تقف هذه الزاوية مع مبدع عربي في أسئلة سريعة حول انشغالاته الإبداعية وجديد إنتاجه وبعض ما يودّ مشاطرته مع قرّائه.
■ ما الذي يشغلك هذه الأيام؟
يشغلني الحنين إلى مسقط رأسي، فلسطين، وتحديداً نابلس (جبل النار)، التي ولدت فيها، وأخشى أن ينتهي العمر دون أن أتمكن من العودة إليها. أريد أن أنام في بيت أبي وأمي (رحمهما الله)، وأتلمّس الحجرة التي ولدت فيها، وغادرتها وأنا عمري سنة وثلاثة أشهر، وأن آكل من شجرة اللوز وأشرب من عين الماء اللتين لطالما حدثتني عنهما أمي. تقلقني فكرة ألا أفي بوعدي لابني قيس الذي قطعت له عهداً بأن نمشي معاً في شوارع نابلس ورام الله والقدس العتيقة، ونقف متأملين على أسوار عكا، ونستمتع بالشمس على شاطئ حيفا، ونستقل قارباً صغيراً في رحلة بحرية، نصطاد خلالها السمك من بحر يافا.
■ ما هو آخر عمل صدر لك وما هو عملك القادم؟
آخر عمل لي هو مسرحية "ليلة سقوط طيبة"، وقد شاركت فيها في "مهرجان الأردن المسرحي"، وقمت بعرضها أيضاً في مهرجان جرش للثقافة والفنون، بالإضافة لعرضها في أكثر من مدينة أردنية، كما قدمتها في إطار "مسرح المقهى"، وهو مسرح تفاعلي سبق لي وأن قدمته في بداية تجربتي المسرحية مع فرقة "مسرح الرحالة" مطلع التسعينيات، ثم أعدت تقديمه العام الماضي مع الفرقة ذاتها التي ما زالت مستمرة في عملها، وفي مسرح المقهى يتحوّل المتفرج إلى مشارك في الحدث وليس مجرّد متلقٍ له فقط. تتناول أسطورة "أوديب" بشكل معاصر، بعد أن تم تجريدها من الشكل الكلاسيكي الإغريقي، وتطويعها لتلائم إنسان اليوم وتحديداً الإنسان العربي، فالمسرحية تشكك بكل ما نُسب إلى أوديب عن أنه قاتل أبيه وزوج أمه، وتؤكد أن تلك التهمة كانت من تدبير المؤسسة العسكرية بقيادة القائد العسكري "كريون" والمؤسسة الدينية بقيادة الكاهن "تريزياس"، بهدف الإطاحة بأوديب والاستيلاء على ملكه. وقد حاولت إسقاط ذلك على الواقع السياسي العربي الغارق في الفوضى والمؤامرات والحروب بين "الإخوة الأعداء" على طريقة الحرب التي قامت بين أبناء أوديب بعد رحيله والتي يذهب ضحيتها شباب أبرياء بعمر الورد لا ذنب لهم سوتقف هذه الزاوية مع مبدع عربي في أسئلة سريعة حول انشغالاته الإبداعية وجديد إنتاجه وبعض ما يودّ مشاطرته مع قرّائه
■ ما الذي يشغلك هذه الأيام؟
يشغلني الحنين إلى مسقط رأسي، فلسطين، وتحديداً نابلس (جبل النار)، التي ولدت فيها، وأخشى أن ينتهي العمر دون أن أتمكن من العودة إليها. أريد أن أنام في بيت أبي وأمي (رحمهما الله)، وأتلمّس الحجرة التي ولدت فيها، وغادرتها وأنا عمري سنة وثلاثة أشهر، وأن آكل من شجرة اللوز وأشرب من عين الماء اللتين لطالما حدثتني عنهما أمي. تقلقني فكرة ألا أفي بوعدي لابني قيس الذي قطعت له عهداً بأن نمشي معاً في شوارع نابلس ورام الله والقدس العتيقة، ونقف متأملين على أسوار عكا، ونستمتع بالشمس على شاطئ حيفا، ونستقل قارباً صغيراً في رحلة بحرية، نصطاد خلالها السمك من بحر يافا.
