يارا صبري.. الصدق الفني على طريقة ستانسلافسكي

26 ابريل 2015
مشهد من مسلسل "وجوه وأماكن " (العربي الجديد)
+ الخط -
تؤدي الفنانة السوريّة يارا صبري في "وقت مستقطع"، شخصية سمر الدكتورة بالقانون الدولي والناشطة في حقوق الإنسان، والتي تعمل مع إحدى وزارات الدولة، كمديرة للشؤون القانونية بصفة خبيرة قانونية. 

تعيش سمر حياة سعيدة مع أسرتها الصغيرة، كثمرة لقصة حب جميلة جمعتها بزوجها، إلاّ أنّ رياح ما حدث في بلادها منذ 15 مارس/آذار 2011 ستهب لتنال من صفو العائلة الصغيرة، وسيرخي الواقع الجديد بظلاله على هذه العائلة، فتتوالى الأحداث عليها كما تتوالى على البلد، لتغيّر وسط ما غيّرته مسار حياة الدكتورة سمر. 

على صعيد المضمون، تبدو يارا كممثلة في "وقت مستقطع" تستكمل ما كانت بدأته، ممثلة وكاتبة وصاحبة مشروع، في "قلوب صغيرة" و"قيود صغيرة" من تقديم دراما مشغولة بهما مجتمعين. أمّا على صعيد أدائها في العمل الجديد، فتوجزه شهادة المخرج السوري هيثم حقي الذي كتب على صفحته الشخصية عبر فايسبوك، عن نجمة حكايته الأولى، "متعة حقيقية، مشاهدة ممثلة على هذه الدرجة العالية من الصدق والتأثير. شكراً يارا لحضورك الأخاذ دائماً في أعمالي منذ خان الحرير إلى اليوم". 

الأداء الصادق والمؤثر، هو سر المهنة، حين يتعلق الأمر بممثلة موهوبة مثل يارا صبري. إنّهما أبجديتها الواضحة التي أكّد ستانسلافسكي على ضرورة أن يمتلكها الفنان/الممثل، ويعزّزها بالقواعد الفنية الثابتة. 

وإذا كان هذا الأخير قد استفاد من تجربته، ممثلاً ومخرجاً وأستاذاً، في وضع نظريته/ المنهج لدراسة فن التمثيل، وطريقة عمل الممثل مع نفسه وعلى الدور، فإنّ يارا صبري كممثلة، وعت هذا المنهج بالطريقة ذاتها، أي بالمعايشة والاستناد إلى الموروث الثقافي الذي اكتسبته وسط عائلة فنية، عمادها اثنان من رواد الدراما السورية ومؤسسيها، الفنانان سليم صبري وثناء دبسي، فضلاً عن زوجها المخرج الأكاديمي والأستاذ المسرحي ماهر صليبي، هذا كله، إضافة إلى اجتهادها وفهمها الخاص لعمل الممثل مع نفسه وعلى دوره، كما تحدث عنه المخرج الروسي.. "يارا باختصار لم تدرس منهج ستانسلافسكي أكاديمياً، لكنها ببساطة فهمته وطبقته كما لم يفهمه ويطبقه دارسو المسرح، وقد قبضت على سره بصدق أداء الممثل فيها، وإرادة الخلق الإبداعية في داخلها".

اعتباره صانع الدهشة، يبدو لي أن الممثل الحقيقي هو ذلك الذي يفاجئك بما لا تتوقعه من أدائه لأدواره التمثيلية... ذلك المعنى يبدو الأشد التصاقاً بتعريف الممثل حين يتعلق الأمر بفنانة مثل يارا صبري.. إذ لطالما جاهدت التنميط الذي حوصرت به، وأثبتت أنّها في كل مرة لديها ما تقوله وتضيفه على طريقتها في الأداء، بل وهي تمتلك القدرة على الانقلاب على ذلك الأداء برمّته، لتعيد بناء صورتها كممثلة في ذهن المشاهد من جديد، وإلا ما معنى أن تكون يارا في الآن ذاته، "زينة" في (خان الحرير)، و"نادية" في (الفصول الأربعة)، و"حميدة" في (الثريا)، و"صبحية" في (بكرا أحلى)، و"أم صالح" في (التغريبة الفلسطينية)، و"سميرة" في (الانتظار) و"هنادي" في (تخت شرقي) و"عايدة" في (جلسات نسائية)!.

