تقف هذه الزاوية، مع مبدع عربي في أسئلة سريعة حول انشغالاته الإبداعية وجديد إنتاجه وبعض ما يودّ مشاطرته مع قرّائه. "ننتظر ناشراً قوي القلب يُقبل على طباعة كتب الفن التشكيلي"، يقول الناقد والفنان الفلسطيني الأردني في حديثه إلى "العربي الجديد".
■ ما الذي يشغلك هذه الأيام؟
- على الصعيد العام يشغلني ما يمرّ به الوطن العربي من أحداث مؤلمة أكلت الأخضر واليابس والبشر والحجر، والخيرات والثروات، فلم يعد هناك لا تنمية ولا تعليم ولا صحة ولا ديمقراطية ولا حياة كريمة للمواطن. لقد عدنا إلى العصور الوسطى واستثمرت الأنظمة في الثورات لزيادة القبضة الحديد والتنكيل بالناس وتكميم أفواههم، لذلك لن تقوم قائمة لأمتنا إلا بوحدتها وبالديمقراطية وبتجاوز التعامل مع العدو من حيث إعداد العدّة للحرب المفصلية معه، واستثمار مقدرات وطاقات الأمة وتوظيفها في خدمة أبنائها ومشروعها النهضوي من أجل حياة يسودها الأمن والأمان والاستقرار والحرية والرفاهية والعيش الرغد.
أما على الصعيد الخاص، فأعمل على الانتهاء من الكتاب الثالث والذي سيصدر عن دار "هبة موزعون وناشرون" ويتناول سيرة وتجربة الفنان الفلسطيني الراحل عبد الكريم السيد، وسيكون بعنوان "رسام المواويل الملوّنة"، وهو من سلسلة "مكتبة الفنون التشكيلية"، وقد أقام هذا الفنان بكتاباته ودراساته النقدية في الفن مدرسة قائمة بذاتها، أخذت عنه كل صفاته الرائعة، وخصائصه الملهمة وسعة اطلاعه وتواضعه، وشدة تعلقه بالفنون التشكيلية، وإيمانه بالثقافة.
■ ما هو آخر عمل صدر لك وما هو عملك القادم؟
- آخر عمل صدر لي هو كتاب "مهنا الدرة: موسيقار اللون والفرشاة"، الكتاب الثاني من ضمن سلسلة "مكتبة الفنون التشكيلية"، حيث تعتبر تجربته من التّجارب البارزة والرّائدة في ملامحها داخل إطار حركة الفنّ التشّكيليّ الأردنيّ بشكل خاصّ، والعربيّ والعالميّ بشكل عام، فهو صاحب "البداية الذاتيّة الخلاّقة" في إضاءة شعلة فنّ الرّسم والتلوين في الأردن منذ منتصف القرن الماضي حتّى يومنا هذا.
■ هل أنت راض عن إنتاجك ولماذا؟
- ليس تماماً رغم أن الرضا مقرون بالنضج والوعي والمعرفة والثقافة، وهذه المصطلحات متناغمة مع بعضها البعض ومع الوجود، وبما أنني أتمتع ولو نوعاً ما بتلك المصطلحات، أستطيع القول إنني راض عن نفسي بنسبة كبيرة، حيث صدرت لي حتى الآن مجموعة من الكتب الفنية وهي: "وجوه من التشكيل العربي"، و"مآذن الرحمن في مدار الزمان"، و"ثريات اللون.. سماء معتمة: دراسات في الفن التشكيلي العربي"، و"رفيق اللحام رائد التشكيل الأردني"، و"مهنا الدرة: موسيقار اللون والفرشاة".
لكن هناك معوقات في الحياة تحول دون تحقيق الرضا بالكامل وهي النسبة المتبقية، فأنت تريد أن تتوّج هذا الرضا بطباعة إنتاجك، لكن هناك معوقات تحول دون تحقيق رغبتك، فمثلاً عندي مخطوطات كثيرة تنتظر الطباعة، وهذه بحاجة إلى دار نشر يكون قلب صاحبها قوياً حتى يتبنى طباعة هذه الكتب التي لها علاقة بالفن التشكيلي، وعندما تتوجه إلى دار نشر ما سيقول صاحبها لك: إنها مكلفة وتسويقها ليس كما يجب، فمن يغامر في مشروع كهذا؟
■ لو قيض لك البدء من جديد، أي مسار كنت ستختار؟
- حقيقة بعد الثانوية العامة يكون عندك طموح ما، وهذا الطموح مرتبط بإمكاناتك وظروفك الاقتصادية، لذلك ستختار ما هو متناسب مع الإمكانات وهذا بحد ذاته ظلم، فمثلاً كنت أرغب بدراسة الإخراج السينمائي، لأنني كنت مهووساً به؛ وعندما لم أستطع تحقيق هذه الرغبة تحوّلت إلى دراسة الفنون الجميلة، وتخصّصت في الحفر والطباعة ونتيجة لعدم توفر ماكينات الطباعة تحوّلت إلى الرسم والتصميم ثم الكتابة النقدية، لذلك لو قيض لي أن أبدأ من جديد سأختار الكتابة لأنني لا أستطيع التخلص من فكرة أن أكون كاتباً، والكتابة ليس لها علاقة بالدراسة في الجامعات والشهادات، وهي حصيلة ما قرأت وما اطلعت عليه في حياتي.