■ ما هو آخر عمل صدر لك وما هو عملك القادم؟
آخر عمل لي هو مسرحية "ليلة سقوط طيبة"، وقد شاركت فيها في "مهرجان الأردن المسرحي"، وقمت بعرضها أيضاً في مهرجان جرش للثقافة والفنون، بالإضافة لعرضها في أكثر من مدينة أردنية، كما قدمتها في إطار "مسرح المقهى"، وهو مسرح تفاعلي سبق لي وأن قدمته في بداية تجربتي المسرحية مع فرقة "مسرح الرحالة" مطلع التسعينيات، ثم أعدت تقديمه العام الماضي مع الفرقة ذاتها التي ما زالت مستمرة في عملها، وفي مسرح المقهى يتحوّل المتفرج إلى مشارك في الحدث وليس مجرّد متلقٍ له فقط. تتناول أسطورة "أوديب" بشكل معاصر، بعد أن تم تجريدها من الشكل الكلاسيكي الإغريقي، وتطويعها لتلائم إنسان اليوم وتحديداً الإنسان العربي، فالمسرحية تشكك بكل ما نُسب إلى أوديب عن أنه قاتل أبيه وزوج أمه، وتؤكد أن تلك التهمة كانت من تدبير المؤسسة العسكرية بقيادة القائد العسكري "كريون" والمؤسسة الدينية بقيادة الكاهن "تريزياس"، بهدف الإطاحة بأوديب والاستيلاء على ملكه. وقد حاولت إسقاط ذلك على الواقع السياسي العربي الغارق في الفوضى والمؤامرات والحروب بين "الإخوة الأعداء" على طريقة الحرب التي قامت بين أبناء أوديب بعد رحيله والتي يذهب ضحيتها شباب أبرياء بعمر الورد لا ذنب لهم سوى أنهم لم يفهموا "الطبخ السياسي" الذي يدور من حولهم، كما حدث مع "أنتيغوني" ابنة أوديب. أما عملي القادم فهو مسرحية بعنوان "غنونستان"، انتهيت من كتابتها مؤخراً وسأقوم بإخراجها هذا العام. المسرحية لا تمثّل شكلاً من أشكال الدكتاتورية التقليدية، والتي يجب القضاء عليها، بل هي أعمق من ذلك، إنها تتحدث عن تلك الدكتاتورية القابعة في داخل كل منا، فكل منا مشروع دكتاتور في انتظار أن تسنح له الفرصة للتعبير عن دكتاتوريته.
■ هل أنت راض عن إنتاجك ولماذا؟
راضٍ نسبياً. فقياساً لما يقدم على الساحتين المحلية والعربية، ونظراً إلى الإمكانيات المادية والفرص الإنتاجية المتاحة لإنتاج أعمال مسرحية، وبناءً على الظروف والعقبات التي تواجه المسرحيين الأردنيين والعرب بشكل عام، وحالة الفوضى التي تشهدها المنطقة، والتي تجعلنا في الأردن نقف وسط بركان ملتهب، فمن الشمال سورية الملتهبة، ومن الشرق العراق المنفجر، ومن الغرب فلسطين المغتصبة، ومن الجنوب اليمن غير السعيد، ونحن وسط كل ذلك الجحيم نحاول أن نصنع فناً ونقدم مسرحاً. إذاً نحن نتمتع بإرادة جبارة وخارقة ويجب أن ندخل موسوعة "غينيس". لكن قياساً بما يقدم من مسرح في دول العالم الأخرى التي تعي تماماً أهمية المسرح في بناء الحضارة وتكوين الإنسان وتثقيف الشعوب، فترصد له كل الإمكانيات المادية المتاحة، وتتعامل مع فنانيه على اعتبار أنهم ثروة وطنية يجب حمايتها من أي ضرر، وقياساً أيضاً بتلك البلاد التي تنعم بالأمن والسلام والرفاهية والاستقرار مثل أوروبا وأميركا والصين واليابان، فإنني بالتأكيد غير راضِ، ليس على ما نقدمه من مسرح فقط، بل على ما نحن فيه من تبعية وخوف وجهل وهزيمة وخنوع، فالمهزوم لن ينتج إلا ثقافة مهزومة، ووحدهم الأحرار قادرون على أن ينتجوا ثقافة حقيقية تشعرهم بالرضى.
