ونحترف الحنين

11 ابريل 2018
من ذلك الزمن... (Getty)
+ الخط -

حقيبة أطفال صغيرة من التنك، حمراء اللون تتخلّلها رسومات بالأبيض والأصفر... مجموعة من هواتف مع أقراص، بألوان ثلاثة أسود وأخضر ورماديّ... قطعتا نقود معدنيّتان من فئة 25 قرشاً لبنانياً، إصدار عام 1952... مجلّد يجمع أعداداً من مجلّة "بساط الريح" نُشرت في عام 1980... مقلمة بيضاء وخضراء مستطيلة من البلاستيك، كانت رائجة في ثمانينيّات القرن الماضي... 31 طابعاً بريدياً فرنسياً وألمانياً وروسياً بحالة جيّدة، من خمسينيات القرن الماضي... قنديل من النحاس والزجاج المحجّر، من أوائل القرن العشرين...

هذه بعض من معروضات كثيرة يطرحها أصحابها على صفحة خاصة استُحدثت قبل أشهر على موقع "فيسبوك". من خلال تلك الصفحة المحصورة بمجموعة مغلقة، في إمكان المشارك أن يبيع أو يشتري أو يبادل أو يطرح ما يملك في مزادات علنيّة. وتلك العمليّات التجاريّة تخضع كلّها إلى "شروط صارمة"، بالتأكيد.

ربّما لستَ من هواة الجمع، ولا من البارعين في خوض مزادات علنيّة مهما كانت بسيطة، ولا من الذين يجيدون فنون التفاوض التجاريّ، غير أنّك قد تجد لنفسك منفعة أخرى في تلك الصفحة، لا سيّما إذا كنت من محترفي الحنين إلى الماضي. لكلّ قطعة معروضة نوستالجيا خاصة بها، ومن الممكن كذلك أن تحيلك إلى نوستالجيا أخرى.

كثيرون نحن الذين نحترف الحنين. بعضنا يعود إلى الصف الثاني الابتدائيّ، عندما كان ينظر بشيء من "الغيرة" إلى المقلمة التي يملكها عدد كبير من زملائه، والتي رأى والداه أنّها ليست مناسبة بألوانها ورسوماتها، إذ إنّه قد يتلهّى بها عن دروسه، فاشتروا له أخرى جلديّة بنيّة اللون يمكنه تنظيم أقلامه وأدواته الأخرى في داخلها. بعض آخر قد يعود إلى ليلة من ليالي الحرب المظلمة، عندما كانت جدّته تعبّئ الكاز في الخزّان الزجاجيّ للقنديل النحاسيّ، وتضيء غرفة الجلوس.

ونعود إلى ذلك الزمن الذي انقضى، إلى ذكريات كنّا قد طمرناها بقصد أو بغير قصد. مجرّد قطعة نقود معدنيّة قد تنقلنا إلى دكّان الجدّ بولس والحلوى التي اندثرت من الأسواق. مجرّد طابع بريديّ قد يذكّرنا بالألبوم الجلدّي النبيذيّ الذي جمع فيه الوالد طوابع قليلة، والذي كنّا نطّلع عليه خفية.




نبتسم ونحن نستعيد تلك اللحظات. ما زالت هنا، في مكان ما، وإن كنّا قد طمرناها، أو هكذا نظنّ. وما زال ذلك الزمن البعيد قادراً على إثارة غبطة في داخلنا. غبطة حقيقيّة، غير تلك التي نضطرّ إلى تعمّدها في يوميّاتنا المثقلة بـ"هموم الكبار" وبانشغالات لم نخترها في أحيان كثيرة وبشيء من الغمّ والإجهاد. هي غبطة حقيقيّة... ونحترف الحنين.
دلالات
المساهمون