لا تزال قضية المعتقلين السوريين تراوح مكانها، وما زال أكثر من 300 ألف معتقل ومعتقلة يقبعون في سجون رئيس النظام السوري بشار الأسد، فيما يخرج النظام بين الفينة والأخرى بقوائم يكشف فيها عن معتقلين فارقوا الحياة، بحجة أنّهم توفوا نتيجة أزمات قلبية أو ما شابه. ويحصل ذلك وسط صمت مريب من قبل دول العالم أجمع، وفي ظلّ عمليات تأجيل مستمرة للبحث في هذه المسألة المهمة جداً بالنسبة للشعب السوري المنكوب، اعتقالاً وموتاً وتدميراً وتهجيراً. ورغم الدور الذي تقوم به المعارضة السورية في قضية المعتقلين، إلا أنها دائماً ما تتهم بالتقصير، لا بل وأحياناً بالفشل في إحداث أي تقدّم في هذه القضية. فمن المسؤول فعلاً عن هذا التقصير؟ ولماذا؟ هذا ما حاولنا أن نحصل على إجابة عليه من رئيس "الهيئة الوطنية للدفاع عن المعتقلين"، عضو الهيئة السياسية في "الائتلاف الوطني السوري المعارض"، ياسر الفرحان، الذي تحدّث في مقابلة خاصة مع "العربي الجديد"، بإسهاب، عن هذه القضية، وعن دور الائتلاف في مواصلة تحريكها.
ويقول الفرحان رداً على سؤال حول ما إذا كان هناك فعلاً تقصير في دور المعارضة في قضية المعتقلين في سجون النظام، إنّ "أهالي المعتقلين يعيشون القلق واللوعة بانتظار أحبائهم، ولديهم دوافع محقة في المطالبة بإحراز نتيجة مرضية وملموسة لم تتحقق بعد"، موضحاً أنّ "معرفة أسباب ذلك تستدعي البحث في ثلاث نقاط، هي: تحليل سلوك النظام، عرض مواقف المجتمع الدولي، وتقييم أداء المعارضة". ويضيف الفرحان أن "الاعتقال خارج إطار القانون، والاختفاء القسري، والتعذيب والتصفية، وضروب المعاملة اللاإنسانية كافة، هي أوصاف لسلوكيات متجذرة لدى النظام منذ أن استولى حافظ الأسد على السلطة في سورية. وقد ترسخت هذه الممارسات في أجهزة آل الأسد على مدى نصف قرن، وبطريقة ممنهجة، من خلال تعاطيها مع المعارضة، قبل الثورة وخلالها، وكذلك بطريقة متعمدة كأحد أهم مرتكزاته في الحكم القائمة على نشر الرعب في صفوف الشعب".
ويتابع الفرحان أن "المجتمع الدولي يمضي قدماً في معالجة قضية المعتقلين، ولكن بخطوات بطيئة، انتقل خلالها من التوثيق إلى التحقيق، ومن التحقيق إلى المساءلة، عبر تحريك دعاوى شخصية ضدّ رموز النظام في عدد من محاكم أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، ولهذا أهمية قصوى. لكن طريق العدالة يستغرق وقتاً طويلاً لا بدّ منه، فيما إنقاذ من تبقّى من المعتقلين يستدعي اتخاذ إجراءات عملية عاجلة". ويوضح "قرارات مجلس الأمن الدولي، ابتداءً من 2042 و2043 لعام 2012، وليس انتهاءً بالقرار 2254 لعام 2015، تنصّ جميعها على الإفراج عن المعتقلين، لكنها بقيت حبراً على ورق، بسبب ضعف الإرادة الدولية في مواجهة الفيتو الروسي، أو اتخاذ إجراءات خارج إطار مجلس الأمن، مثل قانون سيزر الأميركي الذي طال انتظار صدروه، وأقره مجلس النواب في الكونغرس للمرة الأولى عام 2016، وصادق عليه مجلس الشيوخ خلال العام الحالي".