حتى في الأدوار التي حاصرتها لفترة طويلة، وتقاطعت جميعها عند نقطة القهر الاجتماعي للمرأة، كانت يارا صبري تبدي ممانعة لها، وتحاول اختراق نمطيتها بإضافات وأدوات تعبير مختلفة، وذلك ضمن منطق الدور وما يحتمله النص. 

التأطير لم يكن قدر يارا صبري. ففي كل مرة، كانت تستطيع الذهاب بأدائها إلى مساحات جديدة لا نتوقعها منها، وتفجر طاقة كامنة فيها لم تكتشف بعد. في العام 2007، اختارها زوجها الفنان ماهر صليبي لتقدم دور البطولة النسائية إلى جانب الفنان محمد حداقي في مسرحية (فوتوكوبي). هذا العرض التراجيكوميدي، كان الأوّل لها منذ أكثر من عشر سنوات على خشبة المسرح، وكان عليها أن تتقاسم مع محمد حداقي النجم المسرحي وقتها، الحوار والتعبير عن دواخل الشخصية وهواجسها.. حينها، كانت شخصية "ليلى" التي أدتها في العرض، امتحاناً لإثبات ذات الممثل فيها ولطاقته الكامنة التي لم تكتشف بعد، امتحان تجاوزته يارا بنجاح، وبشكل جديد من الأداء حمل إلينا روح العرض وحفظ حرارة اللحظة التراجيكوميدية فيه. 

ذلك كان بعض من أداء يارا صبري لا كلّه، فالمزيد من هذه الطاقة الكامنة ظهر سابقاً، وسيظهر لاحقاً في شخصيات تمثيلية قدمتها في التلفزيون، لكنها لا تخرج دفعة واحدة، فلكل مقام تمثيلي مقال من يارا.. ذلك أيضاً كان تعبيراً عن فهمها لمنهج ستانسلافسكي الذي لم تدرسه. 

قلما تشتغل يارا على شخصياتها من الخارج، فالشخصيّة المصنوعة من الماكياج والملابس، لا الأداء الداخلي، هي أضعف ما يلبسه الممثل حين يؤدي شخصيته، وبالتالي لم تتكئ الفنانة صبري في رسم السمات الخارجية الخاصة لشخصياتها، على لازمات حركية ولا صوتية، وكانت تكتفي من هيئة شخصياتها الخارجية فقط، بما يتناسب ومنطقها وسلوكها وبيئتها الاجتماعية سواء من ناحية اللغة، أو الملبس أو الماكياج أو الإكسسوار...وسواها. 
في كل مرة كانت يارا تبدو مأخوذة بالشغل على الدور من الداخل، تتكئ لإبراز عوالمه الخاصة، كما ستانسلافسكي‮ في‮ ‬تجسيد شخصياته، على‮ ‬الجانب الروحي‮ ‬له، لذلك لم يكن غريباً أن تنال جائزة أدونيا كأفضل ممثلة عن دورها في مسلسل التغريبة الفلسطينية، بعد أن استطاعت فرض شخصيتها (زوجة القائد أبو صالح في التغريبة) على قائمة المنافسة، على الرغم من محدودية حضورها النسبي بين شخصيات العمل ومقارنة بحضور الشخصيات الأخرى المرشحة للجائزة ذاتها. والشغل الداخلي على الدور، كان من شأنه أن يخلق عوالم خاصة لشخصيتها "ناديا" في الفصول الأربعة، على الرغم من أنّ يارا قدّمت مفاتيح شخصيتها تلك، للمشاهد انطلاقاً من سماتها الخارجية. 

لم تغلق يارا صبري اليوم الأبواب على طاقتها التمثيلية ولم يزل لديها ما تقوله، لعلّها أغلقت باباً واحداً، هو ذلك الذي حفظت خلفه محبة الناس ومكانتها الفنية.


أقرأ أيضا:
"في ظروف غامضة" رهان جديد للمخرج المثنى صبح
نجوم سوريون دفعوا ثمن مُعارضة النظام: أين هم اليوم؟ 
المساهمون