■ ما هو التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟
- أريد عالماً تسوده العدالة والحرية. عالما دون استعباد واستغلال، وأن يكون هذا العالم وطنا للجميع لا حدود له، ولا طوائف، ولا مذاهب. عالماً خاليا من العسس والعسكر والسجون والحروب، وثرواته وخيراته توزع بعدالة على الجميع من أجل حياة كريمة تعود على التعليم والصحة والاقتصاد والفن والثقافة وكافة نواحي الحياة.
■ شخصية من الماضي تود لقاءها، ولماذا هي بالذات؟
- الفنان والمزوّق يحيى بن محمود الواسطي الذي رسم مقامات الحريري والتي تعود إلى مؤلفها محمد الحريري البصري، وهذه المقامات التي رسمها الواسطي تدور حول ابتزاز المال والحيلة من خلال مغامرات بطلها أبو زيد السروجي التي يرويها الحارث بن همام، وتعتبر المقامات مصدراً مهماً في دراسة ظروف الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية للمجتمع العباسي لفترة ما قبل 1237 م، أي نقل الواسطي من خلال ريشته مظاهر الحياة في المجتمع العربي من عادات وتقاليد وأعراف ومشكلات وصراعات. كنت أود لقاءه لأشد على يده وأقول له أبدعت في تجسيد الواقع العربي والإسلامي، وكم كنت أتمنى أن تكون بيننا لتجسد بريشتك الواقع العربي الحديث المر، كما جسدها الشهيد ناجي العلي بريشته.
■ صديق يخطر على بالك أو كتاب تعود إليه دائماً؟
- الصديق الفنان الراحل مصطفى الحلاج الذي أسّستُ معه ومع الفنان محمود خليلي وعبد الحي مسلم "صالة ناجي العلي" في دمشق. هذا الإنسان الفنان الرائع كان بيته منتدى مفتوحاً للمثقفين وفيه كنا نتحاور في الفن والموسيقى والشعر والسينما والسياسة. لقد كان الراحل موسوعة في الفن والثقافة والأدب والسياسة، وبفقدانه فقدنا ركناً رئيساً من أركان الفن التشكيلي الفلسطيني.
أما الكتاب الذي أعود إليه دائماً فهو "سوار العقيق" للروائي الروسي ألكسندر كوبرين، والكتاب يتضمّن أربع روايات من ضمنها "سوار العقيق" وهي تتحدث عن قصة حزينة لعامل تيليغراف بسيط يقع في غرام زوجة (محافظ) بصورة مؤثرة وبتفان وبلا أمل، وفي النهاية وبعد حديث جاد من قبل الموظف العاشق مع محبوبته التي لا تبادله نفس المشاعر، يختفي من الحياة، حيث أراد كوبرين أن يبرز قوة هذا الحب الكبير الذي "لا يتكرر إلا مرة واحدة كل ألف عام"، فأنهى الرواية بهذه الخاتمة المأساوية. وأراد كوبرين أن يوصل رسالة مفادها إذا كان الموظف البسيط قد مات، فإن موته قد بعث إلى الحياة شخصاً آخر، تلك المرأة التي لم تكن تؤمن بالحب الذي يهزم الموت ويسمو فوقه.
■ ماذا تقرأ الآن؟
- ما بين الفينة والأخرى أعود إلى فنون عصر النهضة (الرنيسانس والباروك والركوكو)، وهذه مجلدات ثلاثة تعود للكاتب ثروت عكاشة وهو يتناول من خلالها الأساليب الفنية بالكلمة والصورة. وبين يديّ الجزء المتخصص بطراز الركوكو الذي استمر في أوروبا خلال الفترة من حوالي 1730 إلى حوالي 1780، ويتميز بالزخارف وهو فن أرستقراطي فيه إفراط في الشغف بالأناقة أسلوباً وموضوعاً.
■ ماذا تسمع الآن وهل تقترح علينا تجربة غنائية أو موسيقية يمكننا أن نشاركك سماعها؟
- أستمع إلى المطرب صالح عبد الحي وهو يغني "ليه يا بنفسج" من أشعار بيرم التونسي وألحان رياض السنباطي، وعبد الحي يعد أحد أهم أساطين فن الدور الغنائي البارعين، الذين أطلوا على جمهورهم في الوطن العربي بصوت رائع، وبأسلوب مميز، وبأداء ساحر، عنوانه الطرب بكل معانيه. ويصف عباس محمود العقاد صوته بأنه: "كالماء العذب، النقي، يأخذ من كل إناء لونه ومن كل وعاء شكله".
بطاقة
فنان تشكيلي وناقد وأكاديمي فلسطيني أردني من مواليد صوريف في الخليل عام 1960. أصدر عدة كتب في النقد التشكيلي، كما أسّس ورأس تحرير مجلتي "التشكيلي العربي" و"براعم الوطن العربي" في الدوحة. أقام عدة معارض شخصية في دمشق وعمّان والدوحة، وشارك في العديد من الندوات والمؤتمرات والورش الفنية، وهو مؤسس ورئيس "ملتقى عمّان التشكيلي العربي"، و"ملتقى عمّان الدولي للغرافيك".