■ لو قيض لك البدء من جديد، أي مسار كنت ستختار؟
بالتأكيد وبعيداً عن المبالغة والرومانسيات كنت سأختار المسرح مرة أخرى، ليس لأنني أعشق فن الدراما فحسب، فالدراما بالنسبة إلي وسيلة وليست غاية، وسيلة لفهم الحياة وفهم ذاتي وفهم الآخرين من حولي، فمنذ بداياتي الأولى في المسرح أدركت أنه إبحار في النفوس والعقول، وغزو للمجهول داخل السراديب المعتمة والدهاليز المظلمة في الحياة وفي النفس البشرية المليئة بالتناقضات، ومليئة أيضاً بالجواهر والكنوز، ولهذا وجهت دفة سفينتي من البحر إلى المسرح. عندما أنهيت دراسة الثانوية العامة توجهت لدراسة البحرية لكي أصبح قبطاناً كما كنت أحلم وأنا طفل صغير، بهدف اكتشاف عوالم وقارات وجزر جديدة، لكن المشروع لم ينجح واصطدمت سفينتي بصخرة الواقع والإمكانيات، فعدت محبطاً وقررت أن أدرس أي تخصّص متاح، فدرست الاقتصاد على مضض، وفي الجامعة نفسها تعرفت على المسرح فهجرت الاقتصاد ووجهت دفة سفينتي اليه، لأنني شعرت بأنني قد وجدت ضالتي، إنه البحر الذي كنت أبحث عنه، وفيه اكتشفت عوالم وجزرا وقارات لم أكن أعرفها من قبل، اكتشفت ذاتي.. اكتشفت الحياة.
■ ما هو التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟
لا أريد إلا شيئاً واحداً فقط.. أريد عالماً غير هذا العالم.
■ شخصية من الماضي تود لقاءها، ولماذا هي بالذات؟
أود لقاء آدم، لأسأله: هل كانت تفاحة حواء تستحق فعلاً أن يزجّ بنا وسط هذا السجن الكبير الذي اسمه "الحياة"؟ هذا السجن الذي لا مفرّ منه، والذي لا يجيبك عن أي سؤال، والذي من وراء حدوده لم يعد أي إنسان، ليخبرنا: ماذا هناك؟ أو لماذا نحن هنا الآن؟
■ صديق يخطر على بالك أو كتاب تعود إليه دائماً؟
صديقي الذي يخطر على بالي دائماً هو قيس حكيم حرب، فمعه أكون على سجيتي وأشعر بأنني قد وهبت حياةً جديدة، ففي فترة طفولته عدت طفلاً أشاكس وألعب وألهو دون تحفظات، والآن وهو يدخل مرحلة الشباب يؤكد لي أنني لم أغادر هذه المرحلة يوماً ما، فنحن صديقان منفتحان على كل شيء، ويعشقان الفن والحرية والحياة، ولا يكفان عن مطاردة الجمال. أما الكتاب فكثيرة هي الكتب الرائعة، وأعتقد أن كل ما يقرأه الإنسان مهم ومفيد حتى لو كان رديئاً، فالأفكار الرديئة تزيدك ثقة بأفكارك الجميلة، وتؤكد لك أنك تسير في الاتجاه الصحيح، فتهبك طاقة عجيبة لكي تواصل السير دون أن تلتفت إلى الوراء. وإذا كان لا بد من أن أحدد كتاباً معيناً، فأنا أختار رواية "سدهارتا" لـ هيرمان هيسه، فهي أقرب الكتب إلى روحي، لأنها تلخص رحلة البحث الطويل للإنسان عن الجواب المطلق، وسبق لي أن قمت بمسرحتها، وقدمتها في عمل بعنوان "نيرفانا"، والذي يعتبر أقرب الأعمال المسرحية إلى قلبي وعقلي.
