21 ابريل 2018
ولكن الشمس تعود
شيماء أحمد زكي (مصر)
ما أصعب أن تصحو من نومك صباحا، لتجد فراغا من حولك لا يملؤه سواك، لتشعر وقتها أنه لا رغبة لك في الاستيقاظ، وإنما تتمنى أن تحيا العمر بأكمله تحت فراشٍ قد يشعرك بالدفء أكثر من وجودك وحيدا خارجه، لتعاني من ظلام الوحدة القاتلة وبرودتها، لتعاني من دقات الساعة التي لا تتوقف عن الركض، آخذة من عمرك الضائع المزيد والمزيد، لتعاني من حفيف الصوت الهادئ المار من تحت الأبواب أو من ثقوب النوافذ، مشعرة إياك بالفراغ الذي تحياه. لكن قد ينتهى بك المطاف إلى الاستسلام، حيث تجد نفسك مرغما على مواصلة يومك، على الرغم من كل تلك الآلام، فتصحو مواصلا حياتك كما ينبغى لك أن تفعل، متناسيا ما قد تمر به من لحظات الصمت القاتمة في ظل وحدةٍ لا تنتهي، حتى يؤول يومك إلى الانتهاء، فتغفو آملا أن ترى عيناك شمس يوم جديد لن تعيشه منفردا.
هكذا كنت أحيا، بل هكذا وبمعنى أدق كنت أحاول أن أفعل في ظل معيشتى وحيدا لأعاني بمفردي آلام الكبر والمرض، من دون أن أجد من يحمل عني العبء، ولو قليلا أو من يؤنس وحدتي المنبعثة من تلك الجدران الجامدة، حتى وجدت مفتاح السعادة الذي لمع أمامي فجأة من قرص الشمس الغارب، بينما كنت أتناول قدح الشاي بالنعناع كعادتي. فبينما كنت أتأمل غروب الشمس، فإذا برائحة الشاي المعطر بالنعناع من كوبي تجتاحني، مذكرة إيايّ في كل رشفة منها بأجمل ما مرّ عليّ من لحظات مع زوجتى الحبيبة ومع طفلتى الغالية.
ها هي الرشفة الأولى تذكرني بزوجتي الحبيبة التى طالما آنست وحدتى بحديثها الآخاذ الحنون، فكم كنا ننتظر سويا وقت الغروب في هذا المكان، ليأخذنا الحديث طويلا، ونحن نحتسي شرابنا المفضل من الشاي بالنعناع، بينما الشمس تغفو على صفحات النيل الذي نطل عليه من شرفتنا، ويمتد بنا الكلام حتى الليل، متناسين الوقت ومتناسين حتى المكان، لنغفو بعدها قليلا في انتظار غروب آخر للشمس على رائحة الشاي المعطر بالنعناع. وبينما كنت أتناول رشفة أخرى من كوبي تذكرت طفلتى الصغيرة، أجمل من رأت عينيّ، تذكرتها وهى تتعلم المشي هنا، وتذكرتها وهي تبدأ أولى خطواتها هنا، وتذكرتها وهي تركض هنا حاملة شهادتها في الصف الأول فرحة باجتيازها الامتحان محققة أعلى الدرجات.
ومع رشفة أخرى تذكرتها، وهي تنزل مسرعة على درجات السلم، لتلحق بميعاد أولى محاضراتها الجامعية، وتذكرتها وهي تمشي نحوي على استحياء، لتحدثني بشأن شاب أراد أن يتقدم لي طالبا إياها، وتذكرتها وهي تمشي مبتعدة عني فى ثوب زفافها الأبيض كملاك حائر مغطّى بالدموع فرحا بواقعه الجديد حزينا على ترك عشه القديم، وكل من أحبوه. ومع كل رشفة من كوبي، ومع كل عبير منه يغزو داخلي أتذكر المزيد والمزيد من اللحظات الغالية التى لا تنسى، أتذكر كم كانت زوجتي سر السعادة التى أفتقدها منذ رحيلها، وكم كانت ابنتي سر قوتي التي وهنت منذ سفرها.
أتذكر كم أفتقد مشاركة زوجتي لي فى رؤية غروب شمس اليوم كما تعوّدنا، بينما نتناول الشاي الممزوج بعبير النعناع. أتذكر كم أعاني من وحدتي بدونهما. لكن بينما كنت عالقا في بحر الذكريات، وأنا أتأرجح على كرسيّ الهزاز، انتبهت فجأة إلى أن غروب الشمس قد آل، وقد أتى على الليل دون أن أشعر، وهذا ليس ما يحدث في المعتاد.
