28 سبتمبر 2016
وعد كاميرون ووعيد اليمين المتطرف
شهرزاد بن جدو (تونس)
خاض رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، مغامرة لم يحسب عواقبها. وعد البريطانيين باستفتاء، ظناً منه أن نتائجه ستكون لصالحه. خال حينها أن البريطانيين لن يقرّروا الانفصال عن الاتحاد البريطاني. مغامرة فرضها في الحقيقة سعيه إلى احتواء اليمين المتشدد داخل حزبه قبل انتخابات عام 2015. ولأنه ليس في عالم عربي تنسى فيه الوعود الانتخابية بوصول صاحبها إلى الحكم، كان كاميرون مجبراً على الوفاء بوعده. لم يكن لديه خيار آخر غير الالتزام بما وعد به في دولةٍ تعد نموذجا للديمقراطية، واحترام قرارات الشعوبوإراداتها، إلا أن نتائج المغامرة غير المحمودة العواقب، جعلت كاميرون يتوج، في نهاية المطاف، بلقب ''أسوأ رئيس وزراء منذ مئات السنين''، مثلما وصفته صحيفة الإندبندنت البريطانية.
قال البريطانيون كلمتهم الفصل: الخروج من الاتحاد الأوروبي، والطلاق بين لندن وبروكسل. وفي الحقيقة، منذ البدء كان الزواج مبنياً على شروط، فبريطانيا حافظت على عملتها 'الجنيه الإسترليني، ولم تستبدلها باليورو كما فعل الألمان حين تخلوا عن المارك عام 2002، كما أنها رفضت الانضمام إلى منطقة الشنغن التي يسمح فيها الحركة من دون جواز سفر داخل معظم دول الاتحاد الأوروبي. كان يوما حزينا على أوروبا، مثلما وصفه وزير الخارجية الألماني. وبقطع النظر عن الاقتصاد وأرقامه، فإن تصويت البريطانيين مع خروج بريطانيا سيكون له ما بعده على المستويين، السياسي والاستراتيجي.
الكل خائف الآن من انفراط العقد الأوروبي، فأوروبا التي طالما تباهت بوحدتها التي مضى أكثر من خمسين عاما على تحقيقها، باتت اليوم تخشى الانفصال والفرقة والتفكك. باتت هذه الخشية واضحة في تصريحات وزير الخارجية الألمانية الذي دعا إلى ''الحفاظ على تماسك أوروبا''، فقرار البريطانين ''سيضع أوروبا في مواجهة اختبار خطير''، على حد تعبير الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولالند.
مرت أوروبا خلال السنوات الأخيرة بعدد من الاختبارات والأزمات الخارجية التي لم تكن طرفا أساسيا فيها، في أحيان عديدة، فلقد وجدت نفسها سنة 2008 في مواجهة الأزمة الاقتصادية العالمية التي كانت الولايات المتحدة سببا فيها، وشارفت اليونان على الإفلاس، فسارع القادة الأوروبيون لإيجاد مخارج للأزمة. توالت الأزمات وتوالدت، لتستفيق أوروبا على طوابير من ملايين اللاجئين الفارّين من الموت، احتارت في تقسيمهم على دول الاتحاد، وازدادت الحيرة مع إعراب كل طرف عن عدم استعداده لقبول مزيد من اللاجئين. ظلت أوروبا تتخبط، لتستفيق مجدداً على هجمات إرهابية ضربت فرنسا وبلجيكا، وزادت أزمتها حين عرفت أن المهاجمين هم أبناء الجمهورية الخامسة ممن يحملون جواز سفر فرنسي، ودرسوا وتربوا في باريس وبروكسل وضواحيها. حار الساسة والاقتصاديون، وحتى علماء الاجتماع، ولاشك أن انفصال بريطانيا سيزيد من حيرتهم.
ساهم تعدّد الأزمات التي تشهدها أوروبا في نمو اليمين المتطرّف وتصاعده، فلقد استغل الأخير الأحداث الأخيرة، فحشد الحجج والحيثيات لتمرير خطاباته العنصرية الداعية إلى الكراهية ونبذ الآخر. لا غرابة، مثلا، أن تكتب زعيمة اليمين المتطرف في فرنسا، مارلين لوبان، القيادية في الجبهة الوطنية لأقصى اليمين، على حسابها على "تويتر" ''حان الوقت لإجراء استفتاء في فرنسا وغيرها من دول أوروبا''، فالدعوات إلى الحفاظ على سيادة كل دولة سيكون ربما موضوع الحملات الإنتخابية المقبلة في أوروبا.
