورة التحرير، وهو قائد أركان جيش التحرير، كيف يريدنا أن نؤمن بتاريخ شيشناق، والأساطير، وتاريخ وعادات ما قبل الميلاد؟ محاولة منع الناس من معرفة حقيقة ما جرى في الجزائر من مآسٍ في التسعينيات وماقبلها، والغوص في تاريخ كسيلة وماسيينيسا والكاهنة، سيزيد الجزائريين تشبثا بمعرفة الحقيقة.
ما يمنع الناس من معرفة حقيقة مقتل محمد بوضياف، وعبد القادر حشاني، وعبد القادر علولة، وقاصدي مرباح، وحقيقة ما جرى من مجازر، هو نفسه من جعل تاريخ يناير يرتبط بتاريخ الانقلاب، فليس من المنطق أن يقترن احتفال بمأساة.
الذين اختاروا الاحتفال بيوم الاستقلال في الجزائر اختاروا يوم 5 جويلية، وهو اليوم نفسه الذي احتلت فيه فرنسا الجزائر. فالذين اختاروا تاريخ الاستقلال بهذه المناسبة، أرادوا بذلك إغاظة فرنسا لا سيما وأنها نكلت بالشعب الجزائري، وفعلت به الأفاعيل، فلا تقولوا من فضلكم إن الاحتفال بيناير وذكرى الانقلاب في الجزائر مجرد مصادفة، اللهم إلا إذا كان أصحابه أرادوا إغاظة الأغلبية من الشعب وتصفية الحسابات.
لا تقولوا لي إن لقاء علي هارون بخالد نزار ومجموعة من الجنرالات الذين جاءوا بمحمد بوضياف، أحد مفجري ثورة التحرير من المغرب مجرد مصادفة. لا تقولوا لي إن اغتياله في عنابة مجرد مصادفة.
إذا أردتم أن يأمن الناس تواريخكم، فدعونا أولا أن يعرف الشعب الجزائري حقيقة ما جرى من انقلابات وتصفيات جسدية، وتعالوا معا نجسد مصالحة حقيقية في الجزائر على كل المستويات، بعد بناء دولة المؤسسات، وساعتها نحتفل جميعا بيناير وبعودة الجزائريين المهجرين قسرا في الخارج، إلى الجزائر.
الجزائر التي أؤمن بها هي التي لا فرق فيها بين عربي ولا أمازيغي، إلا بخدمة الجزائر، وليست التي تجعل من منطقة شعب الله المختار ومناطق أخرى من الوطن لا يعرف اسمها إلا وقت إعلان نسبة المشاركة في الانتخابات.
019C4D64-89FE-45B5-8AC1-5DA02BDFB982
019C4D64-89FE-45B5-8AC1-5DA02BDFB982
نورالدين خبابه
كاتب وإعلامي جزائري مقيم في فرنسا، يحلم بمصالحة حقيقية شاملة يتآخى فيها الجزائريون والجزائريات، ثم مصالحة مغاربية، عربية، دولية.
نورالدين خبابه