وقفة مع جبور الدويهي

01 مارس 2018
(جبور الدويهي)
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع مبدع عربي في أسئلة سريعة حول انشغالاته الإبداعية وجديد إنتاجه وبعض ما يودّ مشاطرته مع متابعيه. هنا وقفة مع الروائي اللبناني جبّور الدويهي.


■ ما الذي يشغلك هذه الأيام؟
- كتابة الرواية كمان وكمان... كأني لم أعد أحسن صنعة سواها منذ تقاعدت من التعليم الجامعي. مصائر وحكايات وعبارات تنتابني باستمرار ولي شكوك بأنها تتفاعل في عقلي الباطني أو خلال النوم. أنشغل أيضاً بشكل متقطّع بفكرة عجز اللبنانيين عن أن يوصلوا إلى السلطة أناساً مستقيمين يملكون تصوّراً ما لبلدهم ولا يطوعون المال العام لجيوبهم وأزلامهم، ويبدو أن الحكاية قديمة قدم لبنان الحديث، فالأجدى الانكفاء على مواضيع أكثر فاعلية.


■ ما هو آخر عمل صدر لك وما هو عملك المقبل؟
- آخر رواية صدرت لي كانت بعنوان "طُبع في بيروت"، حاولت فيها ترك العنان لمخيلتي الكتابية خارج التصوير الروائي للواقع اللبناني ونزاعاته الجماعاتية ومواجهاته الأهلية واستوحيت عنوانها من قول غير مؤكد مفاده بأن القاهرة تكتب وبيروت تطبع وبغداد تقرأ، ولعل البطلة الفعلية فيها هي مطبعة تأسّست في عام 1918 تختزن تاريخ قرن من مدينة بيروت وحرفة الطباعة وهمّ الكتابة والمرأة. أما عملي المقبل فلم أجد له عنواناً بعد، وهذا ما يحدث معي غالباً لكنه أيضاً رواية، وأنا لا أميل إلى ممارسة أكثر من نوع أدبي واحد، رواية ما زلت في نصفها الأول كما أقدّر ولا أعرف كيف ألخّصها كما لم أعرف قبلاً الكلام عن أي من رواياتي السابقة.


■ هل أنت راضٍ عن إنتاجك ولماذا؟
- عندما يأخذ الإنسان الوقت الكافي، سنتين لا بل ثلاثاً وأربعاً لإتمام رواية، وعندما يُعيد ويعيد الجمل والمقاطع التي تتكوّن منها عشرات المرات فمن أين له الحقّ أن يقول إنه ليس راضياً، ومن مثلي بدأ الكتابة والنشر في سنّ متقدمة، في الأربعينيات من العمر، لا يندم على نصوص من عمر الشباب لأني لم أكتبها فأنا بدأت ناضجاً إن أمكن القول.


■ لو قُيّض لك البدء من جديد، أي مسار كنت ستختار؟
- في الأساس وخلال الصفوف الثانوية كنت أتوق إلى سلوك درب السينما والتخصّص في الإخراج، كنت أحلم بالجلوس على كرسي فرديريكو فلليني أو إنغمار برغمان، لكن الاحتمال كان صعباً لظروف مادية لا تسمح فانكفأت على دراسة الأدب الفرنسي، وربما يكون الأدب هو الأقرب إلى السينما، فكان خير تعزية أغرقتني في عالم فسيح من الخيال وقربتني من هواية الكتابة بشكل واضح. أما لو قيّض لي أن أبدأ من جديد، فأعطني أن أبدأ من جديد وسأتدبر أمر مساري.


■ ما هو التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟
- لا أعتقد أني ما زلت أريد التغيير في العالم، فما يتسارع أمامنا من أحداث ومؤشرات لا يوحي إطلاقاً بأننا نتقدم، بأن نزعة البشر للسعادة والألفة هي التي ستنتصر، ما يعيدني، مثل غيري ممن آمنوا بغد أفضل، إلى مقولة التاريخ يمشي إلى الأمام، وهي لم تعد مؤكدة بل هناك كما هو واضح للعيان تقهقر في مجالات كثيرة كاستشراء العنف والعبث بحقوق الإنسان وتصاعد الشعبوية وخراب البيئة، فلعلنا نوقف الدمار إن أقلعنا عن التغيير. هذا كله في الوقت نفسه تمويه على موقف روائي وأزعم أن الروائي يكون عادة محافظاً، يفضل العالم كما هو وليس كما سيكون يوماً.


■ شخصية من الماضي تود لقاءها، ولماذا هي بالذات؟
- جدّ والدي، كي أسأله لماذا قرّر يوماً في آخر القرن التاسع عشر أن يترك زوجته وابنه ويغادر إلى حيث لم يعد يجده أحد، كأن الدنيا ابتلعته، وأودّ أيضاً الوقوف خلف كارافاجيو لأرى كيف يرسم هذه الظلال والأنوار والوجوه والنفوس، رسمها في القرن السادس عشر وما تزال حتى اليوم من خوارق الرسم واللون.


■ صديق يخطر على بالك أو كتاب تعود إليه دائماً؟
- أصدقائي موجودون بقربي، أما الكتاب الذي ربما أعود إليه أكثر من غيره فهو "البحث عن الزمن الضائع" لمارسيل بروست، كتاب أينما بدأت بالقراءة فيه تجد نفسك محمولاً بسحر اللغة والمشاعر والذكاء وهندسة عالم الذاكرة والأمكنة والنساء، وأنا لم أقرأه بشكل متصل بل أمسك جزءاً وأسرح فيه وهكذا قرأته كله على ما أعتقد، وهو يبلغ 4215 صفحة، بهذه الطريقة العشوائية.


■ ماذا تقرأ الآن؟
- رواية جديدة سميكة أيضاً، أكثر من ألف صفحة، لبول أوستر، عنوانها "1234"، تحكي عن احتمالات العيش في نيويورك وأنا مقيم في بلدة لبنانية صغيرة...


■ ماذا تسمع الآن وهل تقترح علينا تجربة غنائية أو موسيقية يمكننا أن نشاركك سماعها؟
- جان - سيبستيان باخ وهو ليس بحاجة إلى دعاية مني.


بطاقة: ولد جبور الدويهي في بلدة زغرتا بشمال لبنان عام 1949، أوّل إصداراته كان مجموعة قصصية بعنوان "الموت بين الأهل نعاس" (1990)، ثم صدرت أولى رواياته "اعتدال الخريف" (1995). وفي عام 1998، أصدر رواية "ريّا النهر"، و"عين وردة" (2002)، ثم "مطر حزيران" (2006) ، وفي عام 2010 أصدر "شريد المنازل"، ثم "طبع في بيروت" التي صدرت عام 2016. كما أصدر قصة للأطفال بالفرنسية بعنوان "روح الغابة" (2001).