بعد أسبوعين من بدء جولته في المنطقة، وصل المبعوث الأممي إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، اليوم الأحد، إلى العاصمة اليمنية صنعاء للقاء ممثلين عن الانقلابيين، على وقع تصعيد عسكري بلغ أوجّه في الـ48 ساعة الماضية من قبل مقاتلات التحالف التي نفذت عشرات الضربات الجوية المكثفة ضد أهداف في منطقة المخا الساحلية، بالتزامن مع زحف قوات الشرعية للسيطرة على المنطقة الساحلية الواقعة غرب محافظة تعز.
وأكدت مصادر يمنية في صنعاء، لـ"العربي الجديد"، أن ولد الشيخ وصل ظهر الأحد للقاء ممثلين عن جماعة "أنصار الله" (الحوثيون) وحزب المؤتمر الذي يترأسه المخلوع علي عبدالله صالح، تتناول بدرجة أساسية التباحث حول سبل استئناف عمل لجنة التنسيق والتهدئة المعنية بالإشراف على اتفاق وقف إطلاق النار، والمتوقع أن يتم الإعلان عن استئنافه في وقت لاحق، إذا ما وافق الانقلابيون على حضور ممثليهم إلى لجنة التهدئة.
وأوضح مصدر قريب من مكتب الأمم المتحدة في صنعاء لـ"العربي الجديد"، طلب عدم ذكر اسمه، أن زيارة ولد الشيخ كانت قد تأجلت أياماً بسبب الشروط التي وضعها الحوثيون وحلفاؤهم، وفي مقدمتها المطالبة بإعادة فتح مطار صنعاء الدولي أمام الرحلات المدنية. بالإضافة إلى شروطهم المتعلقة ببرنامج لقاءات المبعوث الأممي المقررة أن يعقدها بصنعاء، إذ كانوا يطالبون بأن تكون اللقاءات مع الحكومة التي شكلها الحوثيون وحزب صالح أواخر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي كخطوة انقلابية إحادية خارج مسار التسوية الذي ترعاه الأمم المتحدة، ورفض المجتمع الدولي الاعتراف بها.
وكان المبعوث الأممي قد بدأ جولته، منذ أسبوعين، من السعودية، حيث عقد لقاءات مع مسؤولين يمنيين وسعوديين ومع مجموعة سفراء الدول الـ18 المعنية بمتابعة جهود التسوية في اليمن، بما فيها الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن ودول مجلس التعاون الخليجي، وشملت جولته قطر وعُمان ومصر والأردن، بالإضافة إلى زيارة قام بها إلى مدينة عدن الإثنين الماضي، والتقى خلالها بالرئيس عبدربه منصور هادي ومسؤولين حكوميين، قبل أن يعود إلى السعودية مجدداً.
ومن المقرر أن يقدم في الـ25 من الشهر الجاري إفادة إلى جلسة خاصة يعقدها مجلس الأمن حول اليمن، ويستعرض فيها المبعوث الأممي آخر التطورات في البلاد، ونتائج جولته الأخيرة، في المنطقة.
ووفقاً للتصريحات الصادرة عن ولد الشيخ ببيانات متفرقة خلال جولته ومصادر سياسية يمنية، فإن مختلف اللقاءات تتمحور حول سبل استئناف الهدنة، بدءاً من إعادة تفعيل عمل "لجنة التنسيق والتهدئة"، والتي تألفت من ممثلين عن الطرفين ومشرفين أممين، وفقاً لاتفاق العاشر من أبريل/نيسان العام الماضي، في الكويت، ثم تعذرت اجتماعاتها منذ إقرار نقلها إلى السعودية في الـ30 من يونيو/حزيران العام نفسه.
ويسعى المبعوث الأممي إلى إقناع الانقلابيين بإرسال ممثليهم للمشاركة في اجتماع تدريبي في الأردن، يسبق إعادة عملها في مدينة ظهران الجنوب السعودية، وبما من شأنه أن يخلق أجواء داعمة لاستئناف مشاورات الحل السلمي للأزمة في البلاد.
كذلك يُناقش الأزمة الاقتصادية وما يتعلق منها برواتب الموظفين، بعد أن أعلنت الحكومة الشرعية استعدادها لتسليمها وطالبت الحوثيين بتسليم الكشوفات، إلا أنهم ما يزالون يرفضون التجاوب معها.
وجاء وصول المبعوث الأممي إلى صنعاء على وقع تصعيد عسكري، بلغ أوجه خلال الـ48 ساعة الماضية، على الشريط الساحلي لمحافظة تعز، قرب مضيق باب المندب، إذ أفادت مصادر تابعة للحوثيين أن التحالف نفذ أكثر من 100 غارة جوية بأقل من 24 ساعة، وهاجم أهدافاً في مديرية المخا الساحلية، والتي تزحف باتجاهها قوات الشرعية من جهة باب المندب.
وجاء الغارات المكثفة للتحالف بالتزامن مع "هجوم واسع" لقوات الشرعية مسنودة ببوارج ومقاتلات التحالف للتقدم نحو مدينة وميناء المخا، والذي يعد من أقرب الموانئ اليمنية إلى منطقة باب المندب. وتسعى قوات الشرعية للسيطرة على المنطقة، بما من شأنه أن يقلل تهديد الانقلابيين للمناطق التي يسيطر عليها التحالف في باب المندب، في إطار عملية بدأتها قوات الجيش المدعومة من التحالف، منذ أسبوعين، ونجحت في الفترة الماضية بالسيطرة على أغلب مناطق مديرية ذوباب، وهي الأقرب إلى باب المندب.
وشاركت بوارج التحالف بالقصف ضد أهداف مفترضة للحوثيين والقوات الموالية لصالح في السواحل الغربية، إلى جانب الغارات الجوية التي شملت مواقع متفرقة بمحافظة الحديدة، فيما أطلق الحوثيون، عبر تصريح منسوب إلى "القوات البحرية والدفاع الساحلي وخفر الساحلي اليمن"، تحذيراً لبوارج التحالف من استخدام "الممرات الدولية" لقصف ما سموه "أهدافاً مدنية"، وبأن ذلك يهدد الملاحة الدولية في البحر الأحمر. وهو تصريح عكس التصعيد الحاصل للعمليات على الساحل الغربي، فيما يبدو أن قوات الشرعية والتحالف تسعى لاستكمال السيطرة على المناطق القريبة من باب المندب على الأقل، ما لم تتواصل العمليات باتجاه محافظة الحديدة.
كذلك تزامن وصول المبعوث الأممي إلى صنعاء، مع تصعيد عسكري لعمليات التحالف قوات الشرعية في مديرية نِهم شرق صنعاء، والتي شهدت معارك وغارات عنيفة في الأيام الأخيرة، فيما امتدت الضربات الجوية إلى أهداف متفرقة في العاصمة، بعد أن كانت متركزة أغلب الفترة الماضية في ضواحي صنعاء والمناطق القريبة من المواجهات.
وتباينت التصريحات وتفسيرات المتابعين للتصعيد العسكري بين من رأى أنها في إطار الضغط السياسي على طرفي الانقلاب، بما يدفعهما لتقديم تنازلات والتجاوب مع الضغوط الدولية، بالإضافة إلى استكمال أهداف لها أهميتها العسكرية، وتحديداً في المناطق القريبة من باب المندب، فيما تقول مصادر في قوات الشرعية إن التصعيد قد يتواصل الفترة المقبلة مع الانسداد السياسي الحاصل منذ شهور.