وعلى الرغم من هوان حجج المنادين بمسألة السيادة الوطنية، نظرا لأننا في عالمٍ تحكمه التكتلات الاقتصادية والسياسية (مجموعة الثماني، مجموعة العشرين، مجموعة البريكس، مؤتمر دافوس)، والتي يصبح فيها الحديث عن مسألة السيادة الوطنية واستقلالية القرار الوطني أمراً طوباوياً غير معمول به على أرض الواقع، إلا أن مسألة انفصال بريطانيا، وتعدّد الهجمات الإرهابية، وارتفاع أعداد اللاجئين في أوروبا، سيقدّم لليمين المتطرف حججاً يرتكز عليها لإقناع الناخبين.
وبغض النظر عن انعكاسات قرار البريطانيين على تفكّك أوروبا من عدمه في المستقبل، فقد برهن هذا الاستفتاء أن الشعب البريطاني لم يعد يرغب في الانفتاح الذي حققته العولمة، بل اختار التقوقع على الذات، ففقراء بريطانيا مثلا صرحوا أنهم لا يريدون السوق الأوروبية المشتركة التي كلفتهم استقبال آلاف المهاجرين القادمين من دول أوروبا الشرقية، ما يجعل العولمة، مرة أخرى، موضع تساؤل، خصوصاً وأنها، في الفترة الأخيرة، باتت أسواقها مفتوحة، لا للسلع فحسب، بل للإرهاب كذلك. ربما ضاق بعضهم بالقرية الكونية التي بات الرصاص والانفجارات والفارون والمهاجرون في كل أزقتها، وسيراجع ربما المشككون في فاعلية التيارات المناهضة للعولمة حساباتهم.
سيعمل القادة الأوروبيون حتماً على ترميم الصرح الأوروبي، حتى لا يتداعى إلى السقوط. لن يسمحوا للوحدة التي بنوا بذرتها الأولى في روما عقب الحرب العالمية الثانية أن تتفكّك، سيعملون على الحفاظ على وحدة الدول السبع والعشرين المتبقية، وسيفكرون ربما في ضم دول أخرى كي يحافظ الاتحاد على بقائه وتمدّده. ربما ستكون تركيا، ذات الاقتصاد القوي، وإحدى دول مجموعة العشرين الكبار، المستفيد في المستقبل.
ربما أخطأ البريطانيون، وسيكلفون بريطانيا والعالم أجمع نتيجة تصويتهم، لكنهم حتما قدموا للعالم درساً جديداً في الديموقراطية، حيث يلتزم الحاكم بوعوده، ويتنحى طواعية، في الوقت الذي يتفنن فيه حاكم عربي في قتل وتشريد شعبه منذ ست سنوات، رافضا التخلي عن منصبه الذي ورثه عن أبيه.
قال البريطانيون كلمتهم الفصل: الخروج من الاتحاد الأوروبي، والطلاق بين لندن وبروكسل. وفي الحقيقة، منذ البدء كان الزواج مبنياً على شروط، فبريطانيا حافظت على عملتها 'الجنيه الإسترليني، ولم تستبدلها باليورو كما فعل الألمان حين تخلوا عن المارك عام 2002، كما أنها رفضت الانضمام إلى منطقة الشنغن التي يسمح فيها الحركة من دون جواز سفر داخل معظم دول الاتحاد الأوروبي. كان يوما حزينا على أوروبا، مثلما وصفه وزير الخارجية الألماني. وبقطع النظر عن الاقتصاد وأرقامه، فإن تصويت البريطانيين مع خروج بريطانيا سيكون له ما بعده على المستويين، السياسي والاستراتيجي.
الكل خائف الآن من انفراط العقد الأوروبي، فأوروبا التي طالما تباهت بوحدتها التي مضى أكثر من خمسين عاما على تحقيقها، باتت اليوم تخشى الانفصال والفرقة والتفكك. باتت هذه الخشية واضحة في تصريحات وزير الخارجية الألمانية الذي دعا إلى ''الحفاظ على تماسك أوروبا''، فقرار البريطانين ''سيضع أوروبا في مواجهة اختبار خطير''، على حد تعبير الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولالند.
