وقفة مع سمير بلكفيف

05 أكتوبر 2017
(سمير بلكفيف)
+ الخط -

تقف هذه الزاوية، مع مبدع عربي في أسئلة سريعة حول انشغالاته الإبداعية وجديد إنتاجه وبعض ما يودّ مشاطرته مع قرّائه. هنا وقفة مع الباحث الجزائري سمير بلكفيف الذي يقول لـ"العربي الجديد": "إذا كان سهلاً تفسير العالم فإنّ من الصعب تغييره".

■ ما الذي يشغلك هذه الأيام؟
- شخصياً أنا منشغل بعالم الأفكار، وحتى الواقع وإن بدا لنا متأزماً، فإن ذلك راجع إلى أفكارنا نحن حوله. إن مسألة التعقيد ذهنية بالدرجة الأولى، لا يوجد تعقيد في الواقع، بقدر ما يوجد واقع نعيشه لكننا لم نفكر فيه بعد. لذلك فإن ما يشغلني طيلة الوقت هو التفكير في كيفية حلحلة مشكلات الواقع، بالاستثمار أكثر في علوم الإنسان والمجتمع. إن فهم الذات هي مقدمة ابستمولوجية ضرورية وأولية، لفهم الواقع والآخر والعالم وأسئلة الوجود.


■ ما هو آخر عمل صدر لك وما هو عملك القادم؟
- آخر عمل صدر لي، كان كتاباً جماعياً يحمل عنوان: "الفلسفات الأنجلو-أميركية.. من تفكيك الواقع إلى إعادة بنائه" (2016). وقد شارك في الكتاب مجموعة من الباحثين والأكاديميين العرب من الجزائر والمغرب وتونس ولبنان والعراق ومصر. أما بالنسبة للعمل القادم، فإنني بصدد مراجعة دراسة فلسفية حول الفيلسوف الألماني كانط، وتأثيرها في الفكر الفلسفي المعاصر.


■ هل أنت راضٍ عن إنتاجك ولماذا؟
- ليس كثيراً، حالة الرضا هي شكل من أشكال السعادة، ولكنها مؤقتة وليست ثابتة ومطلقة. لذلك فالغالب هو ذلك التجاذب من رضا متبوع بعدمه أو العكس. كما أن الإنتاج الفكري لا يمكن أن ينتهي عند كتاب ما أو دراسة معينة. قديماً أكد الفيلسوف اليوناني هراقليطس، أنه لا يمكن للمرء أن يستحم في النهر مرتين، ومفاده أن هناك صيرورة تسري على أحوال الوجود كله، بما في ذلك عالم الأفكار، ولما كانت الكتب شكلاً من أشكال التحقق الفعلي للأفكار، فإن السعادة والرضا تشكل هي الأخرى نهراً يكون الثبات فيه مستحيلاً.


■ لو قيّض لك البدء من جديد، أي مسار كنت ستختار؟
- أعتقد أنه ليس هناك عنوان محدد للنجاح، بقدر ما هنالك مسارات ناجحة وحافلة بالعطاء، والمسار ذاته يمتلئ بالمعنى كلما كان ناجحاً، والعكس صحيح؛ أي لا يسمى أصلاً مساراً إذا كان فاشلاً، والواحد منّا لا يمكن أن يكون ناجحاً بالكيفية نفسها في جميع المسارات، لذلك فإن سؤال المسار هو بكيفية ما سؤال النجاح.


■ ما هو التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟
- إذا كان من السهل تفسير العالم، فإنّ من الصعب تغييره. لذلك فإن الأحداث التي تجري في العالم، وللأسف في معظمها تضرّ بالإنسان وبالطبيعة، كالحروب والأوبئة، ولا يمكن الحدّ منها بطريقة فردية، إذ إن التغيير الإيجابي يجب أن يتحول إلى نسق كوني، تنخرط فيه الحكومات والهيئات العالمية من أجل الدفاع على الإنسان الذي لا تزال تنهشه الحروب ونتائجها الوخيمة، تارة باسم الأيديولوجية، وتارة أخرى باسم الدين، حتى أصبحت السياسة العالمية تطرح في أجندتها مفاهيم جديدة، وغريبة عن تاريخ الإنسان، كالحرب العادلة والغزو المشروع، وكذبة أسلحة الدمار الشامل، ومحاربة الإرهاب. إن التغيير الحقيقي والإيجابي يجب أن تقوده الدول القوية في العالم، وهي التي لها الأسبقية الشرفية والمسؤولية الحقيقية في توجيه العالم نحو السلام الممكن والمرتقب، ولقد كان الفيلسوف الألماني الشهير إيمانويل كانط على حق حينما أثنى على ضرورة بلوغ السلام الأبدي، وشبّه الأمم المتحاربة بشخصين ثملين تعاركا في محل للفخّار، إذ عليهما أن يسدّدا ثمن ما حطماه من أوانٍ، كما عليهما الكثير من الوقت للشفاء من اللكمات والصدمات، لذلك فإن الجهد الإنساني الحقيقي بمختلف تفرعاته العلمية والتقنية والأخلاقية والدينية هو الذي يجب استثماره في خدمة الإنسان ذاته، والحفاظ على الطبيعة والكون، وجعلهما مكسباً للأجيال اللاحقة.


■ ماذا تقرأ الآن؟
- أنا منكبّ على قراءة الفلسفة الألمانية بشخصياتها الفلسفية العظيمة، من كانط وهيغل، وشوبنهاور ونيتشه وصولاً إلى هيدغر وغدمير وهابرماس وآبل وحنّة آرندت. أحاول البحث عن ذاتي من خلال تلك النصوص، والتي لا تلبث أن تتحول إلى نصوص إنسانية/ بين-ذاتية تؤسس لعلاقة الذات بالأغيار، وتفتح إمكانات عديدة لفهم الآخر أو تفهّمه، مثلما هو الحال مع التأويلية عند غدمير. إنها النموذج الذي يقف في وجه النزعة العلموية الصارمة والمتشددة في مناهجها وإقصائها، لتمثل الحقيقة كما لو كانت وجهة نظر. إن الفلسفة الألمانية إجمالاً تحاول فتح طريق متشعب من الداخل، وحافل بالتفرعات، لكنها تعدّ مساراً واحداً ضد الفلسفات التفسيرية والمنطقية، التي قزّمت التأمل الفلسفي وحوّلته إلى ضرب من التفكير في العلاقات الصوريّة.



بطاقة: كاتب وباحث جامعي جزائري (1983)، يحمل شهادة الدكتوراه في الفلسفة من "جامعة قسنطينة"، ويعمل أستاذاً بـ"جامعة الشهيد عباس لغرور- خنشلة" في الجزائر. صدر له: "كانط فيلسوف الكونية" (2011)، و"الابستمولوجيا الرياضية عند كانط.. قراءة نقدية" (2012)، و"التفكير مع كانط ضد كانط" (2014). كما أشرف على تحرير: "الفلسفة الأخلاقية من سؤال المعنى إلى مأزق الإجراء" (2014)، و"الفلسفة الألمانية: الفتوحات النقدية" (2015)، و"الفلسفات الفرنسية جدل التموقع والتوسع" (2015)، و"الفلسفات الأنجلو-أميركية: من تفكيك الواقع إلى إعادة بنائه" (2016).

دلالات
المساهمون