أبصر مولود سياسي جديد النور في تونس، يوم الأربعاء الماضي، مع إعلان محسن مرزوق عن حزب جديد، في ندوة صحافية، مطلقاً عليه اسم "حركة مشروع تونس". أما هدف الحركة الوليدة فهو استعادة ما خسره الحزب الأم "نداء تونس" من قواعد وكوادر ومكانة سياسية مع الحفاظ على خط تمايز أساسي مع النداء، وهو التسيير الديمقراطي للحزب، والتعويل على التشاركية في رسم سياساته، بحسب المؤسسين.
اقرأ أيضاً: بشرى بلحاج أحميدة لـ"العربي الجديد": "نداء تونس" انتهى
عوّل الحزب الجديد على رمزية التواريخ؛ فالإعلان عن النشأة في 2 مارس/ آذار 2016 جاء في التاريخ نفسه لانشقاق الحبيب بورقيبة عن الحزب الحر الدستوري الذي يتزعمه عبد العزيز الثعالبي في العام 1934، ليمثل ذلك محطة مفصلية في تاريخ الحركة الوطنية ونضالها ضد الاستعمار الفرنسي، ثم بناء الدولة الحديثة بعد الاستقلال. إضافة إلى تحديد يوم الإعلان عن التأسيس الفعلي والهيئة التسييرية في 20 مارس/ آذار، في إشارة إلى تاريخ نيل البلاد الاستقلال.
وبحسب ما أعلنه مرزوق خلال الندوة الصحافية، فإن اختيار هذا التاريخ يتضمن إشارة إلى أن الحزب سيكون جامعاً لكل التونسيين على اختلافاتهم ويستمد قوّته من هذا التاريخ، ويعتبر نفسه امتداداً للحركة الوطنية.
وقال مرزوق الذي تم تفويضه منذ انطلاق المشاورات حول المشروع السياسي الجديد منسقاً عاماً له، إنّ المشروع الذي التحقت به كتلة "الحرة"، مفتوح أمام الذين غادروا النداء، وللراغبين أيضاً في الانضمام من مشارب مختلفة، مشيراً إلى أن طلب الحصول على التأشيرة القانونية للحزب، سيودع قبل أيام من 20 مارس/ آذار، في حين سيتم الإعلان خلال هذا التاريخ عن القانون الأساسي والميثاق السياسي.
وألقت التجربة السابقة لقيادات "حركة مشروع تونس" بظلالها على ندوة الإعلان عن انبعاث الحزب، إذ أكد مرزوق أن العديد ممّن كانوا في النداء، وأسسوا معاً "مشروع تونس" يدركون أن السبيل للحفاظ على وحدتهم هو تفادي ارتكاب الأخطاء التي عصفت بالنداء وأدت لتفككه، ولذلك عقد ما سُمي "استشارة وطنية" في مختلف محافظات البلاد، كما نُظمت ورش عمل على الإنترنت شارك فيها ما يفوق المئة وخمسين ألفا، أدلوا برأيهم وتصورهم للحزب الجديد وتموقعه.
وأجمع المتحدثون خلال الندوة من قيادات "المشروع" على ضرورة النأي بحزبهم الوليد عن الشخصنة واختزاله في شخص محسن مرزوق، معتبرين ذلك محاولة لقبر التجربة الجديدة. فيما أضاف مرزوق أن "الممارسة والقيم التي دفعت لتأسيس المشروع في حد ذاتها ترفض اختزاله في شخص واحد، وأنه لا خوف من ذلك طالما ستتوخى قيادات الحزب الطرق الديمقراطية في تسييره".