مرت أوروبا خلال السنوات الأخيرة بعدد من الاختبارات والأزمات الخارجية التي لم تكن طرفا أساسيا فيها، في أحيان عديدة، فلقد وجدت نفسها سنة 2008 في مواجهة الأزمة الاقتصادية العالمية التي كانت الولايات المتحدة سببا فيها، وشارفت اليونان على الإفلاس، فسارع القادة الأوروبيون لإيجاد مخارج للأزمة. توالت الأزمات وتوالدت، لتستفيق أوروبا على طوابير من ملايين اللاجئين الفارّين من الموت، احتارت في تقسيمهم على دول الاتحاد، وازدادت الحيرة مع إعراب كل طرف عن عدم استعداده لقبول مزيد من اللاجئين. ظلت أوروبا تتخبط، لتستفيق مجدداً على هجمات إرهابية ضربت فرنسا وبلجيكا، وزادت أزمتها حين عرفت أن المهاجمين هم أبناء الجمهورية الخامسة ممن يحملون جواز سفر فرنسي، ودرسوا وتربوا في باريس وبروكسل وضواحيها. حار الساسة والاقتصاديون، وحتى علماء الاجتماع، ولاشك أن انفصال بريطانيا سيزيد من حيرتهم.
ساهم تعدّد الأزمات التي تشهدها أوروبا في نمو اليمين المتطرّف وتصاعده، فلقد استغل الأخير الأحداث الأخيرة، فحشد الحجج والحيثيات لتمرير خطاباته العنصرية الداعية إلى الكراهية ونبذ الآخر. لا غرابة، مثلا، أن تكتب زعيمة اليمين المتطرف في فرنسا، مارلين لوبان، القيادية في الجبهة الوطنية لأقصى اليمين، على حسابها على "تويتر" ''حان الوقت لإجراء استفتاء في فرنسا وغيرها من دول أوروبا''، فالدعوات إلى الحفاظ على سيادة كل دولة سيكون ربما موضوع الحملات الإنتخابية المقبلة في أوروبا.
وعلى الرغم من هوان حجج المنادين بمسألة السيادة الوطنية، نظرا لأننا في عالمٍ تحكمه التكتلات الاقتصادية والسياسية (مجموعة الثماني، مجموعة العشرين، مجموعة البريكس، مؤتمر دافوس)، والتي يصبح فيها الحديث عن مسألة السيادة الوطنية واستقلالية القرار الوطني أمراً طوباوياً غير معمول به على أرض الواقع، إلا أن مسألة انفصال بريطانيا، وتعدّد الهجمات الإرهابية، وارتفاع أعداد اللاجئين في أوروبا، سيقدّم لليمين المتطرف حججاً يرتكز عليها لإقناع الناخبين.
وبغض النظر عن انعكاسات قرار البريطانيين على تفكّك أوروبا من عدمه في المستقبل، فقد برهن هذا الاستفتاء أن الشعب البريطاني لم يعد يرغب في الانفتاح الذي حققته العولمة، بل اختار التقوقع على الذات، ففقراء بريطانيا مثلا صرحوا أنهم لا يريدون السوق الأوروبية المشتركة التي كلفتهم استقبال آلاف المهاجرين القادمين من دول أوروبا الشرقية، ما يجعل العولمة، مرة أخرى، موضع تساؤل، خصوصاً وأنها، في الفترة الأخيرة، باتت أسواقها مفتوحة، لا للسلع فحسب، بل للإرهاب كذلك. ربما ضاق بعضهم بالقرية الكونية التي بات الرصاص والانفجارات والفارون والمهاجرون في كل أزقتها، وسيراجع ربما المشككون في فاعلية التيارات المناهضة للعولمة حساباتهم.
سيعمل القادة الأوروبيون حتماً على ترميم الصرح الأوروبي، حتى لا يتداعى إلى السقوط. لن يسمحوا للوحدة التي بنوا بذرتها الأولى في روما عقب الحرب العالمية الثانية أن تتفكّك، سيعملون على الحفاظ على وحدة الدول السبع والعشرين المتبقية، وسيفكرون ربما في ضم دول أخرى كي يحافظ الاتحاد على بقائه وتمدّده. ربما ستكون تركيا، ذات الاقتصاد القوي، وإحدى دول مجموعة العشرين الكبار، المستفيد في المستقبل.
ربما أخطأ البريطانيون، وسيكلفون بريطانيا والعالم أجمع نتيجة تصويتهم، لكنهم حتما قدموا للعالم درساً جديداً في الديموقراطية، حيث يلتزم الحاكم بوعوده، ويتنحى طواعية، في الوقت الذي يتفنن فيه حاكم عربي في قتل وتشريد شعبه منذ ست سنوات، رافضا التخلي عن منصبه الذي ورثه عن أبيه.
مقالات أخرى
18 سبتمبر 2016
16 يونيو 2016
11 يونيو 2016