ويلفت الفرحان إلى أن "هناك أطرافاً دولية تهمس لحلّ قضية المعتقلين من خلال الاتفاق النهائي على التسوية السياسية، تحت ذريعة استمالة النظام للمفاوضات، بمنحه فرص المشاركة في مخرجاتها؛ الأمر الذي لا يستقيم مع حجم الفضيحة، إذا ما أُطلق سراح المعتقلين، وأُفصح عن مصير المفقودين، وكُشف واقع مراكز الاحتجاز". ويؤكّد: "نحن نعلي صوتنا برفض هذا الاتجاه، ونعتبره غير قانوني لمخالفته القرارات والقوانين الدولية، كما أنه غير إنساني، ففي كل يوم يمرّ، يستمر النظام بتعذيب البشر وتصفيتهم في سجونه، فضلاً عن أنه طرح غير واقعي، لأنّ الشعب السوري لا يقبل به. وهو غير مجدٍ، لأنّ التقارير الصادرة عن اللجنة الدولية المستقلة للتحقيق، وعن المنظمات المستقلة الأخرى، قدّمت ما يكفي من الأدلة التي تثبت تورّط نظام الأسد بارتكاب جرائم حرب وإبادة وجرائم ضدّ الإنسانية في معتقلاته".
أمام ما تقدّم، هل ينحصر التقصير تجاه قضية المعتقلين بـ"الائتلاف الوطني المعارض"، أم يتعداه ليشمل القوى والجهات كافة؟ يجيب الفرحان عن هذا السؤال بالقول إن "الحكم على جهة ما بالتقصير أو عدم التقصير يستلزم تقييماً لأدائها، والتقييم يتطلّب معرفة واقع عملها، الذي عليها أن تكون شفافة بنشره. وهو الأمر الذي يدعو هنا إلى عرض عناوين عمل تراكمي طويل بذلته المعارضة في قضية المعتقلين". ويشير إلى وجود "متلازمتين؛ الأولى هي أنّ النظام لا يتخلى عن سلوكه بالاعتقال والتعذيب والتصفية ليستمر في حكم سورية على أشلاء ودماء أبنائها، فيما تتمثّل الثانية في أنّ الدوافع التي ثار لأجلها الشعب السوري ستبقى مستمرة ما لم تحلّ جذور المشكلة، وهو ما يبقي قضية المعتقلين حيّة". وتأكيداً على دور الائتلاف في هذه القضية، يستذكر الفرحان حادثتين حصلتا في مثل هذه الأيام من عام 2011 "الأولى اعتقال أطفال درعا، التي شكّلت السبب المباشر لاندلاع الثورة من قبل الشعب السوري المعارض لنظام الأسد؛ والثانية اعتصام نفّذ أمام مبنى وزارة الداخلية في المرجة بدمشق، نظمه ناشطون من المعارضة مع أهالي المعتقلين في السجون للمطالبة بالإفراج عنهم". ويوضح أنه "كان من بين المعتصمين وقتها، سهير الأتاسي (العضو المؤسس لاحقاً للائتلاف الوطني السوري)، والتي قام النظام بضربها وسحلها في شوارع دمشق قبل أن يقوم باعتقالها. كما كان بينهم معاذ الخطيب، الرئيس الأول للائتلاف".