وبتصفح الأسماء الحاضرة والملتحقة بالمشروع، يتبيّن أن الحزب الوليد على شاكلة فسيفساء مؤلفة من روافد ومشارب سياسية أسست سابقاً "نداء تونس"، الذي انفرط عقده نظراً لعدم قدرة هذه الروافد على التجانس، وتجاوز الاختلافات في ما بينها. وعلّق محسن مرزوق على ذلك، في حديث خاص بـ"العربي الجديد"، قائلاً إن الحزب الوليد يسعى لضمان تعايش هذه الروافد على اختلافها، لذلك تم الاتفاق مع المؤسسين (المتحدّرين من مشارب سياسية وفكرية مختلفة)، على أن تكون الديمقراطية هي الفيصل، وعلى أن يكون الانتخاب هو آلية اختيار القيادات الوحيد، كما رفض اعتماد آلية تعيين ممثلي الحزب في الجهات (المنسقون الجهويون)، ودعا إلى انتظار الانتخابات لاختيارهم، مشيراً إلى تجربة النداء التي قال إن "الحياة السياسية وآليات الديمقراطية داخلها (معدومة)، ما ولّد الخصومات".
وكشف مرزوق لـ"العربي الجديد"، أن مسودة الميثاق السياسي للمنتمين لحزب "مشروع تونس" التي تمت مناقشتها بالجهات وتعديلها وتحويرها، تتضمن إعلان مبادئ الحزب الجديد، وتنكب لجنة منبثقة عنه حالياً لصياغتها، وسيتم الإعلان عنها في العشرين من مارس/ آذار.
وفي هذا السياق، أكد مرزوق أن المهمة العاجلة الآن لحزبه هي إعادة التوازن السياسي في البلاد الذي وصفه بالـ"منخرم"، قائلاً إنه "بداية من شهر سبتمبر/ أيلول وأكتوبر/ تشرين الأول المقبلين سيرى التونسيون أن حركة مشروع تونس قد أعادت التوازن السياسي للبلاد"، مبيناً أنه "ليس من دورنا أن نبني حزباً جديداً الآن، بل دورنا هو تجديد الحياة السياسية في تونس".
ولا ينشغل مؤسسو حزب المشروع حالياً بتموقعهم في الساحة السياسية، بحسب ما قال مرزوق لـ"العربي الجديد"، موضحاً أن مكانه على الخارطة السياسية هو الوسط، فالحزب الجديد يأتي "وسط اليسار"، ووسط اليمين، مع التشديد على أنه ليس حزباً إيديولوجياً.
وفيما يصرّ الحزب الوسطي حديث الولادة، على دعمه للحكومة الحالية وثقته في رئيسها الحبيب الصيد، وعلى أنّ علاقته المستقبلية مع الرباعي الحاكم لن تكون علاقة خصومة، فإنه في الوقت نفسه يشدّد على أنّ هذه العلاقة لن تخلو من النقد. ويستثني من ذلك حركة "النهضة" التي "سيجابهها الحزب ويعارض ممارستها متى كانت تتنافى وقيم الديمقراطية والحداثة". وأعرب مرزوق في حديثه لـ"العربي الجديد"، عن ثقته بأنه مثلما حقق فوزاً على الحركة الإسلامية خلال الاستحقاقين الانتخابيين الماضيين في إطار "نداء تونس"، سيحقق انتصارات أخرى في إطار "مشروع تونس".
ويسعى الحزب الجديد إلى استقطاب وجوه من النظام البورقيبي ونظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. وقد رحب بانضمام الصادق شعبان، أحد وزراء بن علي سابقاً، إلى صفوفه. ويتوقع أن يكون لشعبان دور هام ومرجعي في الحزب. وردا على سؤال لـ"العربي الجديد" حول وجود شعبان في الحزب كطعم لاستقطاب بقية وجوه نظام بن علي، قال شعبان إنه جاء ليساهم في بناء الغد لا لإعادة "الآلة السياسية" لبن علي.
ويحظى الحزب الوليد بكتلة نيابية تقدّر بـ27 نائباً مرشحة للارتفاع، وستمثل خيارات "مشروع تونس" ورؤاه في البرلمان. وأكد النائب مصطفى بن أحمد، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن الكتلة ستشارك في التسيير، ولها ميثاق أخلاقيات تعمل وفقه.
اقرأ أيضاً: محسن مرزوق: سأفوز في الانتخابات البلدية التونسية