■ ماذا تقرأ الآن؟
أقرأ كتاب "سلسلة الأساطير السورية.. ديانات الشرق الأوسط"، ألّفه عدد من الكتّاب حاولوا من خلاله جمع الأعمال الكبرى في المجال الفكري عن الحضارات القديمة لبلاد ما بين النهرين وكنعان. ويضمّ الكتاب بين دفتيه ثلاثة فصول تتحدث عن سلسلة من الأساطير الدينية السورية، حيث يتضمّن الفصل الأول الحديث عن أوائل الفكر الديني البابلي، ويبين نظرة السوري القديم إلى الكون والحياة، أما الفصل الثاني فيتحدث عن ملحمة "جلجامش"، الملحمة الخالدة في الحياة، والتي تضاهي بعظمتها ما أبدعه هوميروس، والفصل الثالث يتحدث عن اكتشاف مدينة أوغاريت الكنعانية، ويتضمّن أسماء الآلهة الكنعانية والنصوص الدينية مع ذكر علاقاتها بالتوراة.
■ ماذا تسمع الآن وهل تقترح علينا تجربة غنائية أو موسيقية يمكننا أن نشاركك سماعها؟
أستمع إلى كل شيء، حسب المكان والزمان وحسب ما تمليه عليَ الحالة النفسية والمزاجية، ولا أتحيّز إلى لون دون الآخر، بل على العكس فأنا أعطي كل شيء حقه حتى الثمالة، فأنا معني بتذوق كل الألوان الموسيقية، فما أستمع إليه من كلاسيكيات سيمفونية وموسيقى درامية تصويرية في المسرح، يختلف عما أستمع إليه من فيروزيات صباحية، أو كلثوميات مسائية، أو تجليات طارق الناصر وعمر خيرت ومارسيل خليفة، وروحانيات بشار زرقان وأغاني المتصوفين، وتحليق غادة شبير وريم البنا وكاميليا جبران وسناء موسى وسحر موسيقى ياني وأغاني الفلكلور الفلسطيني التي تلخص التراجيديا الفلسطينية على مدى سنين طويلة تمتد منذ الاستعمار التركي وحتى الآن. ومع ذلك لا شيء يضاهي عندي موسيقى الكون والطبيعة؛ صوت تكسر الأمواج على الشاطئ، أصوات النوارس، غناء الصيادين، نداءات البحارة، صوت البواخر وهي ترحل مختفية في الظلام، وصوت تساقط المطر على سطح منزلي وأنا أغرق في قراءة مسرحية أو رواية أو قصيدة ما، ثم يبدأ الفجر بالتنفس رويداً رويداً مع صياح الديك، فتدب الحياة في كل شيء، مع أصوات الأطفال الذاهبين إلى مدارسهم، ويعزف الكون موسيقى الوجود.
بطاقة
حكيم حرب، مخرج وممثل وكاتب مسرحي من مواليد قريوت/ نابلس عام 1966، حاصل على شهادة البكالوريوس في الإخراج والتمثيل المسرحي من "جامعة اليرموك" في الأردن عام 1988. له العديد من الأعمال المسرحية؛ منها: "المتمردة والأراجوز"، و"هاملت يصلب من جديد"، و"ليلة سقوط طيبة" (الصورة)، و"مأساة المهلهل". إلى جانب مبادرات مسرحية مثل: مسرح المقهى، والمختبر المسرحي الجوال، ومسرح السجون.