ويضيف الفرحان أنه "خلال الجولة الأولى من مفاوضات جنيف عام 2014، نفّذت المعارضة أجراءها الشهير، بتسريب صور المعتقلين عبر الضابط المنشق الذي لقّب بقيصر أو سيزار، وذلك بدعم التيار الوطني السوري، الممثل في الائتلاف، وبالتنسيق مع قيادته. وحظيت قضية المعتقلين خلال جولة المفاوضات هذه، باهتمام وفد الائتلاف، والذي حمل أعضاؤه صور وقوائم المعتقلين للمطالبة بهم". ويتابع رئيس الهيئة الوطنية للدفاع عن المعتقلين: "خلال الجولة الثانية من محادثات جنيف عام 2014، علّقت الهيئة العليا للمفاوضات، برئاسة رياض حجاب وقتها، استمرار مشاركتها على إطلاق سراح المعتقلين إلى جانب فكّ الحصار عن المدن، تنفيذاً للبنود 12، 13 و14 من قرار مجلس الأمن 2254. لكن ومع الأسف، الأطراف الراعية للمفاوضات لم تمارس ضغوطاً كافية على النظام وداعميه لتحقيق النتيجة المرجوة".
وفي سياق تأكيده على دور الائتلاف المعارض وعدم تقصيره في قضية المعتقلين، يشير الفرحان إلى أنّ "رئيس هيئة المفاوضات لقوى الثورة والمعارضة، نصر الحريري، هو معتقل سابق، ذاق التعذيب في سجون النظام، ولا تغيب المطالبة بالمعتقلين عن أي من لقاءاته الدولية. وكذلك أليس مفرج، المكلفة بلجنة المعتقلين في هيئة المفاوضات، هي معتقلة سياسية سابقة". ويشير إلى أنه اجتمعت لجنة المعتقلين في هيئة التفاوض، أخيراً، "مع المبعوث الأممي إلى سورية، غير بيدرسون، وقد تبع الاجتماع مؤتمر صحافي، أعلن خلاله بيدرسون أنّ قضية المعتقلين هي ثانية النقاط الخمس التي يضعها ضمن أولوياته".
ويحيل الفرحان كذلك إلى عمل "الهيئة الوطنية للدفاع عن المعتقلين والمفقودين" التي يترأسها، بالقول إنّ الأخيرة "تشكّلت بقرار من الائتلاف الوطني السوري، وحظيت بدعمه لتعمل بصورة مستقلة فنياً، وتتكامل في دورها مع المنظمات الحقوقية السورية والدولية"، مؤكداً أنّ "الهيئة تعمل بشكل مستمر على ملفات توثيق الانتهاكات في السجون، بالتعاون مع جهات التحقيق المختصة؛ ولها مساهمة فاعلة في قضية سجن حماة التي أثيرت العام الماضي، وذلك عبر تواصلها المبكر وقتها مع الأمم المتحدة، مما حرّك الضغط الدولي لمنع النظام من تنفيذ أحكام إعدام كانت صدرت بحق عدد من السجناء".
ويتابع "كذلك عملت الهيئة مع جهات التحقيق الدولية في قضية إخطارات الوفاة؛ وشاركت أفكارها خلال اجتماعات عدة لمجلس حقوق الإنسان مع ممثلي الدول الأعضاء، وسلمتهم نشراتها بخصوص المعتقلين، مع نشرات حملة (أنقذوا البقية) التي كانت قد أطلقتها. وهي وتعمل في لقاءاتها كافة على إبراز قضية المعتقلين كأولوية للمعارضة والشعب السوري". ويستطرد الفرحان بالقول "كما ساهمت الهيئة الوطنية للدفاع عن المعتقلين، في حركة الضمير الدولية (في فبراير/ شباط الماضي)، لحشد رأي عام شعبي دولي يضغط على الحكومات لإنقاذ المعتقلات من النساء والأطفال في سجون النظام. وما من زيارة أو اجتماع للائتلاف مع الأطراف الدولية يخلو من ورقة تحضرها الهيئة بشأن المعتقلين".
