ولادات رغم العدوان

29 اغسطس 2014
وتفخر الأمهات الغزيات بفلذات أكبادهنّ (محمد عبد/فرانس برس/Getty)
+ الخط -
لم تتوقع فداء علوان في يومٍ أنها ستقضي أيام حملها الأخيرة كنازحة في مدرسة تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيّين (أونروا) في غزّة، وأنها ستتحمّل العذاب والآلام داخل غرفة يعيش فيها أكثر من خمس عائلات.
وفداء علوان (23 عاماً) عانت من صعوبة التأقلم في قاعات صفوف المدرسة المتسخة والمكتظة بالأطفال والنساء. ولم تجد لنفسها أي فراشٍ تستريح عليه في ظل حاجتها الماسة إلى الراحة قبل الولادة.
ويروي نضال بردع، والد فداء، أنه "منذ وقوع مجزرة الشجاعية ونحن في المدرسة. وابنتي لم تتحمل أيامها الأخيرة في الحمل هنا. هي لم تعرف النوم في معظم الأحيان ولم تجد مكاناً نظيفاً للمكوث أو للاستحمام".
وعندما حان موعد الولادة، لم تقدر عائلتها على تأمين إسعاف أو حتى سيارة عادية لتقلها إلى أقرب مستشفى. فاضطروا إلى المشي على الأقدام باتجاه مستشفى "القدس" القريب. وبعد ساعات من العناء في غرفة العمليات، أنجبت بنتاً كانت تعاني من صعوبة في التنّفس لكن حالها تحسّنت في الحاضنة.
لم تجد العائلة بعد اسماً للبنت. فالظروف التي تمرّ بها، لا تساعد على انتقاء ما هو مناسب. وتقول نجوى بردع والدة فداء إن حالة ابنتها صعبة للغاية منذ اليوم الأول الذي لجأنا فيه إلى المدرسة. وقد تسبّب لها الجو هنا بنزيف داخلي أثناء الولادة. وهي غير قادرة على متابعة العلاج بشكل مناسب، خصوصاً بسبب غياب النظافة. وهو ما يزيد حالتها سوءاً".
من جهتها، منال الغولة (34 عاماً) أم لعشرة أطفال. استقبلت مولودها الحادي عشر بكل أسى وحزن. فهي لم تظن أن مكوثها في ملجأ الإيواء قد يطول، وتنجب طفلها هنا في المدرسة. تقول منال "أخاف في الوقت الحالي على الطفل. فهو لم يحصل على حقنة التلقيح الخاصة بالمواليد الجدد بعد، على الرغم من أنه بلغ أسبوعه الأول". تضيف أن "في الغرفة عائلات كثيرة لا تهتمّ بنظافتها وتعيش بفوضى. وهو ما يهدّد الصغير بالأمراض".
ويحرص الوالد وليد الغولة على توفير الجوّ المناسب لطفله الذي أسماه أسامة، من خلال عزله مع زوجته عن العائلات الأخرى وتوفير له مكان خاص في داخل الغرفة حتى تتمكّن الوالدة من الاعتناء به. ويقول كانت زوجتي تعاني من آلام شديدة قبل الولادة. وكنا في ذلك الحين نعيش في خيمة في ساحة المدرسة، وليس في إحدى القاعات.
 
ويوم الولادة، تعرّض مبنى قريب من المدرسة للقصف. فتوجهنا إلى غرفة المدير نستنجد به، أولاً لأن الخطر اشتدّ وثانياً لتأمين ولادة زوجتي". أما سراء حميدة (24 عاماً)، فتختلف حالها قليلاً عن حالتَي فداء ومنال. فهي تعاني من صعوبة في الحمل، وقد توجّهت في أكثر من مرّة إلى المستشفى ظناً منها أنها ستلد. لكنها لم تفعل بعد.
ويقول باسل حميدة شقيق إسراء إنهم كعائلة غير قادرين "على تحمّل الوضع الذي تمرّ به أختي حالياً، نحن عائلتها. لا نستطيع أن نراها تعاني. فهي غالباً ما تعجز عن التنفس، ولا تأكل ولا تشرب. وكلما شعرت بألم، توجّهنا إلى المشفى سريعاً". وقد أفادت مصادر من وزارة الصحة في غزة بأن عدد المواليد المسجلين لدى الوزارة خلال العدوان، وصل إلى 5120 مولوداً جديداً في غزة. ويلفت مدير قسم الولادة في مجمّع الشفاء الطبي الدكتور حسن اللوح إلى أنهم استقبلوا عدداً كبيراً من الحوامل اللواتي لجأن إلى مراكز الإيواء في المدارس. ويقول إن "العمليات التي خضعت لها هؤلاء الحوامل، كانت بمعظمها صعبة. وقد سجّلت حالات اختناق وآلام شديدة قبل الولادة". ويشدّد اللوح على ضرورة الاهتمام بهذه الحالات بعناية كبيرة بعد الولادة. وحال المستشفيات لا يسمح في الوقت الحالي، بذلك. وإن استمرّ العدوان، فثمّة خطر كبير على المواليد وخطر على صحة الأم كذلك".