صباحاً، أختار دفتر ملاحظات وقلمًا وأبدأ بإخبار نفسي أن العالم لا يستحق. قلت أبدأ، لأنه ليس بتلك السهولة قول العكس: أنتهي. فالحق أنني لم أنم منذ ليال: مذ جئت هذه البلجيكا.
أفكر في ما يجري حولي، وما يجري لي، ثم تومض غمامة سوداء وتختفي.
ولدت لأختفي ـ أستدرك.
ذلك أن قدر البشري في شرطه المُحتّم هو أن يولد مرة واحدة، وألا يولد مرة ثانية للأبد.
كل الولادات لا تعاود الكرة.
كل الولادات تخوننا.
أنهض لأغلي شاياً بينما الصباح في مخيم بروخم يبدو كحالة من الهدوء المخادع. أقول لجدار ما، أبيض الدهان، إن أرقي لو استمر ليومين قادمين، فحتماً سأبدو مثل قاع بئر لا يصله شعاع. أستمع لجاري وهو يسعل، وأعرف: اليوم موعده مع الكومساريا. لقد خرج الآن (الخامسة فجراً)، وها هو يركب دراجته الهوائية ويمضي. سيذهب إلى محطة الباص القريبة، ومن هناك إلى لير، ثم بالقطار إلى بروكسل. إنه معلّق في الهواء كحالنا جميعاً. ربما يكسر البصمة أو يُطرد. ما من خيار ثالث.
أفكر في ولدي المتفوق الذي ركب الدراجة في الثالثة وخرج ليعمل عتالاً في الميناء. أفكر في عمال القطيف من زملائي، وأعود لأستخلص: ما نقوم به في المنفى هو تجميع الخيبات، ثم منحها شكلاً فحسب.