ولائم سورية وتحاصصها

07 مايو 2015
+ الخط -
عندما حوّل النظام الثورة السلميّة إلى مسلحة بسبب ممارسة البطش والإرهاب والقتل بحق المتظاهرين السلميين، وقام بالاعتقالات التعسفية والاختطاف والاغتصاب في عام 2011، كان المشهد السياسي والعسكري أقل تعقيداً بكثير مما هو عليه اليوم، إذ لم يكن هناك في الساحة الشعبية والسياسية والعسكرية سوى طرفين: النظام من جهة والمعارضة للنظام. أما اليوم، فإن الصورة غاية في التعقيد بعد أن فتح النظام أبواب سورية المغلقة على مصراعيها لجذب الإرهابيين من كل حدب وصوب من المليشيات التكفيرية والسلفية والشيعية والحرس الثوري الإيراني وحزب الله وداعش وأخواتها.

ولكن رغم كل ذلك، لابد من الحل السياسي في سورية، لأنه في جميع المعارك العسكرية على الأطراف الجلوس على طاولة المفاوضات وإيجاد حل سياسي، ولا بد لهذا الحل من أن يضع الحد لسفك الدماء ودرء مخاطر التهجير والتشريد ووقف حرب التدمير للبيوت والأحياء والبنى التحتية بالبراميل المتفجرة. لكن حلفاء وأصدقاء نظام بشار، وفي مقدمتهم روسيا وإيران، يفهمون "الحل السياسي" كما يفكر النظام، على أنه التفاوض الذي يجب أن تتحكم فيه وفي نتائجه النهائية حرب ترجح فيها الكفة العسكرية لبشار على الكفة العسكرية للمعارضة، وذلك بعد تزويد النظام بالأسلحة الروسية والإيرانية، ويأملون أن تأتي المعارضة إلى مؤتمر جنيف 3 وهي ترفع الراية البيضاء، أو قاب قوسين أو أدنى من رفعها. أما الذين يسمون أنفسهم أصدقاء الشعب السوري، فيفهمون الحل السياسي ولجهة صلته بتسليح المعارضة أو دعمها عسكرياً على أنه الحل الذي يتأتى عن طريق تزويد المعارضة سلاحاً يكفي لمنع بشار وحلفائه من سحقها عسكرياً.

ولكن الشعب السوري سيرفض أي تسوية وحل سياسي في بلاده، إلا من خلال بيان "جنيف1" في 30 يونيو/حزيران 2012، ولا يمكن القبول إلا بالإطاحة بالنظام ومؤسساته الأمنية وخاصة بعد الانتصارات العسكرية في الشمال والجنوب.

بينما المعارضة السياسية والعسكرية تؤمن بالحل السياسي الذي يحقق للشعب السوري الحرية والكرامة والديمقراطية ودولة القانون، وتؤمن بالشراكة الحقيقية في سورية لجميع المكونات السورية من خلال الاعتراف بحق الجميع في الدولة السورية بعيداً عن النظام الأسدي ومؤسساته الأمنية، وأما أي حل يحفظ للنظام بقائه، فلا يمكن للمعارضة أن تقبل به، لأن الهدف الأساسي هو إسقاط النظام وجميع مؤسساته الأمنية والعسكرية، وخاصة بعد الانتصارات التي تحققت على الأرض.

وبالنسبة إلى روسيا، فمن الطبيعي أنها ستحاول الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية في المنطقة من خلال النظام في سورية، وذلك من خلال جميع الجهود العسكرية والسياسية للإبقاء على نظام الأسد، فترسل بين الفينة والأخرى جملة من الرسائل والمناورات التي تغمز وتصرح بأن الإرادة الروسية تؤشر إلى بقاء النظام.

وفي الوقت عينه، فإننا نستطيع تقدير أن تركيا ستحرص على تجنب أي صراع عسكري مع إيران لكل الاعتبارات، على الرغم من أن وقع تلك السياسات أصبح ذا تكلفة لا يستهان بها سياسياً واقتصادياً، ولكن سياسة تركيا تتقاطع مع التوجهات السعودية – الخليجية عامة، لكبح جماح نزعات إيران التوسعية.

بينما، الرياض كانت ومازالت ترغب في إبقاء إيران محاصرة وتحت الضغوط المتنوعة، وخصوصاً أنها تنظر إليها كتهديد استراتيجي لأمنها القومي في محيطها المباشر، وتتطلع إلى إسقاط النظام في سورية باعتباره حجر الدومينو الضروري لإحداث تداعيات استراتيجية في أوضاع خصومها، وتحديداً إيران وباقي عناصر محور المقاومة، وهي في الحد الأدنى لا تريد الخروج من المولد بلا حصة.

أما واشنطن فقد باتت على قناعة بأن لا إمكان لإحداث تغيير في سورية من خلال القوة العسكرية، كما أن هذه الأزمة باتت عصية على التحكم بتداعياتها الإقليمية والدولية، وبالتالي لا بد من إيجاد حل سياسي لها يوائم المصالح الأميركية، وبين هذا كله، يبقى الشعب السوري مستمراً في ثورته ومستكملاً مسيرة التغريبة والتهجير التي فرضت عليه قسراً لمناداته بالحرية.

avata
avata
محمد محمود (سورية)
محمد محمود (سورية)