ويلفت الفرحان كذلك إلى "الدور المهم لـ(المعارض السوري) هيثم المالح خلال فترة ترؤسه للجنة القانونية في الائتلاف، التي وثّق خلالها جرائم النظام بحقّ المعتقلين، وأرسل مئات المذكرات القانونية لمجلس الأمن ومؤسسات الأمم المتحدة، كما طالب بتقديم مشاريع قرارات بمواجهة روسيا باعتبارها طرفاً في النزاع، وبهدف منعها من استخدام حق الفيتو. كما طرق ولأكثر من عام، أبواب محكمة الجنايات الدولية للادعاء على النظام، في وقت حال دون ذلك تقييد اختصاص المحكمة بسياسات الدول الأعضاء". ويؤكّد الفرحان أنّ "عمل المالح في حقل حقوق الإنسان، يمتدّ إلى ما قبل الثورة، إذ دفع ثمن مواقفه سنوات من الاعتقال، وخسر لأجل ذلك كل ما يملك".
ويلفت الفرحان إلى أنّ "عمليتي إفراج متزامنتين أنجزتا في الأشهر الماضية. وعلى الرغم من أنهما لا تحققان الصيغة اللازمة لمقاربة القضية، بما يحقق مقتضيات العدالة وينسجم مع القرارات والتفاهمات والمعايير الدولية، إلا أنهما مهمتان بالنسبة إلينا، لتعلقهما بأرواح بشر يتعرضون للتعذيب المستمر ولخطر التصفية في أي لحظة. وفي هذا الوقت بالذات، هناك حاجة لضغط أكبر كي لا تنحرف العدالة عن مسارها، بتهرّب النظام وداعميه من حقيقة أن معتقلينا مدنيون، وعليه إطلاق سراحهم وفتح مراكز السجون السرية والعلنية لديه أمام الصليب الأحمر، وجهات الرقابة الدولية".
وعن نظرتهم في الائتلاف للدور التركي في مسألة المعتقلين، يقول الفرحان إنّ "تركيا حليف استراتيجي للشعب السوري، تدعم مطالبه المشروعة في المحافل الدولية، وتشترك معه في القيم والمصالح. وقد دعم وفدها القضية العادلة للمعتقلين وعمل لأجلها بمواجهة روسيا وإيران لجولات طويلة. كذلك وقف الشعب التركي إلى جانب المعتقلات من النساء والأطفال، واستجاب لدعوة هيئة الإغاثة الإنسانية وحقوق الإنسان والحريات، في المشاركة بحركة الضمير الدولية". ويضيف أنه "استجابت للدعوة أيضاً شخصيات هامة تمثل 55 دولة، اجتمعت في اسطنبول وجنيف ووجهت رسائلها إلى الحكومات للمطالبة بالإفراج عن المعتقلات".
لكن الفرحان يعود ويؤكّد أنه "أمام فظاعات ما يستمر النظام بارتكابه، ومن أجل إنجاز عادل وسريع، نحتاج جهوداً مضاعفة من قبل الجميع لإنقاذ من تبقى، ولوقف قوات الأسد وأجهزته عن تنفيذ حملات اعتقال وتعذيب وتصفية جديدة". وعما إذا كانت هناك خطة اليوم لتحريك قضية المعتقلين السوريين، وما إذا كانت هناك سجلّات موثقة بحوزة الهيئة لأعداد المعتقلين في سجون النظام السوري، يوضح الفرحان "نتكامل في عملنا بتوثيق بيانات المعتقلين مع المنظمات الحقوقية السورية، وبحوزتنا أمانات من أربعة قوائم موثقة ومدققة؛ تضم الأولى 4100 معتقل، والثانية 12700 معتقل، والثالثة 2500 معتقل، مع قائمة خامسة من 53000 معتقل تحتاج إلى تدقيق وتحديث". ويشير إلى أنّ "المحقق الجنائي الرائد (م. ف) (كما عرّف عنه)، يرأس فريق التوثيق والتحقيق لدينا، ويطوّر مهاراته، ليعمل وفق المعايير الدولية. ولدينا في هيئة المعتقلين خطة معلنة تتضمن الأهداف الاستراتيجية والمرحلية وآليات تنفيذها، موزعة في مهام، ومجدولة زمنياً".
اقــرأ أيضاً