بينما كنت قد انتهيت تماما من تناول قدح الشاي، نهضت تاركا ورائي سدائل الليل المعطر بعبير الذكريات، شاعرا ولأول مرة بأننى لم أكن بمفردي، بل كنت برفقة زوجتي التى لطالما افتقدت وجودها، وبرفقة ابنتي التي لطالما حلمت برؤيتها من جديد، والربت على كتفيها ولو لمرة كما كنا نفعل فى الأمس، فكم أفتقد ضمها إلى أحضاني الدافئة، متمنيا لها السعادة، داعيا لها بالهناء. لكن من اليوم لن أشعر بالوحدة مجددا، ولن أفتقد عطر زوجتي وركض طفلتي، لأننا سنظل دوما على موعد كل يوم عند غروب الشمس، حيث تجمعنا أغلى الذكريات سويا على عبير كوب من الشاي المعطر بالنعناع، فلن أخلف ميعادي من اليوم مع أحبابي طالما أن الشمس تعود.
هكذا كنت أحيا، بل هكذا وبمعنى أدق كنت أحاول أن أفعل في ظل معيشتى وحيدا لأعاني بمفردي آلام الكبر والمرض، من دون أن أجد من يحمل عني العبء، ولو قليلا أو من يؤنس وحدتي المنبعثة من تلك الجدران الجامدة، حتى وجدت مفتاح السعادة الذي لمع أمامي فجأة من قرص الشمس الغارب، بينما كنت أتناول قدح الشاي بالنعناع كعادتي. فبينما كنت أتأمل غروب الشمس، فإذا برائحة الشاي المعطر بالنعناع من كوبي تجتاحني، مذكرة إيايّ في كل رشفة منها بأجمل ما مرّ عليّ من لحظات مع زوجتى الحبيبة ومع طفلتى الغالية.
ها هي الرشفة الأولى تذكرني بزوجتي الحبيبة التى طالما آنست وحدتى بحديثها الآخاذ الحنون، فكم كنا ننتظر سويا وقت الغروب في هذا المكان، ليأخذنا الحديث طويلا، ونحن نحتسي شرابنا المفضل من الشاي بالنعناع، بينما الشمس تغفو على صفحات النيل الذي نطل عليه من شرفتنا، ويمتد بنا الكلام حتى الليل، متناسين الوقت ومتناسين حتى المكان، لنغفو بعدها قليلا في انتظار غروب آخر للشمس على رائحة الشاي المعطر بالنعناع. وبينما كنت أتناول رشفة أخرى من كوبي تذكرت طفلتى الصغيرة، أجمل من رأت عينيّ، تذكرتها وهى تتعلم المشي هنا، وتذكرتها وهي تبدأ أولى خطواتها هنا، وتذكرتها وهي تركض هنا حاملة شهادتها في الصف الأول فرحة باجتيازها الامتحان محققة أعلى الدرجات.
ومع رشفة أخرى تذكرتها، وهي تنزل مسرعة على درجات السلم، لتلحق بميعاد أولى محاضراتها الجامعية، وتذكرتها وهي تمشي نحوي على استحياء، لتحدثني بشأن شاب أراد أن يتقدم لي طالبا إياها، وتذكرتها وهي تمشي مبتعدة عني فى ثوب زفافها الأبيض كملاك حائر مغطّى بالدموع فرحا بواقعه الجديد حزينا على ترك عشه القديم، وكل من أحبوه. ومع كل رشفة من كوبي، ومع كل عبير منه يغزو داخلي أتذكر المزيد والمزيد من اللحظات الغالية التى لا تنسى، أتذكر كم كانت زوجتي سر السعادة التى أفتقدها منذ رحيلها، وكم كانت ابنتي سر قوتي التي وهنت منذ سفرها.
أتذكر كم أفتقد مشاركة زوجتي لي فى رؤية غروب شمس اليوم كما تعوّدنا، بينما نتناول الشاي الممزوج بعبير النعناع. أتذكر كم أعاني من وحدتي بدونهما. لكن بينما كنت عالقا في بحر الذكريات، وأنا أتأرجح على كرسيّ الهزاز، انتبهت فجأة إلى أن غروب الشمس قد آل، وقد أتى على الليل دون أن أشعر، وهذا ليس ما يحدث في المعتاد.
بينما كنت قد انتهيت تماما من تناول قدح الشاي، نهضت تاركا ورائي سدائل الليل المعطر بعبير الذكريات، شاعرا ولأول مرة بأننى لم أكن بمفردي، بل كنت برفقة زوجتي التى لطالما افتقدت وجودها، وبرفقة ابنتي التي لطالما حلمت برؤيتها من جديد، والربت على كتفيها ولو لمرة كما كنا نفعل فى الأمس، فكم أفتقد ضمها إلى أحضاني الدافئة، متمنيا لها السعادة، داعيا لها بالهناء. لكن من اليوم لن أشعر بالوحدة مجددا، ولن أفتقد عطر زوجتي وركض طفلتي، لأننا سنظل دوما على موعد كل يوم عند غروب الشمس، حيث تجمعنا أغلى الذكريات سويا على عبير كوب من الشاي المعطر بالنعناع، فلن أخلف ميعادي من اليوم مع أحبابي طالما أن الشمس تعود.